مراجعة كتاب «نفير الثُّبات» وشرح النظرية

بقلم: علي الميداني

في هذا المقال، سأقوم بمراجعة كتاب «نفير الثُّبات: رأي في جدلية القيام والقعود وبيان سبيل الخروج من مأزق الدولة المستحيلة» للشيخ محمد الميل وشرح بعض ما جاء فيه. لقد تأخرت نسختي المطبوعة من الكتاب في الوصول كثيرا، ووصلتني الطبعة الثانية بدلا من الأولى، تلقيت رسالة من هيئة اليد العليا (الناشر) أخبروني فيها: “بسبب بعض الأخطاء المطبعية في عنوان ومحتوى هذا الكتاب، تم سحبه من التداول واستبداله بطبعة ثانية منقحة ومصححة”.

معلومات عن كتاب «نفير الثُّبات»

أول ما يلاحظ في الكتاب، أن مقدمة الناشر هي نفسها المكتوبة في كتاب «قيامتنا والأخ الأكبر» لنفس المؤلف، المنشور في عام 2022. هناك تغييرات وإضافات طفيفة، ويؤكد الناشر على التالي:

  • الكتاب يحتوي على 16 عنوان.
  • هذا الكتاب تراجع لما نشره الشيخ الميل في كتابيه «عكازة مستحمِر» و«عمامة مسترجعة».
  • الكتاب يبين نظرية الشيخ الميل الثورية لإقامة الدولة الإسلامية في العصر الحديث.
  • الكتاب يبين نظرية الشيخ الميل في الوحدة الإسلامية.

طريقة تقسيم الكتاب

الكتاب عبارة عن كتابين في كتاب وتحت عنوان واحد: «قيامتنا والأخ الأكبر» (2022) الجزء الأول، و«نفير الثُّبات» (2023) الجزء الثاني لن نتطرق إلى ما جاء في الجزء الأول من الكتاب، فقد سبق وأن نقلنا مقاطع منه وشرحها ومراجعتها.  هناك تغييرات في بعض المصطلحات التي كانت مستخدمة في الطبعة الأولى من الجزء الأول، فقد لاحظت استبدال كلمة “رافضة” بــ “المسلمون”، فكأنما يريد الشيخ أن يجعل النظرية أكثر عمومية وللمسلمين جميعا بدلا من طائفة، وفرع من طائفة. كذلك هناك تغيير في إحدى عناوين الجزء الأول مقارنة بالطبعة الأولى.

الشيخ محمد الميل وحديثه عن الجهاد

يبدأ الشيخ محمد الميل بتأكيد أن الإسلام ليس في عزه في هذا العصر، وأن الطريق الوحيد لإعزازه هو بالجهاد في سبيل الله.  ثم يعلن بأن هذا التأكيد يقوله وهو في الغرب، إشارة إلى أن أخطر كلمة يمكن التلفظ بها هناك كلمة “جهاد”.  ثم يتدرج بالبيان، ويبين بأننا في مأزق الحداثة، التي جعلت دولتنا الإسلامية مستحيلة، وأنها ورطة حقيقة لا يمكن الخلاص منها حتى بجيش كبير، لأن نظم الحداثة أقوى وقادرة على إبادة كل شيء -بإذن الله-.

الحديث عن اليأس الذي يصيب المسلمين

يبوح الشيخ الميل باليأس الذي يخيم على نفوس المسلمين، في ظل يأسهم من الحداثة ونظمها (وبناتها كما يسميها).  ويتضاعف هذا الإحباط بأن الرسالات اختتمها الله بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلا سبيل لنبي جديد يأتي ويصلح الفساد الذي نعيشه ويكسر شوكة القوة المهيمنة على العالم. ولكن الأمل في رجل واحد، بشر به خاتم الأنبياء، وهو الإمام المهدي الذي سيصلح الأرض.

يؤكد الشيخ الميل بأن نظريته لا تقوم على المناظرات الكلامية والإقناع والحوار. ونجده مجددا، يذكر الشيخ الميل أسماء: ماركس، هرتزل، الخميني. وفي إحدى الهوامش، يرد الشيخ الميل على نظرية المقاصد وتحديدا على ما يطرحه المرجع الديني السيد تقي المدرسي.

يحاول الشيخ الميل في مقدمته تثبيت من يعتقد أو سيعتقد بنظريته «نفير الثُّبات»، وأنهم عليهم ألا يتوقعوا النصر دائما، فالإمام الحسين قاتل وكان يعلم أن حربه خاسرة وفق الموازين الطبيعية، وكذلك فعل الإمام علي. ويخبر القرّاء عن قصة نبي الله نوح عليه السلام، وأن البذور التي كان يغرسها على مدى سنوات، وكان قومه يضحكون عليه، أنبتت وأثمرت واستطاع بها أن يبني سفينة ضخمة أنقذت الأنواع.

