تثير تدريسية النصوص بالتعليم الثانوي بسلكيه، الإعدادي والتأهيلي، مجموعة من التساؤلات التي تتولد لدى بعض المدرسين، أثناء اصطدامهم ببعض المهارات القرائية التي يستشعرون صعوبتها وهم يحاولون الاشتغال بها على بعض النصوص المدرسية مع تلامذتهم، إذ تتحول هذه المهارات إلى عوائق ديداكتيكية تعرقل التفاعلات الصفية، وتعيق الانخراط الإيجابي للتلاميذ في بناء الدرس.. وتتبدى هذه الصعوبة في تنزيل بعض المفاهيم القرائية الأساسية، كالملاحظة والفهم والتحليل والتركيب والتقويم، وفي التمييز بين بعض المفاهيم المتجاورة، كالموضوع والمضمون والمحتوى والمغزى والفكرة وغيرها.
وسنركز خلال هذا المقال على مفهوم الفكرة العامة والأفكار الأساسية، باعتبارهما من أهم المفاهيم التي يرتكز عليها درس القراءة بالمرحلة الإعدادية، على اختلاف في المنهاج بين دولة عربية وأخرى.
إذن، فما المقصود بالفكرة العامة؟ وما الأفكار الأساسية؟ وما سبل تنزيلها لمقاربة النصوص؟
يتطلب الأمر قبل الوقوف على مفهوم الفكرة العامة والأفكار الأساسية، الإشارة إلى المدلول اللغوي كما ورد في مجموعة من القواميس العربية قديمها وحديثها، كلسان العرب والقاموس المحيط والمعجم الوسيط ومعجم الغني، للاستئناس به أثناء الانتقال من المعنى اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي.
أجدني، ولأسباب ديداكتيكية صرفة، أبدأ الحديث عن مفهوم الفكرة الأساسية قبل مفهوم الفكرة العامة باعتبارها المدخل الرئيس لإدراك مفهوم هذه الأخيرة. وفي هذا الصدد يرى مجموعة من الباحثين ودارسي الديداكتيك أن الفكرة الأساسية نوعان: صريحة ومضمرة.
بعد وقوفنا على مفهوم الفكرة الأساسية ونوعها، أصبح من اليسير تحديد مفهوم الفكرة العامة ونوعها، لأن ما ينطبق على الفكرة الأساسية في إطار الفقرة، ينطبق على الفكرة العامة في إطار النص. وهكذا يمكننا القول إن الفكرة العامة نوعان: صريحة ومضمرة.
1. كل بني آدم مكرمون من الله، من آمن منهم به، ومن لم يؤمن به، من أحسن منهم ومن أساء، والله في عطائه المتواصل لإسعاد البشرية لا يحرم من هذا العطاء المادي، لا كافرا ولا ملحدا ولا مذنبا، “كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ، وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا”…
1. موضوع النص هو: الإنسان و الإسلام.
**************
2. الفكرة الأساسية في الفقرة الأولى فكرة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: كل بني آدم مكرمون من الله.
3. باقي الجمل الأخرى والآية الكريمة هي شرح وتفسير وتأكيد لمضمون الفكرة.
2. وللإسلام تجاه حقوق الإنسان تنظير خاص، فهو يعتبرها حقوقا للبشرية، وحقوق الله أيضا. إن تخويلها لعباده كافة وبدون تمييز بينهم ولا تفريق، ممارسة من الله لحقوقه. يكفل الإسلام حقوق الإنسان منذ تصوره جنينا بجسد وروح في بطن أمه. وقد منع الإخلال بحقوقه التي يصبح مستمدا لها منذ التكوين. وتبتدئ بحقه في الحياة وهو جنين. فإجهاضه حرام. وكذلك وأد البنات. كما منع الإسلام الانتحار احتراما لحق الإنسان في الحياة…
2. الفكرة الثانية فكرة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: للإسلام تجاه حقوق الإنسان تنظير خاص.
3. وضمن الإسلام حق الحريات بجميع أنواعها، ومن بينها حرية العقيدة، “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” (سورة البقرة، الآية256). وأمر تبعا لذلك أن يبقى كل من يوجد في ديار الإسلام على دينه إن شاء، لأن الإسلام يعترف بالديانات السماوية كلها…
3. الفكرة الثالثة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: وضمن الإسلام حق الحريات بجميع أنواعها.
****************
4. ومن حقوق الإنسان التي أسسها الإسلام الحقوق المتصلة بالسلام والحرب، فمهما أمكن الوصول إلى السلام، تحرم الحرب التي لا تشن في الإسلام إلا لرد عدوان بمثله: “وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (سورة البقرة، الآية 190)، كما حث الإسلام المسلمين على الأخذ بخيار السلام كلما أظهر العدو جنوحا إليه…
4. الفكرة الرابعة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: من حقوق الإنسان في الإسلام، الحقوق المتصلة بالسلام والحرب.
***************
5. وأنصف الإسلام المرأة وكرمها وخولها حق المساواة بالرجل في الأحكام، فجميع أحكام الشريعة في القرآن والسنة موجهة إلى الرجل والمرأة بدون تمييز بينهما. ويقول الرسول ﷺ في ذلك: “النساء شقائق الرجال في الأحكام”، وقد مارست المرأة في الإسلام حقوقها الدينية والسياسية والاجتماعية، فكانت مفتية في أمر الدين، ومفسرة للقرآن، وراوية للحديث، وضابطة شرطة، ومشرفة على تدبير شؤون السوق وشؤون الحسبة.. وكانت عائشة زوجة رسول الله ﷺ في ذلك أصدق مثال.
5. الفكرة الخامسة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: أنصف الإسلام المرأة وكرمها وخولها حق المساواة بالرجل في الأحكام.
***************
6. وناهض الإسلام العنصرية وأبطل التمييز العنصري عندما أعلن الرسول ﷺ أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود، وعندما استعمل لوظيفة الأذان، وهي من أهم الوظائف الدينية، عبدا حبشيا أسود هو بلال بن رباح…
6. الفكرة السادسة صريحة، وتقع في بداية الفقرة، وهي: ناهض الإسلام العنصرية وأبطل التمييز العنصري.
******************
7. فالإسلام منظومة متكاملة يمكن إطلاق اسم شريعة حقوق الإنسان عليها، وقد أصبحت تفاصيلها معروفة ومسلما بها، وهي تدخل في نظام التحرير العالمي الشامل الذي جاء به الإسلام.
7. الفكرة السابعة صريحة، وهي:الإسلام منظومة متكاملة يمكن تسميتها بشريعة حقوق الإنسان.
**************
يستخلص من هذه الأفكار الأساسية أن الفكرة العامة للنص تمثلها الفكرة الأساسية الأخيرة، وهي فكرة صريحة تقع في نهاية النص، وهي:الإسلام منظومة متكاملة يمكن تسميتها بشريعة حقوق الإنسان.
كانت هذه محاولة لتقريب المدرسين من مفهوم الفكرة العامة والأفكار الأساسية كآليات لمقاربة النصوص بالمرحلة الثانوية، وقد حاولنا الوقوف خلال هذا المقال على المدلول اللغوي والبعد الاصطلاحي لهذه المفاهيم، إضافة إلى رصد آليات الاشتغال ومعايير الملاءمة، مع الاستئناس بنص للباحث المغربي عبد الهادي بوطالب، اتخذناه وسيلة لقياس مدى إمكانية الانتقال بهذه المفاهيم من المستوى النظري إلى المستوى التطبيقي.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد