معنى (نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) في لسان القرآن العربي المبين

(نفر) من جذر نفر ومن صفة النفير مثل القول: نفروا القوم أو قوله سبحانه (فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا) أي انفروا أشتات متفرقين أو جميعا ..جمعا واحدا .. أو (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا) والنفر هم دون الخمسة والغالب أنهم ثلاثة في اللسان أما قوله سبحانه (انفروا) مخاطبة جمع من الناس ولهم الخيار بالنفير أشتات أو مجتمعين.

من هم النفر في سورة الجن؟

اي اذا اسمع احد من اهل اللسان في الجاهلية مفردة (نفر) فقط سيفهمها انهم ثلاثة من الناس او دون الخمسة نفروا لأمر ما ..كونها دلالتها تعني ذالك في لسانه مثل النفر الذين في سورة الجن يتضح انهم ثلاثة نفر من اهل الكتاب لديهم علم بالتنجيم نفروا لأمر ما يريدون استيضاحه واستبيانه اما انهم من اهل الكتاب قولهم (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) يتضح انهم كانوا على عقيدة التثليث الضالة وهم يقولون ان الله جد ربنا اله واحد لم يتخذ صاحبة ولا ولد وقالوا (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) اي سفهائنا من كبرائنا كانوا يقولون على الله الكذب والزور والشطط بمعنى البعد عن الحق.

ماذا كانوا يعملون؟

واما انهم منجمين وتبين لهم امر في السماء ونفروا لاتباعه قولهم (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) لمسنا السماء اي طلبنا خبرها من التماس الخبر ويقال جاء يلتمس الرزق اي جاء يطلبه، وهم يقولون ان طلبنا خبر السماء فوجدناها (ملئت) وحقيقة الملء هو عمر او ملئ فراغ المكان فلم يكن مجال للتنجيم ..والحرس من الحراسة اي الحفظ والصون كقوله سبحانه عن النجوم (وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ) اي حفظا من كل من شط عن الهدى ومرد على ذالك

وذالك كونه قطع دابر التنجيم بعد البعثة وملئت السماء بالنجوم وحصر التنجيم على المنجمين الشذاذ الآفاق باستثناء المنجمين من اهل العلم الذين يتبعون النجوم الثابته والواضحة كعلامات كقوله سبحانه (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)

حفظ السماء من كل شيطان رجيم

قال (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) وقال (وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ) اي حفظنا السماء الدنيا بالبروج من كل من شط ورجم فيها بالغيب او بالظن واستثاء بعدها فئة (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ) صيغ الاستراق على وزن الافتعال اي الا من راقب بخفية وتتبع بتوجس وخطف الخطفة قبل فواتها والخطف هو ابتدار تناول شيء بسرعة وبيانها (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) والثاقب في اللسان هو المضيء او المنير و (إلا) استثناء لذالك والاية الثانية تبين الاخرى اي الا من راقب بحرص اتبع شهاب مبين اي واضح او ثاقب بمعنى مضيء بعلم وليس المتبعين النجوم الخارجه عن مداراتها

والنفر في سورة الجن من المستبينين لحركات النجوم بدلائل واضحه وهم يقولون (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) وقالوا (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ) اي كنا نقعد مقاعد (من السماء).. وكل ما من السماء في اللسان هو على الارض بدليل المقاعد من القعود على الارض للترصد كقوله سبحانه (إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَال) لي لترصد العدو

اي انهم كانت لهم مقاعد ومراصد يترصدون النجوم منها والدليل قولهم (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) فالاستماع بمعنى التوجس والترصد اي من يراقب الان يجد للنبي صلى الله عليه وسلم شهاب واضح ان ترصده وتتبعه سيدله ويهديه لمكانه….

كونه عند بعثة كل نبي يظهر في السماء الدنيا نجم يتعامد على مكان النبي كهدى وعلامه للناظرين من اهل الارض وقرن الله النجم الساقط في السماء الدنيا بالنبي في قوله (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) هو اي سقط وبان

واهل الكتاب مذكور عندهم في الانجيل انه سبق وظهر وهوى نجم مبين في السماء الدنيا وتعامد على محل النبي الوليد عيسى عليه السلام فتتبعوه وترصدوه ثلاثة نفر من المجوس لديهم علم بالتنجيم فاوصلهم اليه.. اسماهم الانجيل (الاجانب من اهل المشرق) وعادوا الى قومهم منذرين

والقرآن وصف هؤلا النفر بأجتنانهم واغترابهم عن اهل المكان اي يغلب عليهم طابع الاجتنان وتكسوهم الغربة والوحشة والتواري عن اهل المكان اي غير معروفين بالنسبة لأهل المكان اي اجانب كقول الشاعر العربي في صدر الاسلام لأخيه عن فقراء المهاجرين :

وجن المسلمين امس ودا

ولو جاورت اسلم او كلابا

اي ان فقراء المهاجرين الذين يغلب عليهم طابع الاجتنان والتواري والوحشة والغربة والستر ويحسبهم الجاهل اغنياء من التعفف هم افضل لك جيرة وود من قبائلك اسلم وكلاب فالسلف السابق في صدر الاسلام يعلمون ان معنى (الجن) هي صفة تصف إجتنان قوم وتواريهم عن قوم بأسباب اما كونهم فقراء او كونهم سادة وكبراء

وهؤلا النفر العزيز الذين وصفهم الله سبحانه بإجتنانهم وتواريهم عن اهل المكان هم نفر من نصارى اهل الكتاب ومن ذوي العلم نفروا بدليل وهدى شهاب تبين لهم في السماء ترصدوه وتتبعوه الى ان اوصلهم الى محل النبي صلى الله عليه وسلم وسمعوا الخبر المبين وادركوا انهم كانوا ضالين فأمنوا وعادوا الى قومهم منذرين وكانوا من نصارى نصيبين في العراق (نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ)

من هم النفر في سورة الأحقاف؟

اما النفر الذين في سورة الاحقاف فهم من يهود بني عذرة في اليمن ايضا تبين لهم مثل ذالك ونفروا مثل اصحابهم وقال الله فيهم (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)

لماذا صرف الله لرسوله صلى الله عليه وسلم نفر من كبراء النصارى ومن كبراء اليهود وذالك (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فهؤلا النصارى من نصيبين من العراق واليهود من اليمن هم من كبراء اقوامهم وسيتبعونهم اقوامهم في ايمانهم ويدخل الناس في دين الله افواجا

ومثلهم مثل (الاجانب من المشرق) في الانجيل والدليل انهم من اهل الكتاب قولهم عن نبيهم عيسى في سورة الجن (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) اي تراصوا وتلبدوا واتحدوا عليه وكادوا ليستفزوه من الارض ليخرجوه منها وقال الله عن اهل الكتاب من اليهود والنصارى في سورة الجن (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) وقال مبينا عنهم في سورة آل عمران (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم) والقرآن يبين بعضه…..

فلنصحح مفهومنا بلسان القرآن واتباع اياته لاستخلاص بيانه وتفصيله في مفردة (الجن) انها تعني صفة لقوم من الناس غلب عليهم الاجتنان والتواري والستر باسباب اما كونهم فقراء او كونهم كبراء .. مثلا مفردة الجن ان اقترنت بالانس (الجن) صفة لمن غلب عليه الاجتنان والتواري والستر من سادة الناس وكبرائهم ..كذا صفة لمن انس وستانس وخالط من العامة.. اي ان الجن والانس هما صفات لفئات الناس خاصتهم وعامتهم وقال في معنى الحديث كل نبي يبعث لخاصة قومه وانا بعثت الى الجن والانس ..اي الى الناس اجمعين خاصتهم وعامتهم والله اعلم

فيديو مقال معنى (نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) في لسان القرآن العربي المبين

 

https://youtu.be/iIwjedcL29A

أضف تعليقك هنا