“لمن يقفون في تردد أمام المستقبل، الخائفون من خيانة الماضي”، هكذا يستهل الروائي الشاب الجزائري “يوسف ميمون” نصّه الفائز بجائزة “النبراس” 2020. هذا الإهداء الذي أردنا البدء به لأهميته إذ يمثل عتبةً لحصر التلقي واستدعاء قراء يملكون ذاكرة قوية ويؤمنون بأنّ نسيان الماضي كفر وخيانة.
يكشف هذا اختيار الإهداء (من عتبات النص المحيط) اشتغالا متأنيا حين يتمّ ربطه بمتن العمل الروائي الذي يحمل عبء المحافظة على تفاصيل المكان الصحراوي القديم والإرث التاريخي والحضاري لمنطقة “القنادسة” في عمل يراوغ القارئ بعنوانه “القصر” الذي لا يراد منه المنزل الفخم كما قد يبدو في التلقي الأول له، بل الفضاء الهامشي الصحراوي المتجسد في منطقة كاملة، مذيّلا بعنوان ثانٍ “سيرة دفتر منسي”
يمثل مقطعا عتباتيا دالاّ على المخطوط المتعلق بسيرة الأب “مختار” الذي تركه قبل انضمامه الى الجيش المشارك في حرب مصر ضدّ اليهود سنة 1973 مخفيا في مخزن المنزل فاكتشفه ابنه محمد ذاك الذي كاد يبيع المنزل بأكمله لولا اكتشافه لوجود جرّة ذهب في منزله بعد قراءته له. إنّ الدفتر المنسي رمز يمثل همزة الوصل التي وجب إعادة وضعها في علاقة الحاضر بالماضي.
يحكي هذا الدفتر المنسي قصة مختار الذي جعله والده عاملا في المنجم الفحم والذي يشب فيه فيصبح هو معين العائلة بعد وفاته، يلتقي فيه بمارغريت التي قدمت لإدارة هذا المنجم بعد عراك اضطره إلى دخول مكتبها. هذه المرأة التي أحبته تسافر إلى موطنها لرؤية والدتها المريضة لكنّ حادثا أصابها فأفقدها ذاكرتها ولم تعد إلى مختار بعدما وعدته بالعودة إليه بصورة محمضة كانت قد جمعتهما. يتجلى هنا تأثير غياب الذاكرة وإصرار الروائي على تأكيد دورها في بناء العلاقات الإنسانية أو هدمها.
تحمل هذه الرواية -التي إلى تسعة فصول (فقد، المنجم، دفتر منسي، سيليكوز، قرار، مارغريت، رقصة الهوبي، الجوبتا، الدفين) -هاجس المحافظة على الإرث الصحراوي والجزائري من خلال التركيز على مشاهد تقاليدهم في العزاء وتقديس العمل والرجولة والحفاظ على حميمية الإطار العائلي تقديسه وتصوير الأسواق.
يتجسد اهتمام الروائي بالذاكرة لا كجانب سردي بل كمعطى دلالي في العناصر التالية:
تمتاز الرواية بتمطيط السرد وتشبع المقاطع بالتفاصيل والمعلومات التي تجعل المشهد يكاد يرى ضمن تقنية camera eye وبناء تنعدم فيه مجانية اللفظ والمعلومة إذ أنّ كل حدث يتم تجاوزه يجد القارئ نفسه مضطرا للعودة إلى قراءته لفهم ما يليه. تكمن جمالية الرواية في رمزيتها رغم بساطتها نمثل عن ذلك بوصف السارد دخول إبراهيم ورؤيته لتموقع جديد لمكان الكانون الذي لا تغيره غير أمّه فيتذكر وفاتها ليشهق راميا جسده على الأرض وفي هذا المشهد يصف كذلك أختيه اللتان تتأملانه ومن خلال ارتداء صفيه البيجامة يبلغنا بأنّها مهداة من طرف أختها ابتسام وبهذه المعلومة يمهد لانفتاح السرد الآني على سرد استذكاري تستعيد فيه السارد وقائع وأحداث ذلك اليوم الذي خرجت فيه ابتسام إلى السوق.
تعتمد الرواية تقنية الميتاسرد إذ تم فيها ادراج خطاب السيرة (القنادسة من 1959 على 1971) ضمن سرد الرواية (القنادسة في 2018). يحكي فيها السارد العليم برؤية من الخلف معاناة محمد النفسية إثر وفاة زوجته زينب والتفاصيل التضامنية التي تعيشها عائلته في عزاء الأهالي لهم ممّا يحيل إلى أنّ تجاوز الموت يكون بالتكتل الإنساني لأنّ “الذاكرة هي كلّ شيء” كما ذكر مقتبسا الكلام من رضوى عاشور في عتبات التقديم.
يصبح السرد على هذا الأساس متناوبا بين السارد العاليم المتواري التباين حكائيا والسارد مختار المتضمن حكائيا بصيغة الرؤية مع الذي لا ينطلق سرده إلا حين يتفرغ محمد لقراءة الدفتر المنسي، مما يجعل محمد في موقع القارئ الضمني. وهكذا تتشبع الرواية بالمفارقات الزمنية بكلّ عناصرها والأنساق المضمرة (جدل الأنا والآخر، خطاب الهامش الصحراوي، وحقق المكان فيها تعبيرا دقيقا عن بواطن الشخوص وذللت رؤيتها الى المواضيع حاملة رؤى فلسفية لها مع انفتاحها على التراث الأسطوري الهندي والشعبي الجزائري.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد