في احدى السفرات الترفيهية، سافرت سمر بصحبة عائلتها مع مجموعة من العوائل في سفرة ترفيهية الى مناطق مفتوحة، حيث الطبيعة الخلابة وبساطة العيش، والهواء النقي والأجواء الجميلة للترفيه عن النفس خارج جدران وازقة المدينة الخانقة.

قصة الرجل المُسِن وسمر

في احدى الليالي جلست تحت شجرة بالقرب من خيمة رجل كان يجلس مع ابنه الصغير، وكان يحكي له قصة قصيرة جميلة، وكان الاب قد اشعل ناراً لشواء بعض اللحم، واثناء اندماجه في سرد القصة لابنه، مر على مقربة من النار طفلان يركضان بسرعة، فارتمت جمرة على الطفل، ولكن الاب مسكها بيده حتى لا تحرق ابنه، ولم يرد ان يخيف ابنه، فبقي ممسكاً بالجمرة حتى جاءت زوجته واخذت الطفل معها، وكان وجهه شاحباً بعض الشيء، فسألته زوجته عن السبب، ولكنه لم يخبرها بما جرى، كان يخاف ان يلام الأطفال على فعلتهم التي لم يفعلوها عن عمد، وكان يخشى ان تتحول فرحتهم الى غم، ويقضوا ليلتهم حزينين ويغفون على البكاء والحسرة.

الجمرة التي مسكها الرجل بيده

انتبه الى سمر، ابتسم في وجهها وطلب منها الا تخبر احداً بما رأته، ولكن سمر اقتربت منه وسألته عن سبب فعلته، فأجابها بكل لطف، وأخبرها عن طفولته وكيف عانى من تلك الأيام التي كان ينام فيها من شدة البكاء والحزن، لم يرغب في ان يعيش هؤلاء الأطفال ما عاشه في طفولته، لذلك قرر كتمان الامر والامساك على الجمرة.

استغراب سمر من تصرّفه

“يا عم، ما شعورك حين امسكت بالجمرة ولم تظهر المك لطفلك ولا لزوجتك؟ كيف استطعت ان تصبر على المها؟” هكذا بصوت رفيع وأسلوب مهذب سألت سمر الرجل، وهو ايضاً بكل عفوية اجابها “ابنتي العزيزة، الحياة تجبرنا احياناً ان نكتم مشاعرنا من اجل من نحب، حتى لا نؤذي مشاعر من نحب، هذه الجمرة مثل الحياة، وما شعرت به من وجع والم كان شديداً جداً، ولكنه كان جميلاً لان من تحملت هذا الوجع لأجله يستحق هذا العناء، هؤلاء الأطفال الأبرياء كانوا يستحقون ان يناموا هذه الليلة سعداء بلا منغصات، وان كانوا لا يعلمون ما عانيته من اجلهم، ولكن ما يهمني هو سعادتهم”.

الحزن الذي كان يرافق سمر

دمعت عينا سمر، فشعر الرجل بان هناك شيء ما في كلامه قد احزنها، فسألها عن سبب نزول دموعها وبكائها المخنوق، في بادئ الامر لم تجبه، ولكنها وبعد لحظات من السكوت والسكون، قالت له: “يا عم، انا مثلك ايضاً امسك بجمرة تحرقني، ولكنها ليست كهذه الجمرة، هذه بردت وتصيرت رماداً، اما الجمرة التي امسك بها تزداد اشتعالاً في كل مرة أرى فيها من احب، ذلك الصديق الذي لا استطيع ان ابوح بحبي له، ولا استطيع نسيانه، وحتى عندما فكرت في الابتعاد عنه كان يأتي في احلامي، لا استطيع ان اخبره بما اشعر به، اخشى الا يفهمني.

الحب الذي كتمَتهُ بداخلها

كل ذنبي اني وجدت فيه الصديق الصدوق، وجدت عنده ضالتي، وجدت اخيراً من يفهمني، ولكني كما انت يا عم، لا استطيع البوح بما في داخلي خشية مني عليه، قد يكون اعلاني لحبي له فيه ضرر عليه، قد اتسبب بالحزن له، وكيف لي ان اجازف بأذيته وانا اعشقه؟ اريد له ان يعيش مع اهله وعائلته بسعادة، فكيف اسلبه من تلك السعادة على حساب انانيتي؟ ما اشعر به من الم وحزن، يزول عندما أرى على محياه الابتسامة”.

الجمرة التي يمسكها الرجل والجمرة التي بداخل سمر

” ان كان يستحق هذه التضحية، فكم هو عظيم هذا الأخ، وكم هو جميل هذا الصديق، الآن علمت ان كلانا نبحر في نفس الزورق، يا ابنتي، حالكِ كحالي، كلانا يمسك جمرة”، هكذا ختم الرجل كلامه مع سمر، ليذهب الى من يضمد حرق يده، اما هي فبقيت تنتظر الطريقة التي ستضمد بها جراحات قلبها المكوي بجمرات الشوق.

الأشخاص النبلاء هم الذين يضحون بأنفسهم لإسعاد غيرهم، أولئك الذين لا يجعلون للأنانية سبيل الى عقولهم، ولا طريق للتحكم في تفكيرهم، يخلصون بحبهم لمن يعشقونه، حتى وان لم يترجموا ذلك العشق الى كلمات او أفعال، فقط يراقبون معشوقهم ويدعون له بصدق، يفرحون لفرحه، ويحزنون لحزنه، ويخفون عنه عشقهم فقط لأنهم نبلاء.

النبلاء مثل سمر وامثالها عليهم ان يتصالحوا في النهاية مع أنفسهم، وان يتقبلوا تلك التضحية الجميلة والتي قدموها لشخص هم يرونه اهلاً لها، وان يتأقلموا مع تلك المسافة الفاصلة بينهم وبين من يحبون، وان يغيروا من طبيعة تعاملهم معهم، ان يغيروا من اسم هذا الحب وطبيعته ليناسب حياتهم، فيصيروه حباً لله، بلا عَقدٍ واتفاق وبلا شرطٍ وجزاء، حب لله بلا أي مقابل.

فيديو مقال حالك كحالي، كلانا يمسك جمرة