الأقسام قصة

متى تشرق الشمس؟ – #قصة

بين الصخرتين

جلس يحتضن رجليه، وهو يضمهما إلى صدره، وقد حشر نفسه بين صخرتين، وغطى رأسه بخرقة، يحاول أن يتجنب ذلك الجانّ الذي يجول في ذهنه، مقنعاً نفسه أن لا يترك ظهره للفراغ، حتى لا يدخل الجنيّ إلى داخله ويتلبس به. كانت الظلمة سيدة الموقف، والهواء القادم من فوق ومن الأسفل، كان يحمل رائحةً نتنة، والرطوبة ارتفعت في تلك اللحظات، والغريب الخائف بين الصخرتين.

أخذ يتصبب عرقاً، وهو لا يستطيع التنفس، إذ لا هواء في الشهيق، فقط رطوبة ورائحة عفنة وقليل من الأوكسجين، لذلك فتح فاه، وباعد بين شفتيه الذابلتين، وهو يحرك بهما كسمكة أخرجت من الماء، تصارع الموت، علّها تستطيع أن تطيل عمرها ولو ثانية. وكان زفيره حاراً، كزفير تنين عليل، ولكن من غير نار أو لهب، فقط حار، كنسيم هواء مرّ من جانب تنور قد أكل عليه الزمان وشرب، وهو يتبعها بقحة خجولة، يدور صداها بالقرب منه.

هكذا زاد خوفه من جنيّه العنيد، وأصبح لابد من أن يتخذ إجراءه الاحترازي الأكثر أمناً، فأغمض عينيه، حتى لا يراه العفريت المتمرد، شعر بالعطش، وأنه قد طبخ كبيضة في ماءٍ حار، إنه يقبع في المجهول، لا يعرف كيف ينجو، أو كم سيعيش، جال في باله سؤال وحيد، متى ستشرق الشمس؟.

ازدياد الحر والجوع والألم

مرت على حاله ساعات طويلة، وهو لم يحرك ساكناً أبداً، ولكن الجوع شجعه على أن يحرك يديه، ليتلمس في وسط السواد، عسى أن يجد ما يأكله، كانت الصخرة قد تحولت إلى ملمس دهني، وما زالت تحافظ على كسرات جسمها الحادة، ولكن في مكان من تلك الصخرة، توقفت أنامل الغريب، تتحسس زغباً او ريشاً، فيه لزوجة، حرّكه بسبابته يميناً وشمالاً، كان أشبه بالعشب، فاقتطع منه قليلاً وقربه إلى فمه، والتهمه دون تردد.

مقالات متعلقة بالموضوع

شعر بالحر، شعر بأن الصخرتين انقلبتا إلى بركان، أصبحتا تلسعانه كأفعى لا صديق لها ولا حميم، وهو يتقلص بينهما يفرّ من حرارة هذه إلى حرارة تلك، ورغم كل ذلك لم يفتح عينيه، ولم يرفع الغطاء عن وجهه، لأنه ما زال يخشى الجني الملعون، الذي يترصد الزلة والهفوة والكبوة.

طال الأمر وأغمي عليه، أفاق وقد نسي أن العفريت يلاحقه، ففتح عينيه، ووجد نفسه بين الصخرتين، وجفنيه قد غطاهما الرمد، حينها فركهما بقوة، وهو يشاهد الشفق الأحمر في الأفق، يتسارع مع الليل، فما كان منه إلا أن يدور برأسه إلى الخلف، ليشاهد الشمس وهي تودع الصخرتين وداع المنتظر إلى الغد، وهنا علم بأنه كان ينتظر شروق الشمس، والشمس كانت مشرقة، ولكن خوفه من الجان والعفاريت منعه من أن يرى الشمس التي أحرقته بأشعتها.

الخيال والخوف من البعبع والهرب من الواقع واللجوء إلى من يحتاج الى ملجأ، لن يوصل إلى نتيجة أبداً وسيبقي صاحبه هائما، لا سماء تغطيه ولا أرض تؤويه. والحمد لله رب العالمين

فيديو مقال متى تشرق الشمس؟

أضف تعليقك هنا
نجم الجزائري

السيرة الشخصية: نجم عبد الودود الجزائري، ولدت في العراق في محافظة البصرة عام 1980، من ابوين عراقيين، حصلت على شهادة الدبلوم في تقنيات الهندسة المدنية عام 2000، وفي عام 2007 حصلت على شهادة البكالوريوس في ادارة الاعمال من جامعة البصرة، وظفت في جامعة البصرة وما زلت اعمل فيها. مهاراتي: * اجيد استخدام الحاسوب وصيانة الحاسبات * اجيد استخدام البرامج الخاصة بالطباعة والتصميم والرسم الهندسي * اصمم مواقع الكترونية بسيطة * كاتب مقالات عامة * اجيد تصميم البرامج الحسابية وقواعد البيانات باستخدام برامج المايكروسوفت اوفيس * اجيد فنون الدفاع عن النفس واستخدام السلاح الابيض والخفيف والمتوسط *

شارك

Recent Posts

مشاركة تلاميذ ثانوية المتنبي التأهيلية بإقليم آسفي في مباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة دورة 2024

بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد

% واحد منذ

أفكار أعمال صغيرة مربحة جداً وغير مكلفة

بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد

% واحد منذ

على من نطلق الرصاص؟

بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد

% واحد منذ

الكوارث تبرز أفضل وأسوأ ما في الناس

بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد

% واحد منذ

فن الشاطئ.. رؤية فنية بحس جمالي فني سياحي لمدينة أصيلة الشويخ عبدالسلام

بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

نقاء الروح

بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد

% واحد منذ