يطمئن الشيخ محمد الميل من يعتقد بأن لا خلاص من الحداثة وقوة النظام الدولي، بما انتهى إليه ويل ديورانت صاحب موسوعة «قصة الحضارة»، بأن الحضارات قد تنتهي بعوامل جيولوجية! فمهما تبخترت الحضارة الغربية بقوتها وطغت سيأتي يوم وتكون كأن لم تكن. يوضح الشيخ الميل سبب تصورنا بحتمية الحداثة وأنه لا مفر لنا من هذا الواقع، وهو أن الحداثة ذات كينونة شمولية، تماما كالدين.

الحداثة

يبدأ عنوان جديد «الحداثة.. جامعة السعادات أم التعاسات»، وعبارة «جامعة السعادات» مقتبسة من عنوان كتاب شهير «جامع السعادات» الذي يحتوي على مواعظ ونصائح أخلاقية تجعل الإنسان يحصل على كل السعادات إن عمل بها وكأن الشيخ الميل يريد أن يقول إن الحداثة هي جامعة التعاسات لأنها فاقدة للقيم الأخلاقية.

يتحدث عن إحدى بنات حداثة، العولمة، وأنها العجلة التي تحركها وتجعلها تنتشر عولمة كل شيء، يقول: “حتى أصبحنا نرى الأعراب يلتقمون السوشي”!

العولمة

في الوقت الذي تنتشر فيه الحداثة بسبب قوة العولمة، فإنها في تراجع يحلل الشيخ الميل الأزمة الفنزويلية، ويقول بأن أحد أسبابها هو التحديث السريع للمناطق الريفية مما خلق حالة تنافر.

يتعمق الشيخ الميل أكثر في الحداثة، ويقول بأنها تقوم على الفردانية، وهذه الفردانية تسببت في فقدان المعنى للإنسان الحديث تسببت الفردانية باضطراب نفسية الإنسان الحديث يضرب مثالا في الهامش على منصات التواصل، وكيف أن بعضها يدفع المال لصناع المحتوى الذين يعرضون أجسادهم.

الحوار الذي دار في الكتاب

يطرح الشيخ الميل سؤالا جوهريا، حول الحداثة وكيف استطاعت أن تحدث الإنسان، فيجيب: بشعار الحقوق.. حقوق كل شيء! ومن هنا يريد انتقاد ما يسمى بحقوق الإنسان. يذكر الشيخ محمد الميل في كتابه لقاء بينه وبين أحد الناشطين السياسيين لم يذكر اسمه، كان يريد هذا الناشط أن يتعاون مع الشيخ الميل في “القضايا الحقوقية”، لم يكن يعلم أن الشيخ قد اتخذ موقفا من هذه القضايا والمنظمات. يصف الشيخ الميل هذا اللقاء بأسلوب بلاغي جميل.

في مقارنة بين الدول العربية والدول الغربية، يصف الشيخ الميل الدولتين بالقمعية، ولكن الفرق أن الأولى بغباء والثانية بذكاء. يذكر الشيخ موقفا حصل أمامه في مظاهرة التغير المناخي في بريطانيا، حينما اشتدت المظاهرات وكانت هناك احتمالية عنف، لم تقمع الشرطة المظاهرة، وإنما طلبت من عناصر مخابراتية بتشغيل الموسيقى الصاخبة وتوزيع المسكرات، وبالفعل انتهت المظاهرة والكل سكران ومنهك!

حقوق الإنسان

يؤكد الشيخ الميل زيف شعارات حقوق الإنسان، ويذكر الحضارة الغربية بما فعلته في اليابان بعد إلقاء قنبلتين نوويتين، ويذكرهم بالهولوكوست، ويضيف بأنه لولا هذا التقدم التكنلوجي الهائل الذي دفع إلى ابتكار أسلحة دمار شامل وإبادة لما تمكن الإنسان من فعل هذه المجازر. ويتهكم الشيخ الميل بالعقل الغربي، الذي يعتقد بأن في امتلاك الأسلحة النووية يمكن الحد من الحروب وإنهائها، لأن كل من يفكر بالحرب سيخاف من العواقب ومن ثم يضرب مثالا على التناقض الغربي، كيف أنهم يرون امتلاك إيران لسلاح نووي خطر، ولكن امتلاك باكستان أمر عادي، وكلا الدولتين إسلاميتين!

الانتكاسات الجنسية التي سببتها الحداثة

يتكلم الشيخ الميل عن الانتكاسات الجنسية التي سببتها الحداثة لدى الإنسان الحديث كلمة اغتراب عادة ما يستخدمها كارل ماركس للإشارة إلى “الاغتراب الاجتماعي” لكن الشيخ ينتزع هذا مصطلح الاغتراب من كلام للإمام علي يقول فيه: “الاغتراب أحد الشتاتين”.

تفاهة المنطق النسوي

يعرض الشيخ الميل تفاهة المنطق النسوي ويسخفه، حيث يرون أن التي تعمل “مستقلة” والتي تعمل في بيتها لعيالها “عبدة”! يتطرق الشيخ الميل بذكر السموم الفكرية التي أنتجتها الحداثة، ومنها “اللاإنجابية”، وكيف أنهم يروجون لفكرة عدم الإنجاب. ثم يستمر الشيخ الميل بفضح الحداثة وبناتها، ويتطرق إلى كيف أنهم بعد النسوية واللاإنجابية، ذهبوا إلى الأولاد والعيال لتنفيذ أجنداتهم.

شرعوا لهم “حقوق الطفل” وبهذه الحقوق يتم سحب الأطفال من والديهم، وقانون إلڤو وما يحدث في السويد مثال حي. ثم يتعجب الشيخ الميل من عناوين حقوق الإنسان عندهم: حقوق المرأة / الطفل، ويتساءل أين حقوق الأم / الآباء؟ ويرى أن ذلك تأصيل وترسيخ الفردانية. وبعد النسوية، واللاإنجابية، والأطفال، يأتي موضوع الزنا والإجهاض، ويوجه الشيخ الميل سؤالا إلى دعاة الإجهاض، عن حقوق الأجنة، لماذا ليست موجودة؟ ويسأل أتباع حقوق المرأة الذين شعارهم: جسدي لا جسدك، أين شعار: جسد الجنين لا جسدك؟!

الشذوذ 

ثم يتطرق الشيخ الميل للموضوع الأطول وهو الشذوذ “المثلية” وكيف يتم ترويجها برسائل متناقضة: الطبيب قد يخطئ في التشخيص، وأنت لا تخطئ! يسرد الشيخ الميل حوارا جرى أمامه في المواصلات العامة، سمع طالبا يقول لآخر أنه كذب على معلمته وقال لها أنه “مثلي” ليحصل على درجة أعلى، وبالفعل حصل على درجة أعلى! ويكمل أنه كان في الكويت يتعمد أحيانا الهروب من مادة التربية الإسلامية حتى لا يسمع المعلم يكفر أبو طالب وهو رمز ومات على الإسلام كما يعتقد الشيعة، والآن في الغرب أصبحت المدرسة بمجموعها ينبغي الهروب منها وليس مادة واحدة!

وتحت عنوان جديد «ريح أرض مسطحة»، يتناول موضوع النباتيين الذين برزوا كثيرا في الغرب خصوصا، ويطالبون بتجريم أكل اللحوم! يستدل بهم بأنهم من إنتاجات الحداثة.

الدولة الإسلامية..أنشودة الشيطان

ويأتي بعد الذي سبق، عنوان جديد: «الدولة الإسلامية.. أنشودة الشيطان»، وكأن الشيخ الميل يريد أن يقول إن الذي يطالب بتأسيس دولة إسلامية في العصر الحديث قبل إنهاء الحداثة وإسقاط النظام الدولي، أن مطالبته هذه مطالبة شيطانية. ثم يتدرّج ويفرّق بين القانون والشريعة، وأنهما ليسا سيان، القانون شيء والشريعة شيء آخر، فمن يريد تأسيس دولة إسلامية السيادة فيها للقانون، فهو لم يأت بدولة إسلامية، بل دولة حديثة مأسلمة.

يرد الشيخ الميل في إحدى هوامش الكتاب على نظرية شورى الفقهاء للمرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي، وقبل هذا الرد، رد على نظرية جديدة اسمها “وكالة الفقيه”.

الاختلاف بين مفهوم الدولة الإسلامية والدولة الحديثة

وبعد استدلاله على بطلان إقامة دولة إسلامية في العصر الحديث واستحالتها في ظل قوة الحداثة والنظام الدولي ، وبعد بيانه بأن هناك اختلاف جوهري بين مفهوم الدولة الإسلامية والدولة الحديثة، وأن الأولى تقوم على الشريعة (وهي قيم)، والثانية تقوم علم القانون الوضعي (معدومة من القيم)، إضافة إلى إشكالات السيادة والقومية، يتطرق إلى عنوان جديد وهو موضوع هذا الكتاب «نفير الثُّبات.. جهاد انتقالي»، النظرية التي يعتقد بها يمكن تحقيق الدولة الإسلامية وأن بها يمكن إنهاء الحداثة وإسقاط النظام الدولي.

