قطاع الصحة بالمغرب دعائم الإصلاح ومكامن الهشاشة.

بقلم: مراد العتميوي

عرف المغرب في الآونة الأخيرة تغيرا على مستوى تدبير السياسات العامة ورسم السياسات القطاعية، بالاعتماد على دستور 2011 الذي جاء وفق توافق جديد أساسه الدولة الاجتماعية، وفق هاته المرجعية التي حددت النظام المغربي في كونه نظام ملكية ديمقراطية برلمانية اجتماعية رسمت السياسات القطاعية التي جعلت من المواطن محور السياسات، مما جعل من المغرب ينخرط في سلسلة من الإصلاحات التي شملت عدت مجالات؛ أهمها قطاع الصحة أيضا، فتنزيلا لمجموعة من التوجهات المؤسساتية و الحكومية عرفت وزارة الصحة و الحماية الاجتماعية مجموعة من الإصلاحات، بداية من تغيير اسم الوزارة ليشمل الحماية الاجتماعية، ختاما بقانون الاطار 06.22 المنظم لوزارة الصحة، وفق المقاربة الاجتماعية الجديدة و الضامنة لمجموعة من المستجدات جاءت لحل عدة مشاكل ظلت لصيقة ببنية هاته الوزارة لعقود من بينها نقص الموارد البشرية، هجرة ألأطباء، غياب التوزيع العادل للعرض الصحي، حيث تستحوذ 3 جهات على ما يقارب 70 في المئة من مجموع العرض بينما تستحوذ باقي الجهات على نسبة 70 في المئة من باقي العرض الصحي على المستوى الوطني، كما ان مجموع الموارد المالية التي كانت ترصد لهاته الوزارة ضعيفة مقارنة بحجم مسؤولياتها ، لذا في اطار سلسلة من الإجراءات أهمها الرفع من مزانية القطاع، سد الخصاص في الموارد البشرية و التجهيزات، إضافة الى التنزيل السليم لورش التامين الاجباري عن المرض ما يتوافق و التوجهات العامة. فإلى أي حد إسطتاعت هاته الإجراءات حل مجموعة الإشكالات المرتبطة بقطاع الصحة؟ للإجابة عن هذا السؤال سنقسم موضوعنا هذا الى ما يلي:

  • الفرع الأول: الإجراءات المتخذة في اطار الرفع من مستوى الخدمة العمومية و جودة خدمة قطاع الصحة.
  • الفرع الثاني: الرهانات و التحديات التي تواجه استراتيجية اصلاح قطاع الصحة.
  • الفرع الأول: الإجراءات المتخذة للرفع من مستوى الخدمة العمومية وجودة قطاع الصحة.

في إطار سياسة الدولة الجديدة التي تأخذ منحى اجتماعي عمدت على اصلاح منظومة الصحة بمجموعة من الإجراءات بغية ضمان عرض صحي راقي وفق التوجهات العامة للدولة منها المؤطرة بالدستور لاسيما الفصل 31 منه: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: العلاج والعناية الصحية؛ الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة ؛.”، لذا عمدت الدولة على سد الخصاص في الموارد البشرية و المالية باعتبارها رهان أساسي لإصلاح منظومة الصحة، حسب دباجة قانون الاطار 06.22 حيث ورد فيه ما يلي: “تم إقرار مراجعة شاملة لحكامة المنظومة الصحية بكل مكوناتها، من خلال إعادة الاعتبار للموارد البشرية العاملة في القطاع الصحي، وتحسين أنظمة التكوين الصحي بهذا القطاع، وجلب الكفاءات الطبية العاملة بالخارج، وإحداث منظومة معلوماتية صحية وطنية مندمجة، ونظام الاعتماد المؤسسات الصحية،”لذا سنتعرف على مجموع الإصلاحات في المجال المالي الفقرة الأولى والتدبير الناجع للموارد البشرية الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: الإجراءات المتخذة على المتخذة على مستوى الرفع من الموارد المالية لوزارة الصحة.

