مرت ثلاثة شهور لا توجد دلالات تشير إلى المرض بعد العلاج الأخير حينها بدأت الهواجس تكبر بداخلي ماذا لو كنت مريض بالسرطان مضى النهار بطوله وأول المساء دون أن ينطق هاتفي كنت أراقبه كما يراقب جندي الحدود، يقف عند الحد الفاصل بينه وبين عدوه بيقظة وانتباه شديدين.
وبدأت أول زياراتي للطبيب في هده المرحلة، عند غرفة انتظار الطبيب كان الازدحام لا يطاق، مرضى كثر ينتظرون، يبدو على بعضهم آثار المرض والوهن والبعض الآخر كان يعبر عن قلقه من المرض وآخرين يسألون غيرهم عن أفضل طريقة لاتباعها وهناك الصامتون يبدو أنهم يعانون من القلق ذاته الذي لدي، لكن الكلام عما ينقصنا دائما أصعب من التذمر مما لدينا لذلك تظاهرت بالانشغال بتصفح إحدى المجلات المتواجدة على الطاولة.
لم تنقص لحظات الانتظار قبل أن تتلاعب بهدوء أعصابي وتشعرني ثمة أشواك على كرسي الانتظار خاصتي لكنها انقضت في نهاية المطاف ودخلت إلى مكتب الطبيب الذي سألي عن مشكلتي فأخبرته. ثم كتب لي ورقة الفحص الإشعاعي. مرت فترة انتظار نتائج الإشعاع علي كأنها ظهر من زمن، ثم توجهت إلى الطبيب بعد أن قرات النتائج وتعبت وندمت على أنني افهم لغة التقرير وأني درست تقنيات التحليل، أعطيته تقرير صور الرنين المغناطيس فأطلق دعابة بعد ما لاحظ توتري حاولت الضحك لكني كنت قلقا لذلك طلبت من الطبيب أن يكتب لي ما يلزم من الفحوصات، فأجاب طلبي.
أمضيت ليالي مضنية ولم افهم سر القلق الشديد الذي لدي إلا في الأيام التالية مع العلم أنني مررت بتجارب صعبة مع الاطباء من عمليات والعلاج الكيماوي الإشعاعي، كانت طبول المعارك النفسية تدق وتعلن قدوم جيل جديد من الأمراض التي لم تكن في الحسبان كانسداد الشهية وعدم الإحساس بالجوع والعطش أما النوم أصبحت معه معارك طويلة واستعملت كل الطرق التقليدية فلم أنجح فاستدراجه.
بعض ظهور نتائج المختبرات قال الطبيب أن المشكلة ليس لها حل وأن الطب يتطور وأنه سيجرب علاجات جديدة قد تؤتي أكلها وقال أن علي التحلي بالصبر و المثابرة لأن هذا الطريق قد يطول، كان يطيل أملي فقط، وإطالة الأمل أحيانا أسوأ ألف مرة من قطعه لأن كل محاولة جديدة لم تكلل بالنجاح هي موت جديد لقلبي وتنقيص من نسبة الإيجابية التي كانت عندي، والغريب أن جيش من المرضى كانوا ينتظرون ان أشفى، بالنسبة لهم أنا هي القشة التي يتعلقون بها وكان الامر يزداد صعوبة خلف سراب الأطباء، كنت أدرك كل مرة أني أنهكت وأن علي الرضا بقدري وترك الأمر.
كنت شخصا يحمي أسراره وخيباته بحرص شديد لأنه لا شيء يقتلني مثل نظرة الشفقة من عابر أو كلمة مواساة لا أرغب في سماعها من غريب. مع الوقت بدأت أفتر وانطفأت عزيمتي في البحث عن دواء، لكن الحياة لم تتوقف أبدا على توجيه ضرباتها لي، وقد جعلت الناس سلاحها هذه المرة. حاولت التكيف مع الوضعية كوني بأنني لن أشفى، أصدقائي ورفقائي تحولوا إلى أشخاص آخرين مند أن عرفوا حالتي أصبحت أمقت كل اتصال أو رسالة تحمل تعاطفا فعمدت إلى عدم الرد عليهم، وقللت الزيارات العائلية واللقاءات، أصبحت ميت حي والأمر يزداد غرابة يوما بعد يوم.
محمد عزيز الضميري
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد