الأقسام قصة

رسالة متأخرة – قصة قصيرة

تمسحُ عن جفنيها النعاس وتحدّق في وجه سيدتها..

– رسالة لي؟! ومن الذي يعرفني؟

ثم راحت تمرر عينيها باندهاش على السطور.. …

“كلما نظرتُ في مرآتي وجدتُكِ تبتسمين لي! أتيتُ بشمعتي وقلمي وأوراقي لأكتب لكِ اعترافاتي. لن أدعوكِ باسمكِ، لأني لم أجد اسماً يحمل في معناه ما يليقُ بكِ، فأنتِ أجلُّ من أن أصفكِ.

تركتُكِ تكبُرين في صمت الغربة.. بقيتِ وحيدة يحاصركِ خيط نور ضئيل، تسرّب هادئًا إليكِ.. ومضيتُ تحت وابل من المطر. لم تعرفيني كما عرفتكِ..كنتِ حينذاك بين ذراعيّ، أهدهدكِ لتنامي قرّة العين:

«يلا تنام..يلا تنام..لذبحلها طير الحمام..روح يا حمام لا تصدق..عم اكذب….»..

كذبت كثيرًا.. لم أكن يومًا أبًا صالحًا. كنتُ ذاك المغلوب على أمره، العظيم في القتال، راهنوا على بقائي حيًا ويداي ملطختان بدماء الأبرياء. أوجدتُ في هذا الوطن أيتامًا وثكالى، حطمتُ آمالًا كثيرة ودمّرت أكثر من بيت، أحرقتُ رسائل العشاق وحرمتُ الأحباء من الذكريات. تواطأت مع من جَلد المظلومين ومن أطلق سراح الفاسدين.. وتَسلّمتُ الجوائز.. احتفاءً بتلك البطولات..

خمسة وثلاثون عامًا، لم أعرف كيف وضع الله لي قلبًا يختلج في صدري وكيف بات دمي ملتهباً بالخطيئة، وكأن جسدي مصنوع من الفولاذ ورئتي لم تتنفس سوى غبار الموت. كلما تراءى لي طيفكِ في منامي، أدركتُ أن لو لم تكوني ابنتي، لما حملتُ مشعلًا في أعماقي يقودني إليكِ في هذه اللحظة، وكلما ذكرتُكِ..احترقتُ.

مقالات متعلقة بالموضوع

لأنكِ لا ترضين بي كما كنتُ، أو كما أنا عليه الآن..كفنتُ قلبي ولم يرهُ أحد.

إن شمعتي يتلاشى شعاعها، قامتي ينخرها السوس وتجولُ عيناي في ظلام الشوق، فلا أبصر إلاكِ ملاكًا بأجنحة صغيرة. لم أجد إلا قلبكِ ليدنو من قلبي، كي تغفري لي وتُطفئي نار بُغضي كي لا أندثر في ذاتي.

لقد مزّق القدر هويتي ولا أذكر ما كان هو اسمي ولا اسمكِ.. كنتُ يتيمًا وجازفت بحياتي وأضعتُ عمركِ.. وربما عندما تصلكِ رسالتي، سأكون قد ودعتكِ مرة أخرى. ولكن حلمي ما زال يراودني..إن كنتُ سأحظى برؤيتكِ قبل الفراق الأخير.”.

طَوَت الورقة وتَفاءَلت. قَصَدت ذلك العنوان البعيد..وإذ تفتحُ لها امرأة، حَدَست أنها لا تشبه أمها..

– أبـــي..؟ أبــي؟…

تلمعُ السماء بالبرق..ترعدُ..ويُغلق الباب بوجهها!

فيديو رسالة متأخرة – قصة قصيرة

أضف تعليقك هنا
غادة مخول

الصحفية اللبنانية والكاتبة: غادة مخول

شارك

Recent Posts

مشاركة تلاميذ ثانوية المتنبي التأهيلية بإقليم آسفي في مباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة دورة 2024

بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد

% واحد منذ

أفكار أعمال صغيرة مربحة جداً وغير مكلفة

بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد

% واحد منذ

على من نطلق الرصاص؟

بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد

% واحد منذ

الكوارث تبرز أفضل وأسوأ ما في الناس

بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد

% واحد منذ

فن الشاطئ.. رؤية فنية بحس جمالي فني سياحي لمدينة أصيلة الشويخ عبدالسلام

بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

نقاء الروح

بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد

% واحد منذ