عمدت الدولة الى الرفع من المزانية المخصصة لوزارة الصحة بغية تمكينها من الموارد الكافية للقيام بمجموعة من الإصلاحات: أهمها الرفع من مزانيتها في قانون المالية 2023 الى ما 27 مليار درهم بزيادة قدرها 4.58 مليار درهم، كما عمد قانون المزانية الى الرفع من المزانية المخصصة للتجهيزات الى ما يقارب 16 مليار درهم ، كما تم توفير 9 مليار درهم لبناء المركز ألاستشفائي الجامعي الجديد ابن سناء، و الانتهاء من مجموع المراكز و المستشفيات الصحية المستشفى الإقليمي الحسيمة، افران … كما انه في اطار قانون الحماية الاجتماعية 09.21 عمدت الدولة على دعم استراتيجيتها في التامين الاجباري عن المرض عن طريق تخصيص مبلغ سنوي لمشروع الحماية الاجتماعية متمثل في 51 مليار درهم.

الفقرة الثانية: التدبير الناجع للموارد البشرية. في اطار الخصاص الذي يشهده قطاع الموارد البشرية على مستوى وزارة الصحة ، لاسيما هجرة الأطر الطبية و الاطقم حيث تتوفر الوزارة على ما يقارب 14000، طبيب بينما القطاع الخاص يتوفر هو أيضا على 14000 طبيب، بينما 21000 الف طبيب؛ وهي النسبة الكبيرة توجد في الخارج وفق تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي ، بينما العدد الموصى به يجب ان يصل الى 32000 الف طبيب، عمدت الدولة على هذا المستوى في قانون الاطار 06.22 على خلق نظام وظيفة موحد، الى جانب ابتداع طرق توظيف جديدة التوظيف بالعقدة رغم ما يعاب على هذا النظام بكونه لا ينسجم و الترسانة القانونية المغربية ذات البعد المركزي، الرفع من اجرة موظفي قطاع الصحة بمعدل 3600، درهم خلق تكوينات جديدة تناسب و احتياجات وزارة الصحة وفق استراتيجية قطاعية على مستوى مديرية الموارد البشرية، الرفع من عدد معاهد التكوين. الى جانب تمكين القطاع العام من إستراد أطباء من القطاع الخاص عند الحاجة للقيام بعمليات جراحية، الى جانب هاته الإجراءات عمدت الدولة على على تنزيل مجموعة من الإجراءات الضرورية أيضا على مستوى التجهيزات و تعميم التامين الاجباري عن المرض.

المطلب الثاني: الإجراءات المتخذة في اطار الرفع من مستوى تجهيزات قطاع الصحة و تعميم التامين الاجباري عن المرض. في اطار مواصلة الإصلاحات التي تستهدف قطاع الصحة عبر مجموع من الإجراءات عمدت الدولة الى الرفع من التجهيزات قطاع الصحة) الفقرة الأولى، (كما اطلقت مشروع تعميم التامين الاجباري عن المرض) الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: الرفع من تجهيزات قطاع الصحة .

عمدت الحكومة الى الرفع من التجهيزات و تنويعها في اطار ميزانية الدولة حيث خصصت 1.6 مليار درهم لتجهيزات و المعدات الطبية ، الى جانب هذا عمدت الى محاولة استصلاح وتوسيع 1400 مستوصف الى جانب بناء و إعادة بناء مراكز استشفائية جامعية أهمها المركز ألاستشفائي الجامعي : لعيون ، ابن سناء بالرباط..، الانتهاء من بناء مراكز استشفاء إقليمية الحسيمة افران مرتيل..، الى جانب هذا عمدت الحكومة على خلق مؤسسات جهوية تقوم بقيادة العرض الصحي في اطار الجهوية المتقدمة خلق الهيئة الوطنية للصحة . و في اطار النموذج التنموي الذي أوصى بخلق عدالة مجالية في توزيع العرض الصحي عبر استحداث وبناء مراكز استشفائية جديدة كما تعهد البرنامج الحكومي ومعه قانون الاطار على خلق بنوك الدم وخلق الوكالة الوطنية للدم و مشتقاته و مختبرات جهوية .

الفقرة الثانية : مشروع تعميم التامين الاجباري عن المرض.

الى جانب مجموعة من الإجراءات أعلاه و في اطار التوجهات الجديدة إضافة الى قانون الحماية الاجتماعية ، اتخذت مجموعة من الإجراءات لتنزيل ورش التامين الاجباري عن المرض. بإستراتيجية ستمكن من استفادت حوالي 22 مليون مواطن من هذا البرنامج الى حدود سنة 2025 ، دعم و تخصيص الدولة لموارد مالية لصالح هذا المشروع كما جاء في قانون 06.22 من صندوق الحماية الاجتماعية المرصد لأمور خصوصية و الذي يكلف مزانية الدولة حوالي 51 مليار درهم سنويا الذي تخصص منه نسبة كبيرة لدعم هذا الورش.

حيث منحت الأسبقية في هذا الورش لتعميم نظام التأمين الإجباري عن المرض ليشمل 22 مليون مستفيدا إضافيا على فترات متعاقبة بدءا من هذه السنة ، حيث تم -بموجب قانون المالية لسنة 2021- إدماج الفئات الخاضعة للمساهمة المهنية الموحدة (CPU) والبالغ عددهم 800 ألف تاجر وصانع ، على أن يتم دمج 1.2 مليون من الفلاحين و500 ألف صانع تقليدي و220 ألفا من حرفيي النقل و80 ألفا من أصحاب المهن الحرة، على أن يتم في سنة 2022 الإدماج الكلي للفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية البالغ عددهم 11 مليونا .

الفرع الثاني : الرهانات و التحديات التي تواجه استراتيجية اصلاح قطاع الصحة.

واجه قطاع الصحة بالمغرب لسنين طويلة مجموعة من العوائق ارتبطت ببنيته هاته الوزارة و استعصي حلها الامر الذي شكل عائق امام تطور بنية هاته الوزارة ، هاته العلل ارتبطت غالبيتها بمشاكل متعلقة بالجودة ، السرعة في اداء الخدمات ، و قدرتها على مواجهة المخاطر الصحية ، الى جانب تطوير الهيكل الاداري لوزارة الصحة و تحديثه مع ما يواكب الضرورات الملحة المرتبطة بالصحة العامة.

فهاته الاختلالات التي يعرفها قطاع الصحة ليست بجديدة ، وقد تراكمت على مدى سنوات وعقود ، وقد عرت عن واقعها أزمة كوفيد19 ، حيث صدر تقريران يرصدان اختلالات قطاع الصحة العمومية والصحة بشكل عام ، الأول أصدرته مؤسسة الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان حول رصد وتقييم السياسة الصحية بالمغرب خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين من 2012 إلى 2020، واشتمل على تقييم مواضيع الخدمات الصحية ، والسياسة الدوائية والتمويل والحكامة في قطاع الصحة العمومية.
أما التقرير الثاني فقد أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان تحت عنوان ” فعلية الحق قي الصحة تحديات ، رهانات ومداخل التعزيز “، تم فيه تشخيص واقع الصحة ومعيقاته واختلالاته.

وعلى كل حال فمضامين التقريران مهمة جدا ويشكلان مرجعا من حيث الرصد والتقييم حيث سنعتمد عليهم لرصد مجموعة الاختلالات التي يسهدها القطاع في الشق البشري و المالي و التنظيمي ، وهذا لا يعني بأن قطاع الصحة مصاب باختلالات في مجالات معينة فقط من قبيل: شح الانفاق والميزانية، أو سوء تدبير الموارد المالية وسوء تدبير الحكامة الدوائية أو الاختلالات المجالية ، وإنما يشمل كل جزئية ولبنة في صرح قطاع الصحة المعاق في منظومته.

المطلب الاول : التحديات المالية و البشرية.

الفقرة الاولى : التحديات المالية.

إن تفعيل الحق في الصحة بالمغرب يواجه جملة من التحديات والاختلالات، أبرزها ضعف التمويل الصحي الذي يعد ركنا أساسيا لتفعيل الحق في الصحة. حيث تتراوح الميزانية المخصصة لقطاع بين 6 في المئة و7 في المئة من الميزانية العامة للدولة عوض 12 في المئة الموصى بها من طرف منظمة الصحة العالمية أو مقارنة مع دول أخرى.

الفقرة الثانية : المعيقات البشرية.

يعرف قطاع الصحة نقص الكبير في عدد الأطر الصحية، حيث يعمل في المغرب 23 ألف طبيب، في حين تحتاج البلاد إلى 32 ألف طبيب إضافي حسب المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية. كما أن المنظومة الصحية في حاجة كذلك إلى ما يزيد على 65 ألفا من مهنيي الصحة. وبالمقابل، يعرف القطاع هجرة الأطباء والأطر الصحية، حيث تقدر الإحصائيات، أنه مقابل 23 ألف طبيب مغربي يمارسون المهنة بالمغرب، هناك ما بين 10 آلاف و14 ألف طبيب مغربي يمارسون المهنة ببلاد المهجر، وخصوصا بالبلدان الأوروبية وهو ما يجعل واحدا من كل ثلاثة أطباء مغاربة تقريبا يمارس عمله بالخارج، رغم ان تعليمه قد كان من داخل البلد، هذا النزيف دائما ما يكون عائقا امام تحقيق النتائج المتوخات من مؤسسات التكوين الخاصة بالمجال الصحي.

إضافة إلى هذا نجد الخصاص المتزايد بكثرة و بدرجة اكثر ارتفاعا الحاصل في الموارد البشرية بالقطاع، غياب تأهيل المزيد من الأطباء وباقي العاملين بالقطاع الصحي ؛ طول مدة التطوين الامر الذي يستدعي تدخل سريع نظرا للخصاص المهول وذلك من خلال تقليص مدة تكوين الأطباء من 7 إلى 5 سنوات، وذلك عن طريق زيادة عدد الأماكن المفتوحة لامتحانات القبول للكليات الطبية ، وتكوين أساتذة المجال بأعداد كافية ، الزيادة في الميزانية الموجهة لتوظيف ألأطباء أما بخصوص الممرضين والمسعفين وتقنيي الصحة من خلال الاعتماد على مدارس التمريض الخاصة ، ورفع نسب التوظيف ، كما ان القطاع العام اصبح قطاعا يفقد جاذبيته مما يؤدي الى هجرة الأطباء إلى القطاع الخاص أو الخارج. انطلاقا مما سبق نسجل مجموع هاته التحديات في النقاط التالية:

  •  غياب نظام وظيفة عمومية خاص بالأطر الصحية: حيث تواجه ممارسي المهن الصحية إشكالية تتعلق بعدم وجود نظام وظيفة عمومية خاص بالأطر الصحية ، يراعي خصوصية وطبيعة المهام التي تمارسها الأطر الطبية وشبه الطبية. ولعل الظروف الحالية التي يعيشها العالم ومعه المغرب جراء تفشي فيروس كوفيد-49 قد أبانت عن مجموعة من التحديات المرتبطة بممارسة المهن الصحية ، اذ اضطرت مجموعة من الأطر الطبية وشبه الطبية إلى العمل لساعات طول في اليوم. كما تم تأجيل استفادتهم من العطل ، وذلك قصد التكفل بالمرضى المصابين بفيروس كورونا ، فضال عن ذلك فإن غياب لجنة الأخلاقيات على المستوى الوطني والجهوي يحد من فعالية الخدمات الصحية المقدمة لعموم المواطنين. ولتصحيح هذه الوضعية ، فقد قامت الحكومة بإعداد مشروع قانون رقم 24.29 ،بتتميم الظهير الشريف رقم 228.58.4 ،الصادر في 21 فبراير 4958 ، بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، والذي تسعى الحكومة من خلال المصادقة عليه ، إلى إخراج مهنيي الصحة ، من خانة الموظفين الخاضعين للنظام الأساسي للوظيفة العمومية ، مقابل إدراجهم إلى جانب العسكريين التابعين للقوات المسلحة الملكية ، وهيئة المتصرفين بوزارة الداخلية ، مما يجعل منهم لا يستفدون من مجموع المكاسب المدرجة في اطار الوظيفة العمومية الامر الذي سيجعل من قطاع الصحة اخر خيار يلجأ اليه الاطباء حديثي التخرج حيث سيفقد تلك الجاذبية التي كان يمتلكها في النظام الوظيفي السابق.

المطلب الثاني: معيقات التخطيط و التنظيم و التجهيز.

الفقرة الاولى: معيقات تخطيط و تنظيم المنظومة الصحية.

حيث يشهد القطاع غياب مسار علاجات منظم و واضح ، فضلا عن إساءة استخدام الموارد البشرية غير الكافية أصلا للقطاع ، نظام تقليدي في التدبير لا يقوم على منطق القيادة القائم على الاشراك و التحفيزات بالمقابل الاعتماد على منطق الرئيس و المرؤوسين ، الى جانب ان المسار غير الواضح للعلاجات يؤدي إلى ضياع فرص ثمينة للتشخيص والعلاج في الوقت المناسب ؛ مما يؤثر سلبا على صحة وحياة الأفراد.
كما نجد ان الاسر المغربية تتحمل بشكل عام أكثر من 50 في المئة من المصاريف الصحية بشكل مباشر، وأكثر من 63 في المئة إذا تم احتساب مساهمة الأسر في التغطية الصحية ، وهو ما يشكل عائقا حقيقيا أمام المواطنين للولوج إلى العلاج ويساهم في انزلاق نسبة مهمة من السكان سنوياً نحو الفقر والهشاشة.
الى جانب ضعف الصناعة الدوائية الوطنية ، عدم بناء قطاع صحي قائم على الرعاية الصحية الأولية لمواجهة إشكالات وكلفة المقاربة الاستشفائية الباهظة ، مع عدم إيلاء أهمية خاصة ومتجددة للفئات الهشة خاصة الأم والطفل ، ولصحة الإنجابية و الجنسية ، وللأشخاص في وضعية إعاقة والمسنين والمهاجرين واللاجئين. انطلاقا مما يلي يمكن لنا ان نسجل مجموع النقاط التالية في هذا المستوى :

  • عدم وجود مسار خاص بالرعاية الطبيبة للمواطنين ، بدءا من نقطة الولوج إلى مختلف المراكز الصحية وذلك من خلال إنشاء نظام للأطباء لتقديم متابعة طويلة الأمد للإشراف على المريض ، أو إحالته على الطب ألاختصاصي الى جانب دعم التوازن بين مختلف المناطق ، تجمع الضغط على بعض هياكل المستشفيات المركزية و طول المسافة والوقت للوصول إلى مراكز الرعاية الصحية. عدم استقلالية المستشفيات وترك لها صلاحيات التدخل وفق الخصوصيات المحلية .
  • غياب تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص والاستفادة من قدرات كل منهما لتحسين الوصول إلى الرعاية وتحسين كفاءة النظام ككل.
  • ضعف مؤشرات التأطير الصحي لقد سجلت اللجنة الموضوعاتية ضعف المؤشرات المتعلقة بالتأطير الصحي والولوج إلى العلاجات، اذ تشير أرقام المندوبية السامية للتخطيط إلى وجود تباين بين الجهات :1128 بجهة كلميم وادنون في حين يصل إلى 49126 بجهة الدار البيضاء –سطات، كما تم تسجيل تمركز العرض الصحي على مستوى محور الدار البيضاء –القنيطرة ، و هو ما يفسره غياب خريطة صحية تغطي مختلف حاجيات كافة الجماعات الترابية و كذا وجود تفاوتات عميقة في الولوج للعلاج حسب المستوى الإجتماعي والثقافي ، البعد الإقتصادي والبعد الجغرافي ، وهي كلها نتائج تشكل محدودية أداء ومردودية النظام الصحي من حيث العرض الصحي و عدم تكييف العرض الصحي مع الحاجيات الصحية الجديدة للمواطنين.
  • عدم رضا المواطنين عن الخدمات الصحية المقدمة ، ففضلا عن ضعف البنى التحتية و بنيات الإستقبال ، تعاني العديد من المستشفيات من التجهيزات الطبية المتقادمة التي لا تواكب التطور الطبي والتقني ، ناهيك عن ارتفاع أثمنة الأدوية وتكاليف العالج.
  • إشكالية النظام الضريبي الخاص بمهنيي قطاع الصحة فالنظام الضريبي المطبق عليهم الذي لا يأخذ بعين الإعتبار متطلبات العدالة الضريبية وطبيعة المهن الصحية التي تمتاز ببعدها الإنساني أكثر منه البعد التجاري ، ومن الإشكالات الحقيقية التي وقفت عندها اللجنة الموضوعاتية المكلفة بالتشريع في المجال الصحي غياب مسار عالجي موحد ومنسق وغياب رؤية واضحة في مدى إسهام القطاع الخاص في المجال الصحي مما يحد من التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص في تطوير العرض الصحي كما وكيفا.

الفقرة الثانية : معيقات مرتبطة بجانب تجهيز قطاع الصحة.

كشفت الأزمة الوبائية المرتبطة بفيروس كورونا ، بأن النظام الصحي في البلد كان غير مستعد بشكل كاف لمواجهة الأزمات الصحي الطارئة. فالتنافس الدولي الكبير أظهر عدم التكافؤ في الحصول على اللقاحات بين دول العالم وتأخر المواعيد المتعلقة بالحصول على اللقاحات الى جانب الحكامة الصحية المستقلة. غياب منصة رائدة للصناعات الدوائية واللقاحية، لتصنيع اللقاح وتحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع أنواع اللقاحات مستقبلا ، عدم ضمان السيادة الصحية من خلال صناعة صيدلانية وطبية قادرة على إنتاج الأدوية واللقاحات والاختبارات والمعدات وغيرها من المواد الطبية الحيوية لتلبية الاحتياجات الخاصة للمغرب. انطلاقا مما يلي يمكننا ان نسجل ما يلي:

  • ضعف موارد القطاع الصحي والشراكة بين القطاع العام والخاص ينضاف الى العوامل السابقة التي تحد من فعالية المنظومة الصحية الوطنية ، غياب جاذبية القطاع الصحي لإستثمارات القطاع الخاص ، وضعف الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال الصحي ، وارتفاع أسعار الأجهزة والمعدات الطبية ، وتفاوت حجم الإنفاق الجهوي في المجال الصحي ، مما يحد من تطوير العرض الصحي في وجه جميع المواطنات والمواطنين بجميع جهات المملكة. فضلا عن صعوبة نقل وتنزيل طرق التمويل من الخارج وتطبيقها في السياق المغربي الذي يمتاز بمجموعة من الخصائص مثل تقليص حجم الضرائب في المجال الصحي وضعف الإمكانيات المادية والبشرية المؤهلة لسد مختلف الحاجيات ومواكبة التطورات التي يعرفها الميدان الصحي.
  • نقص في عدد الموارد البشرية بالقطاع الصحي يعاني القطاع الصحي بالمغرب من غياب نظام جذاب وتحفيزي للرأسمال البشري للقطاع الصحي العمومي لتجاوز نقص الموارد البشرية في القطاع العمومي ، عدد الأطباء بالقطاع العام : 9021، عدد الأطباء بالقطاع الخاص: 41622.
  • خصاص في الموارد البشرية الصحية وتباين في توزيعها تواجه الموارد البشرية في القطاع الصحي خصاصا حادا وتباينا على مستوى توزيع الموارد البشرية بين المجالين الحضري والقروي عدد الأطباء بالمجال الحضري : 7980 ،عدد الأطباء بالمجال القروي: 1041 علما ان المجال القروي هو الاكثر مساحتا و الاقل استفادة من الخدمات الصحية و الاكثر تعرضا للمخاطر الصحية ، مما يؤكد ضعف الإستثمار في الرأسمال البشري الخاص بالمنظومة الصحية كأحد التحديات التي تطرحها الظرفية الراهنة.
  • هجرة الكفاءات وضعف التكوين المستمر يعاني المغرب بحدة من اشكالية هجرة الموارد البشرية بسب الهجرة إلى الخارج أو تقديم الاستقالة من الوظيفة العمومية ، فقد ارتفع عدد الأطباء الذين يختارون الهجرة ومغادرة البلاد حوالي : 700 طبيب، ولم يكن يتعدى عدد الأطباء الذين غادرو المغرب سنة 2248 ،622 طبيبا ، وهو العدد الذي يشكل نسبة 22 %من عدد خريجي كليات الطب والصيدلة للسنة نفسها ، الشيء الذي يؤدي إلى وجود خصاص حاد في عدد الأطر الطبية وشبه الطبية في المغرب، حيث يبلغ عددهم حاليا 8112 في الطب العام، و14932 في الطب الاختصاصي في حين يحتاج المغرب إلى 32387 طبيب و64774 ممرض وتقني صحة. كما تتمركز الموارد البشرية الصحية بالقطاع الصحي الحر بالنسبة لأطباء الأسنان 92%بالقطاع الحر بالمغرب، وترجع ظاهرة الهجرة إلى عدة عوامل من بينها غياب تحفيزات من شأنها الحد من هجرة الأطباء إلى الخارج وكذا تشجيع الأطباء على العمل في القطاع العمومي وفي المناطق والقرى النائية. كما أن ضعف التكوين المستمر وملائمته مع الإحتياجات والخصوصيات الراهنة ، وضعف إنتاجية بعض الأطباء والجراحين ، أحد أهم التحديات المطروحة أمام القطاع الصحي بالمغرب.