يقر الشيخ الميل بأن نفير الثُبات هو نوع جهاد، ورد ذكره في سورة النساء، ينتزع الشيخ هذا المصطلح من الآية ولا يريد تفسيرها وبيان مصداقيتها، وينطلق من قاعدة، أن عز الإسلام لا يكون إلا بالجهاد، ولكن كيف نجهاد وهم الأقوى؟ كيف نجاهد وهم قادرين على سحقنا سحقا؟

لماذا نفير الثُّبات هو الجهاد المطلوب في هذه المرحلة؟

لماذا نفير الثُّبات هو الجهاد المطلوب في هذه المرحلة؟ يجيب الشيخ محمد الميل:

  • الحرب غير متوازية، ولا نستطيع على قوة العدو.
  • لأن العولمة أكثرت من سبل فهم الدين وبالتالي المناهج الدينية كثيرة ولا يمكن التوحد.
  • الجهاد الفردي هو أقرب للنفس الحديثة التي تغلبت عليها الفردانية.

شرح الشيخ الميل نظريته

يشرح الشيخ الميل نظريته، ويقول إنها تتراوح قوة وضعفا، القوة في الانغماس والضعف في المراغمة كما يشرح في هامش الكتاب، ويضرب أمثلة على حالات يمكن أن يطلق عليها نفير ثبات بغض النظر عن صلاحها أو طلاحها:

  • تحطيم النبي إبراهيم لأصنام قومه.
  • إعدام كعب بن الأشرف.
  • فتوى الإمام الخميني بإعدام سلمان رشدي.
  • الاستيطان اليهودي.
  • اغتيال فرانز فرديناند.

أسئلة وأجوبة تخص كتاب نفير الثبات

أخيرا، وتحت عنوان «وحدة تحالف لا وحدة اندماج»، يطرح بشكل سريع الشيخ الميل نظريته في الوحدة الإسلامية، ويرد الأطروحات التالية:

  • التقريب بين المذاهب.
  • التعايش المشترك.
  • الأخوة الدينية.
  • اللامذهبية.

إلا التعايش المشترك فيقول فيها نظر، ويطرح بديلا الاتحاد الإسلامي بدلا من الوحدة، وألا يكون طموحها الاندماج، بل القضاء على العدو المشترك، وهي انتقالية ليست أصل. ثم يعلنها أنه بعد تحقيق الهدف، فلتحكمنا دولة سنية ولينقلب عليها الشيعة والعكس بالعكس، ولا أن يحكما النظام الدولي ونعيش الحداثة.

إلى هنا نكون قد انتهينا من مراجعة أجزاء من الكتاب، ونذكّر بأننا لم نقم بتغطية كل الأفكار والموضوعات، لذا ننصح بقراءة الكتاب كاملا وبتسلسل لفهم مطالبه وأدلته.

من صاحب نظرية نفير الثبات؟

ويمكن اختصار النظرية في سؤال وجواب، كما في التالي:

  1. من صاحب نظرية “نفير الثُّبات”؟

الشيخ محمد الميل

  1. من أين أتى اسم “نفير الثُّبات”؟

من قوله تعالى: “فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا”.

  1. ما هي نظرية “نفير الثُّبات”؟
  2. جهاد فردي – انتقالي – هندسة عكسية للفردانية – لا تؤمن بالحوارات الكلامية.
  1. لماذا نظرية “نفير الثُّبات” هي الحل؟

الله جعل الجهاد عزا للإسلام – أقرب للإنسان الحديث (الفرداني) – لا قِبَل للجماعات الجهادية بالعدو عسكريا (الحرب غير متوازية).

  1. ما هو هدف نظرية “نفير الثُّبات”؟

إنهاء الحداثة وإسقاط النظام الدولي لتحقيق الدولة الإسلامية.

  1. كيف نحقق هدف نظرية “نفير الثُّبات”؟ من يجب أن نستهدف؟

مؤسسات النظام الدولي – المنظمات العملاقة – مظاهر الحداثة البشرية.

  1. كيف نمارس نظرية “النفير الثُّبات”؟

يتراوح النفير قوة وضعفا، عسكرية ومدنية. أقواه: الانغماس. أضعفه: المُراغَمة.

  1. ما هي نتائج نظرية “نفير الثُّبات”؟

خلق توازن في الرعب – شعور العدو بخطر الإبادة – حضور كل نفير في الذاكرة الجماعية.

  1. هل ستلقى نظرية “نفير الثُّبات” قبولا؟

نعم، لأن أمتنا مهيئة لمعارضة فاعلة وغير مشروطة لقيم الحداثة والنظام الدولي.

  1. ما هو محرك النظرية وشرط إثبات صحتها؟

أن تتحول إلى ممارسة ميدانية، وظاهرة عامة تقوم على الفعل وليس على ردة الفعل.

بقلم: علي الميداني

 

أضف تعليقك هنا