المناهج الفلسطينية

بقلم: أ. أسامة محمد محمد مطر

المنهج 

يُعتبر المنهاج محوراً رئيساً من محاور التربية؛ وهو عنصر مهم من عناصر العمليـة التعليمية؛ لأنه يُعد الوسيلة التي يصل بها الشعب إلى ما يبتغيه من أهداف وآمال.

والمنهج هو تفسير للفلسفة التربوية القائمة في مجتمع ما؛ لأنه يعكـس السياسـة التـي ترسمها الدولة، إذ يستطيع الفرد أن يفهم سياسة بلد ما، وأن يَعرِف الاتجاهات السائدة لديه عـن طريق المناهج الدراسية المطبقة فيه .

ولعل وضع المناهج التربوية يُعدّ من أدق المسائل التربوية ، وأكثرها خطراً؛ لأن وضـع منهاج دراسي معناه تعيين نوع الثقافة ، وتحديدها لأبناء الأمة، فثقافة المجتمع، وخصائص أفراده، ما هي إلا نتاج المناهج الدراسية التي نشأ وتربّى عليها وتشكلت شخصيته في إطارها، فإن كانت المناهج جيدة، وطُبِقت بطريقة صحيحة، صَلُح المجتمع وتطور وإن كانـت المنـاهج ضـعيفة، وطُبِقت بطريقة عقيمة، تأخر المجتمع وتقهقر.

تُمثل المناهج الدراسية حلقة وصل بين ما يحدث من تطورات وتغييرات في مجال العلم والتكنولوجيا، وبين ما يمكن للمجتمع أن يستخدمه من تلك التطورات والتغييرات .ولا نبالغ إذا قلنا أن الفرق بين الدول المتقدمة، والدول المتخلفة يكمن في نوعية المناهج المقدمة إلى أفراد المجتمع .

كما تُشكل المناهج موضوعاً مهماً يُثار حوله الجدل والنقاش بين رجـال التربيـة مـن ناحية، ورجال السياسة والاقتصاد والاجتماع من ناحية أخرى . وقد يُوجه النقد واللـوم للمنـاهج وواضعيها، كلما عانى بلد من البلاد وهناً أو ضعفاً على الصعيد الخُلقي والوطني، أو نقصاً فـي الإنتاج، أو غير ذلك من الظواهر السلبية.

المنهج الفلسطيني 

لقد ناضل الشعب الفلسطيني طويلاً من أجل ممارسة حقه الطبيعي فـي تقرير مصـيره التربوي، وهو يمارس الآن سيادة تكاد تكون كاملة، وذلك بوضعه الخطط التربوية التي تمكنـه من تنشئة أبنائه وبناته في ضوء فلسفة تربوية محددة ، وأهداف واضحة ، لبنـاء مجتمـع موحـد وحديث ومواكب لروح لعصر التقني ؛ وكل ذلك من أجل التعايش مع المجتمعات الأخرى علـى قدم المساواة والتكافؤ والحرية والكرامة  .

ويعد 1993 وما نتج عنه من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994 وتشكيل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية منعطفا تاريخيا فيما يتعلق بالمناهج الفلسطينية بشكل خاص وبالتعليم بشكل أشمل  .

في عام 1966؛ تم استحداث وزارة متخصصة في التربية والتعليم العالي ومن حينها اتجهت أنظار التربويين الفلسطينيين إلى بناء مناهج ّ دراسية وطنية بدلا من المناهج الأردنية والمصرية التي تأسست متبعة للتعليم في فلسطين المحتلة بهدف تأدية هذه المناهج الوطنية دورها التربوي و التنموي في صقل الشخصية الفلسطينية من جميع جوانبها و مظاهرها و تحقيق تطلعات الشب الفلسطيني وأمنياته نحو مستقبل مشرق .

وبناء على هذه التطلعات، وضعت إستراتيجية وطنية لبناء المنهاج الفلسطيني الأول وعلى مراحل، وفعلا بدأ العمل في المرحلة الأولى من العام 2000/2001 لتعميم منهاج للصف الأول الأساسي  واستكملت المناهج في العام 2006/2007 بشكل نهائي بمنهاج الصف الثاني عشر.

تم تأسيس أول مركز للمناهج عقب تولي السلطة الفلسطينية نظام التعليم كنتاج لاتفاقية أوسلو عام 1994، والذي بدأ بمباشرة أعماله الفعلية عام 1995 مع فريق من التربويين والاختصاصيين من الضفة الغربية وقطاع غزة ، وتم الخروج بخطة المبادئ الأساسية التي حددت أول منهاج فلسطيني . تشكلت لجنة مستقلة عن وزارة التربية والتعليم، وغيرها من مؤسسات السلطة، وعمدت للاتصال المباشر مع المعلمين والطلاب وحتى رجال الدين.

بنود خطة وزارة التربية والتعليم الفلسطينية

ولعل من أبرز بنود خطة المبادئ التي حرصت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية على إعلانها:

  • استناد المنهاج على الحقائق .
  • تشجيع الطلاب على التفكير والابداع والنقد .
  • عدم إغفال الفروق الفردية بين الطلاب .
  • التأكيد على قيم العدالة، والتسامح، والتعددية .
  • الاهتمام بالتكنولوجيا واستخدام الإنترنت .
  • احترام الآخر .

بدأت المناهج والكتب المدرسية الفلسطينية بصياغة بعيدة عن السياسة، خاصة مع ضبابية المرحلة السياسية وعدم وضوح الحدود الجغرافية، إلا أنها اعتمدت في كتبها على الرواية الفلسطينية المعروفة لقيام الكيان الإسرائيلي، وذلك خلال المرحلة التاريخية بين (1948 – 1967) وهي ذاتها التي اعتمدها مؤرخون إسرائيليون، وغير إسرائيليين حول العالم، وبالرغم من ذلك لم تلق قبولاً من اليمين الإسرائيلي المتطرف، بل اعتبرته منهاجاً تحريضياً، وحاربته محلياً وعالمياً.

إن الخطة الأولى والمعلنة للمناهج والكتب المدرسية التي وضعتها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تؤكد أن لفلسطين تاريخا طويلا، وتراثا عريقا، وثقافة ممتدة تربطها بشكل وثيق بالعالمين العربي والإسلامي، مؤكدة بأن الفلسطينيين يعملون على بناء علاقات سلام جيدة وطبيعية مع جيرانهم، كما أوضحت بأن ما يشغلهم هو بناء وتدعيم المجتمع المدني وإنشاء الدولة، أكثر من كتابة تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي في مناهجهم.

طبيعة المنهاج 

فقد انقسم المثقفون الفلسطينيون حول طبيعة المنهاج .

الفريق الأول   

من العلمانيين الراغبين ببناء ثقافة أساسها الاشتراكية والديموقراطية بهدف أن يبحث ويتعلم الطلاب في جو ديمقراطي، على أن يكون المعلمون مرشدين وموجهين، مستخدمين أنماطاً واستراتيجيات مختلفة في التعليم . وبهذا أُدخلت إلى المنهاج مواضيع جديدة مثل التربية المدنية، والتي تحتوي نصوصا عن حقوق الإنسان والديمقراطية.

الفريق الثاني  

فقد كان جل اهتمامه الخروج بمنهاج فلسطيني يحول الطلاب لمجتمع من الدارسين النشطين، الذين يمتلكون حساً نقدياً، ولم تكن القضية الوطنية الدافع الوحيد المحرك لتفكيرهم، خاصة مع كم الخريجين، وحملة شهادة الثانوية “التوجيهي” ممن يفتقرون إلى الحس النقدي و الإبداع . فالمناهج من وجهة نظرهم تشجع على الحفظ والاستظهار، ولا بد من تغييرها لتلائم التطورات والمستجدات، وتشجع على البحث والإبداع والتفكير الناقد.

الفريق الثالث    

بينما الفريق الثالث من دعاة رؤيا الإصلاح التربوي، وغالبيتهم من المعلمين الذين ينتقدون المنهاج التعليمي، ويشتكون قلة المصادر المادية المتوفرة للتعليم، فبادروا للبحث في التقنيات المعاصرة، والأساليب والاستراتيجيات والوسائل الحديثة المتبعة في التعليم، والتي من الواجب الاقتداء بها لبناء مناهج فلسطينية.

الانقسام والجدل على المناهج     

  • ويرى فريق من المعلمين أن المنهاج الفلسطيني الجديد وقع في خطأ طالما عانت منه الحركة التربوية ، وهو الاعتماد على الحفظ والتلقين أكثر من الاعتماد على الفهم والمناقشة والتدريب على الاستيعاب والتركيز على اكتساب المهارات والخبرات من خلال النشاطات .
  • فالمعلم يتجاهل أي فعاليات تربوية عملية لمصلحة إنهاء المقرر والتقدم في مادة الدراسة وهكذا يتم تجاهل النشاطات .
  • والمواد المحشورة مصدرها الأكاديميون وليس المهنيين ومن هنا يتعزز الجانب النظري على حساب الجانب العلمي والتربوي .

المراجع 

  • وزارة التربية والتعليم. ( 2008م )  الخطة الاستراتيجية الثانية للتطوير التربوي 2012-2008 فلسطين.
  • وزارة التربية والتعليم. ( 1998م ) خطة المنهاج الفلسطيني الأول. فلسطين.
  • وزارة التربية والتعليم العالي. ( 2016م ). وثيقة الإطار المرجعي لتطوير المناهج الوطنية. مركز المناهج الفلسطيني، فلسطين.
  • الإطلاع : 17 مايو 2023 : الموقع : https://www.aljazeera.net/news/2006/4/17

بقلم: أ. أسامة محمد محمد مطر

 

أضف تعليقك هنا