مقابل المكاسب الآنية المتوقع مراكمتها و التي ينتظر تحقيقها خلال السنوات المقبلة في قطاع الصحة ، إلا أن التحديات الراهنة تظهر مدى الحاجة إلى استعادة الوظيفة الصحية للدولة ضمن رؤية شمولية لنموذج “دولة الرعاية الاجتماعية” التي يجب أن تسعى إلى ضمان التوزيع العادل للخدمات الصحية بكيفية تعالج التصحيح التلقائي لمظاهر التفاوت المجالي. ومن هنا من المفيد وضع مقاربة مندمجة لتمكين المغرب من الوفاء بمتطلبات الإطار المعياري العالمي في المجال الصحي وإعمال المقتضيات الدستورية والتشريعية المتعلقة بالتأمين و المساعدة الصحية ، مع توجيه برامج الصحية نحو تحقيق الصحة العامة كشرط ضروري لتحقيق الاستقرار السياسي والتنمية البشرية ، مع الوعي بمخاطر توجيه المرتفقين الى القطاع الخصوصي و توسيع سياسات التخلي الامر الذي سيفرض تحمل العبء على الطبقة المتوسطة ، بشكل قد يخل بالتوازن المطلوب بين مختلف الشرائح الاجتماعية .

المراجع:

  • الحماية الاجتماعية في المغرب واقع الحال، الحصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية، تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إحالة ذاتية رقم 2018/34.
  • ماكس غالين، فهم الاقتصادات غير الرسمية في شمال إفريقيا: من القانون والنظام إلى العدالة الاجتماعية، مؤسسة فريدريش إيبرت، تونس، 2018.
  • مشروع الحماية الاجتماعية للاستجابة الطارئة لمواجهة جائحة فيروس كورونا في المغرب، البنك الدولي، 2020.
  • الملاءمة ومدى توافق برامج الحماية وسياسات الدعم الاجتماعي، مركز الدراسات والبحوث في الشؤون البرلمانية، مجلس المستشارين، 2019.
  • Christophe Jaffrelot Et Nicolas Belorgey, l’identification biométrique de 1,3 milliard d’indiens milieux d’affaires, état et société civile, les études du CERI – n° 251, 2020.

التقارير :

  • مجلس النواب، تقرير المهمة الاستطلاعية حول ثمن الدواء، لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، المغرب، 2009.
  • رئاسة الحكومة، البرنامج الحكومي 2021-2026، المغرب، 2021.
  • اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التقرير العام، النموذج التنموي الجديد: تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع، المغرب، 2021.
  • المجلس الأعلى للحسابات، التقرير السنوي برسم سنتي 2016-2017، الجزء الأول، المغرب، 2018.
  • المجلس الأعلى للحسابات، تقرير موضوعاتي حول مدى جاهزية المغرب لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، المغرب، 2019.
  • المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الصحة العقلية وحقوق الإنسان: الحاجة الملحة إلى سياسة جديدة، المغرب، 2012.
  • تقرير أنشطة هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، الرباط، 2019.
  • تقرير لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب مشروع القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، الدورة الاستثنائية برسم السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة 2021.
  • تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية، مجلس النواب، أبريل 2021.
  • النموذج التنموي الجديد: تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع، التقرير العام، اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، أبريل 2021.
  • المملكة المغربية ، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي : “الحماية الاجتماعية في المغرب ، واقع الحال ، الحصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية ، تقرير في إطار الإحالة الذاتية للمجلس عدد 34 لسنة 2018.
  • تعزيز الحماية الاجتماعية ودعم الفئات الهشة، إنجازات العمل الحكومي 2017-2021، رئيس الحكومة، 2021.
  • عرض وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة أمام مجلس النواب بمناسبة التصويت على مشروع القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، 15 مارس 2021، ص، 5، شوهد في 2 ماي 2021 في: https://bit.ly/3c4a8nq

المقالات :

  • آنا جايكويز، هل سيؤدي كوفيد 19 إلى إصلاح القطاع الصحي في المغرب؟، شوهد بموقع المعهد المغربي لتحليل السياسات، في: https://mipa.institute/785920
  • عبد الرفيع زعنون ، تعميم الحماية الاجتماعية: تأسيس لدولة الرعاية أم تكريس لسياسة التخلي؟ ، منشور بتاريخ 7 مايو 2023 ، في موقع : https://mipa.institute/8856
  • إصلاح اختلالات قطاع الصحة لا يمكن اختزاله في الزيادة في الميزانية ، منشور في موقع : https://iktissadkom.ma/Avis%20et%20opinions/slh-khtllt-qt-lsh-l-ymkn-khtzlh-fy-lzyd-fy-lmyzny
  • الإطار الدستوري والقانوني للمنظومة الصحية بالمغرب د. عصام أزمي ، admin27 يونيو, 20222٬866

القوانين:

  • ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليوز 2011) بتنفيذ نص الدستور، الجريدة الرسمية، عدد 5964 مكرر، بتاريخ 30 يوليوز 2011.
  • ظهير شريف رقم 1.11.83 صادر في 29 من رجب 1432 (2 يوليوز 2011)، بتنفيذ القانون رقم 34-09 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات، الجريدة الرسمية، عدد 5962، بتاريخ 21 يوليوز 2011.
  • ظهير الشريف رقم 1.21.30 في 9 شعبان 1442 (23 مارس 2021)، بتنفيذ القانون الاطار رقم 21-09 المتعلق بالحماية الاجتماعية، الجريدة الرسمية، عدد 6975، بتاريخ 5 أبريل 2021.
  • ظهير شريف رقم 1.21.115 صادر في 5 جمادى الأولى 1443 (10 دجنبر 2021)، بتنفيذ القانون 21 76- للسنة المالية 2022، الجريدة الرسمية، عدد 7049 مكرر، بتاريخ 20 دجنبر 2021.

المراسيم:

  • المرسوم رقم 2.94.285 صادر في 17 من جمادى الثانية 1415 (21 نونبر 1994)، في شأن اختصاصات وتنظيم وزارة الصحة العمومية بالمغرب، الجريدة الرسمية، عدد 4286، بتاريخ 21 دجنبر 1994.
  • القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية الصادر بتنفيذه الظهير شريف رقم 1.21.30 الصادر في 9 شعبان 1442 (23 مارس 2021)، جريدة رسمية عدد 6975-22 شعبان 1442(5 أبريل 2021).
  • المادة 25 من القانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.20.77 في 18 من ذي الحجة 1441 (8 أغسطس 2020). جريدة رسمية عدد 6908 بتاريخ 23 ذو الحجة 1441(13 أغسطس 2020).
  • المادة 272 من قانون المالية رقم 65.20 للسنة المالية 2021 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.20.90 الصادر في فاتح جمادى الأولى (16 ديسمبر 2020)، جريدة رسمية عدد 6944 مكرر-3 جمادى الأولى 1442 (18 ديسمبر 2020).
  • القانون الإطار رقم 29.21 المتعلق بالمنظومة الصحية وبعرض العلاجات.
  • المرسوم رقم 285-91-2 صادر في 41 من جمادى الاخر 1415 ( 24 نوفمبر 1994 )في شأن اختصاصات وتنظيم وزارة الصحة العمومية.
  • منشور رئيس الحكومة رقم 2018/06 في موضوع إصلاح وحكامة منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب وإرساء قواعد لقيادتها وحكامتها.

القرارات:

  • قرار لوزير الصحة رقم 003.16 صادر في 23 من ربيع الأول 1437 (4 يناير 2016)، بشأن إحداث وتحديد اختصاصات وتنظيم المصالح اللاممركزة لوزارة الصحة بالمغرب، الجريدة الرسمية، عدد 6452، بتاريخ 31 مارس 2016.
  • قرار وزير الصحة رقم 003.16 الصادر في 4 يناير 2016 بشأن إحداث وتحديد اختصاصات وتنظيم المصالح ألا ممركزة لوزارة الصحة.

الكاتب: مراد العتميوي، طالب باحث في سلك الدكتوراه: “العمل القانوني تحليل السياسات و تدبير التنمية”، طالب في شعبة علم الاجتماع.

بقلم: مراد العتميوي

 

أضف تعليقك هنا