غابة إيلان بآسفي: متنفس طبيعي يقي الساكنة شبح التلوث الهوائي

بقلم: نبيل الهومي

على سبيل البدء:دأبت منار، هي وأسرتها، في نهاية عطلة كل أسبوع على ارتياد فضاءات غابة إيلان بمدينة آسفي، إذ لطالما وجدت فيها حضنا وفيا تتوافر فيه دواعي الاستجمام والهدوء والراحة، سيما بعد أسبوع حافل بالجد والعطاء والمثابرة، تشكلت في ذاكرة منار عن هذا المكان مجموعة من الذكريات التي لا يمكن أن تُطْمَرَ، أبدا، تحت ركام النسيان؛ ففي ملاعب الغابة مارست شغفها الرياضي، وداخل ساحاتها برز حسها الإبداعي، وبين أشجارها لامست نسيم هواء نقي، بعيدا عن كل تلوث صناعي.

وبذلك، شكل الذهاب إلى الغابة بالنسبة إلى منار رحلة مكانية دائمة تصاحبها، على الدوام، رحلة نفسية موسومة بذكريات خالدة تُزهر في القلب والذاكرة.  منار ومن خلالها فريق الربورتاج الصحفي فتح منافذ البحث وانتحى منحى التنقيب والسؤال بغرض معرفة المزايا التي تكتنزها غابة إيلان بآسفي، واستجلاء أدوارها البيئية العديدة التي تدفع الساكنة إلى ارتياد أكنافها الرحيبة.

غابات آسفي: رئة الإقليم النابضة بالعطاء الأبدي

تنتشر على تراب إقليم آسفي مجموعة من الغابات التي تمنح الحياة لسكانه، فهي تعد مرتعا خصبا لمحاربة التلوث الهوائي الذي يعرفه الإقليم نتيجة احتضانه لمجموعة من الوحدات الصناعية، فضلا على أنها فضاء يمكن ساكنة إقليم عبدة من ممارسة مجموعة من الأنشطة الترفيهية التي تخرجهم عن معتاد الحياة اليومية. ومن الغابات التي يشتهر بها إقليم آسفي نجد غابة سيدي امساهل التي تعد فضاء يغري بالراحة والاستجمام، نظرا لتوفرها على مساحة كبيرة تمكن الساكنة من مزاولة أنشطتهم الرياضية والترفيهية.

ففي يوم كل أحد تجد أهل عبدة يسيرون فرادى وجماعات، وهم يقصدون غابة سيدي امساهل بغرض تَنَسُّمِ أريج هواء صاف ينعش النفس ويبعث فيه الحياة، وكذا الترويح عن النفس من خلال اتخاذ شباب الإقليم الغابة فضاء لإخراج طاقاتهم ومواهبهم الناطقة بالإبداع والإمتاع، فيجد الزائر للغابة، بذلك، نفسه أمام مجموعات تشنف الأسماع طربا وغناء، وفرقا تُظْهِرُ سواعدُها في لعبة القدم وغيرها من الرياضات ألقا وعطاء، ثم مجموعات أخرى تنظم صبيحات تربوية للأطفال يلامس مضمونها شغاف القلب بكلام يحمل قوة وبهاء.

ومن الغابات التي تفيء كذلك على مدينة آسفي ظلال النفع وتخرجها من جحيم التلوث الهوائي نجد غابة “العرعار” التي تتواجد بشمال المدينة، وتشكل قطبا جاذبا لساكنة المدينة وزوارها. تمتد الغابة على مساحة تناهز 31 هكتارا، وتتكون أرضها الصلبة من أتربة رملية تحضن العديد من أشجار الصنوبر التي تم غرسها بتاريخ 15 يونيو 1972 وكانت تقدر ب 25763،

الأشجار في آسفي

بشكل جعل هذه الأشجار تنتصب شامخة، وهي تحكي تاريخا طويلا من العطاء الأبدي المستمر لساكنة آسفي، إذ أسهمت غابة العرعار قديما وحديثا في محاربة انجراف التربة، وتلطيف جو المدينة ومحاربة أي تلوث هوائي ينجم عن الأدخنة المتصاعدة من مداخن مصانع المدينة ومعاملها. أضف إلى هذا أن فضاءها شكل ملاذا آمنا للأسر الباحثة عن الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة، من خلال التملي في أشجار الصنوبر الباسقة، ومكانا يجد فيه الشباب فرصة سانحة لحفز مواهبهم الخلاقة، وأضحت، كذلك، ساحاتها مجالا يطلق فيه العداؤون سياقانهم للريح استعدادا لمختلف الاستحقاقات الرياضية المحلية والوطنية.

غابات آسفي مرتع خصب لمحاربة التلوث الهوائي الذي يعرفه الإقليم نتيجة احتضانه لمجموعة من الوحدات الصناعية، فضلا على أنها فضاء يمكن ساكنة إقليم عبدة من ممارسة مجموعة من الأنشطة الترفيهية التي تخرجهم عن معتاد الحياة اليومية

إلى جانب ذلك تتواجد بجنوب المدينة غابة إيلان التي أشاع إحداثها نورا ساهم في تبديد بعض من سواد التلوث الهوائي بجنوب آسفي، سيما وأن هذه المنطقة تحديدا تعرف تركز الوحدات الصناعية التي منذ قديم الزمان.

غابة إيلان: فضاء أخضر لتجنب التلوث الأخطر

تعد غابة إيلان حديثة عهد بالإحداث؛ فقد فتحت أبوابها للزوار سنة 2022، وهي تمتد على مساحة إجمالية تقدر ب 18 هكتارا، وهي ثمرة شراكة بين المجمع الشريف للفوسفاط وعمالة إقليم آسفي والمجلس الجماعي لمدينة آسفي مالك الوعاء العقاري، بقيمة مالية بلغت عشرين مليون درهم وتضم عدة مرافق تبعث على الراحة والاستجمام والترفيه، إذ تعرف غابة إيلان تواجد باحات ألعاب للأطفال، ومدارا للركض، ومكانا للتزلج SKATE PARC، والعديد من التجهيزات الرياضية التي تحفز الشباب على ممارسات أنشطتهم المفضلة، في جو يسوده الهدوء والأمان إضافة إلى توفرها على فضاءات خضراء تضم أشجارا مختلفة الأصناف والأنواع، وهو ما يعدد الحجج الناطقة بأهمية المكان.

وتأخذ غابة إيلان أهميتها كذلك، انطلاقا من الموقع الاستراتيجي الذي اتخذته، فهي تتموقع في جنوب المدينة على طول شريط يضم مجموعة من المصانع والمعامل التي تنفث أدخنتها وغازاتها في الجو، بشكل يحدث تلوثا هوائيا، تمنع انتشاره وتحد من وقعه غابة إيلان التي تزيل الملوثات وغازات الاحتباس الحراري من الجو، من خلال امتصاص ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من مداخن الوحدات الصناعية، وهو ما يجعلها منارة الجنوب التي تشيع في حاضرة المحيط هواء نقيا يبعث الحياة والنشاط في أنسجة سكان المنطقة والمدينة.

غابة إيلان: في سبيل جعل الفضاء قطبا جاذبا للسياحة الإيكولوجية

لا شك أن غابة إيلان بما تضمه من مرافق وتجهيزات وفضاءات خضراء تشكل وجهة مفضلة للزوار من داخل المدينة وخارجها، ومن أجل تعزيز العرض السياحي وجعله أكثر جاذبية واستقطابا للزوار والسياح من داخل المغرب وخارجه، نقترح ما يلي:

  • تشجيع التراث المحلي الذي تشتهر به مدينة آسفي على الظهور والبروز في فضاءات الغابة من خلال إقامة حفلات فلكلورية وأمسيات فنية وورشات يدوية، خاصة بصناعة الفخار مثلا، وهو ما سيحفز الزائر على ارتياد فضاءات الغابة والإقبال على الفقرات والأنشطة المنظمة داخلها.
  • انخراط السكان المحليين القاطنين بجنوب مدينة آسفي وتحديدا المتواجدين بالقرب من غابة إيلان في برامج ومشاريع أنشطة السياحة الإيكولوجية من قبيل فتح محلات تجارية وإقامة معارض للصناعة التقليدية المحلية وهو ما سيحق تنمية مستدامة يستفيد منها أبناء المدينة حاضرا ومستقبلا.

بقلم: نبيل الهومي

 

أضف تعليقك هنا