محاربة المحتوى الهابط والانتصار للقيم السامية

بقلم: نيرة النعيمي

الإعلام مسؤولية

منذ أن توالت الأخبار السارة في محاربة الحكومة للمحتوى الهابط، وأرباب العوائل مستبشرين خيراً بوضع حد للحرب المستعرة على منظومة القيم الأخلاقية لهذا الشعب الجريح والصابر المحتسب، وبداية عهد جديد في تطبيق معايير المسؤولية الاجتماعية على مضمون وسائل الإعلام، فأن تكون إعلاميا مسؤولا يعني أنّ حصاد ونتاج ذلك عائِد لك وعليك بوجه الخصوص، وقد تتسع دائرة الحصاد فتشمل المحيط القريب وربما الأبعد ليشمل كل المجتمع، لا فلكِن أن تكون إعلاميّا مسؤولا في هذا العصر تحديدًا فهذا يتطلب منك الكثير والعمل الدؤوب بلا هوادة ودون تفريط، عليك الحرص على الكمال في السلوك والمظهر، وفي الأقوال والأفعال، وغايتك بلوغ الكمال وإن لم تُدركه حتى لو كنت في نظرِ البعض مخالِفا ومثالياً، لكن أن تحشر نفسك في الاعلام وتقدم محتوى فارغ وهابط وبلا حكمة وبلا وعي فتلك شهادة على تدني عقلك، ثمَّ ضميرك، لأن الإعلامي كإنسان يعنِي أنَّ ما عليه أكثر مما لَه في مجال الاعلام والتخصص تحديدًا، فالصمت ليسَ من حق الإعلامي ولا يجوز له التزام الصمت في العديد من القضايا المصيرية.

على الإعلام نقل الواقع بصورة مثالية

ونأمل أن تكون هذه الحملة جادة وصادقة وأن لا تكون لتحويل الانتباه عن أزمة الدولار وتردي الوضع الاقتصادي، ويمكن للحكومة توظيف الخبرات الكبيرة في مجال الاعلام في تطبيب المجتمع وفي حماية منظومة القيم المجتمعية، وفي تولي مهام طبابة المجتمع ومحاربة الشواذ والتافهين واستهداف العادات والتقاليد الفاسدة، لأن الإعلامي مطالب بإظهار صورة مثالية عن الواقع ليمنح المتلقي فرص للتفاعل مع الواقع وإظهار الجوانب الايجابية.

مسؤولية الإعلام في التوعية والتثقيف

ذلك أن الإعلامي الناجِح يمتلك قدرةٌ عالية على التأثير في صنع وتكوين الرأي العام ورسم الكثير من الأنماط السلوكية والفكرية لدى المتلقي والمُستقبل لكافة وسائل الإعلام بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، وأن يكون له دورٌ مؤثر كإعلاميّ لا يُمكن تجاهله والتجاوز عنه، لأن هذا الدور مفروض ومعترف به على وفق توصيف الاعلام بالسلطة الرابعة، فالإعلامي مشارك في هندسة المجتمع، وفي عملية صنع أهم القرارات السياسية، وإذا لم يكن له كلّ ذلك فلا قيمة لقلمه وشهادته.

لا ننكر أن مواقع التواصل الاجتماعي خلقت طبقة من الإعلاميين الشباب واليوم لهم الدورَ الأبرز والأمثل في عملية التوعية والتثقيف، وفي محتواهم ثورة دائمة على الواقع المزري وكشف التناقضات وتقديم التحليلات الواسعة والعميقة لكل مفاصل المجتمع، فخلقوا عصفاً ذهنيا فيه زوبعة نقاشات متفرعة وطويلة للمشكلات المجتمعية، لكن ظهور طبقة طفيلية من الفاشلين هو الذي لفت أنظار الحكومة إلى خطورة ما يقوم به المحتوى الهابط من هدم للقيم والأخلاقيات التي نفتخر بها كمسلمين.

للإعلامي دور في تطبيب المجتمع

فمن العبث والضياع تخطّي واستخفافُ خطورة هذه الطبقة، لأن مهمة تطوير المجتمع والارتقاء بالعقول وتقديرها يحتاج إلى عقلية الاعلامي التنموي والتربوي الصحيحة التي تخدم المجتمع بفئاته المختلفة وقضاياه المتنوعة.لابد أن نفهم أن طبابة المجتمع لا تقل خطورة عن طبابة الإنسان، وأن الحدود تتلاشى بين أهمية مهنة الإعلام والطب، وأن كلاهما يتطلب الدراسة بحب ورغبة وتركيز وتدقيق، وكلاهما يرتكزان على الاستفادة من الخبرات السابقة، ومن لا يستثمر الخبرات السابقة في تطوير مهاراته لا يستحق لقب طبيب أو إعلامي، ومن ينكر وجود العلاقة بين الطب والاعلام، ولم يُعرها الاهتمام، فلن يدرك ما هو الإعلام ولا الطب مدى حياته.

مسؤولية الإعلام في محاربة المحتويات الفاسدة والهابطة 

أن ظهور طبقة (الفاشينيستا- أي المتيم بالقشور دون الجوهر) لا يلغي وجود كفاءات وكنوز من الشباب الباني والواعي في مجال الإعلام، وأن ما يقدمونه من محتوى يندرج ضمن الإصلاحات الاجتماعية ويلبي احتياجات الأمة في النهوض والتقدّم، وأن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت المجالات أمامهم بشكلّ أكبر وعلى نطاق أوسع لتولي مهمة البناء وحماية القيم.

وددت الخوض في هذا الموضوع لدعم الجهود الوطنية في مقارعة المحتوى الهابط، وفي لفت الأنظار إلى عديد كليات الإعلام في العراق التي باتت تفوق كليات الطب والصيدلة والهندسة، والتي باتت تضخ شهادات مرموقة في مجال الاعلام لكن كل سلاحها هو درجة الامتياز في تخصص الإعلام، ولأن التضامن مع محاربة المحتوى الهابط مسؤولية اجتماعية، وأن لفت الأنظار إلى أن الدرجة الرفيعة المنمقة في تخصص الاعلام والتي في مضمونها لا تستند إلا على إعلامي ذو تحصيل فارغ في محتواه وإن كان من بين الأوائل في تخصصه، إنما هو لحث الإعلاميين على اقتحام الواقع العملي لخلق محتوى مسؤول وازاحة المحتوى الهابط في توفير محتوى بناء وممارسة دورهم في التثقيف والقراءة والمتابعة والتحليل والبحث والمناقشات، والتفاعل مع كل قضايا الواقع المحلي ومقارعة ظاهرة (الفاشينيستا).

المطلوب منا مواجهة المحتوى الهابط، ومحاربة من جعل من المحتوى الهابط مهنة له ليجعل من الاعلام مهنة مَن لا مهنة له، ولِمن لَم يجِد نفسه في أيّ حقل آخر يرحّب به، وأن نعلنها صراحة أننا نرفض من يختار حقل الإعلام ليكون إعلاميًا مرتزقاً بل يكون إعلاميّاً مسؤولا مدركا لعظم المسؤولية التي على عاتقه ويعي دوره القيمي والأخلاقي

بقلم: نيرة النعيمي

 

أضف تعليقك هنا