في هذه المراجعة سيكون تركيزنا على نظرية «النفير الثُبات» أو «القيامة» التي وضع الكاتب (الشيخ محمد الميل) قواعدها، في كتابه «قيامتنا والأخ الأكبر»، وهي نظرية في السبيل إلى الخروج من مأزق الدولة المستحيلة. لن نراجع كل جزء من الكتاب، لذلك يتوجب الرجوع إلى الكتاب وقراءته كاملاً لأخذ تصور تفصيلي عما يريده الكاتب. يتضح من الصفحة الأخيرة من الكتاب، التي تحتوي على بيانات الناشر ومعلومات النشر، أن تصنيف الكتاب هو: إعلان سياسي / سيرة ذاتية. ومعنى أن ذلك أن الكتاب يجمع في محتواه جوانب من السيرة الذاتية، وأسس نظريته الثورية.
«النفير الثُبات» اسم مشتق من الآية الكريمة: «يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُواْ جَمِيعًا». أما «القيامة» لعل يريد بها الكاتب أن تكون هذه النظرية الثورية كيوم القيامة على الخصم، أو لعله يريد بذلك ما جاء في قوله تعالى: «وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا»، فهو يريد أن يقول إننا سنكون كالقيامة على الخصم سنأتيهم فردا فردا. لم يصرّح الكاتب بهذا المعنى، ولكنها محاولة لتفسير سبب اختيار هذا الاسم.
بعد أن وضّحنا أن اسم الكتاب هو «قيامتنا والأخ الأكبر»، وأن اسم النظرية هي «النفير الثُبات» أو «القيامة»، تبقّى توضيح معنى «الأخ الأكبر». نستطيع فهم هذا الشق من العنوان من رواية شهيرة لجورج أوريل، التي صدرت عام 1984 بعنوان: «الأخ الأكبر»، وبحسب ويكيبيديا: «أصبحت كلمة الأخ الأكبر تستعمل كمرادف للتعسف في استعمال السلطة الحكومية وخصوصا في احترام للحريات المدنية». من خلال متن الكتاب، نستطيع أن نفهم أن الكاتب يريد بـ «الأخ الأكبر» «النظام الدولي» على المستوى السياسي و«الحداثة» على المستوى الفكري والفلسفي. ويتراجع الكاتب عما كان يدعو إليه في كتابيه: «عكازة مستحمِر» و«عمامة مسترجَعة»، كدعوته فيهما إلى العلمانية الجزئية واعتزال الوسط الديني.
أهم ما جاء في مقدمة الناشر (وهي هيئة اليد العليا) أن الكاتب يرفض استخدام مصطلح «الدولة الإسلامية»، ويفضّل استخدام «الحكومة الإسلامية»، وسيتضح معنا السبب لاحقاً. كما واستخدم الكاتب مصطلحات كـ «النضال»، «الثورة»، وما يدور حول هذا المعنى، ولكنه يعني بهذه الاستخدامات «الجهاد».
أما في مقدمة الكاتب، نقرأ إقراراً واضحاً بأن الله استبدله لفترة عن الانتصار لدينه، ويصرّح بأنه يعود إلى ما كان عليه من خدمة الدين والشريعة والجهاد في سبيلها. يوعز الكاتب هذه العودة إلى أمرين:
في هذا الجزء من الكتاب، يوضح الكاتب سبب كتابة هذه المقدمة، يقول إنها توبة علنية لما كان يدعو إليه في كتابيه السابقين، يروي الكاتب لنا جانباً من سيرته الذاتية في فترة السنتين، ومنها أنه عمل فيها مع منظمات حقوق الإنسان، كمنظمة العفو الدولية، والحركة الليبرالية الكويتية، وحضوره لمؤتمرات البرلمان البريطاني.
أما عن سبب اتجاهه إلى هذا المسلك بعد أن كان داعية ديني معروف في الوسط وله إنجازات فيه، هو الفراغ الذي وجده في نفسه، فهو دائماً يحب المشاركة في النضال والكفاح ونصرة المظلوم، فلم يجد طريقاً لذلك بعد تعرضه لصدمة من الساحة الدينية عام 2018 إلا أن يتجه إلى هذا التيار. بالرجوع إلى عام 2018 و2019 وأواسط عام 2020، نجد أن هوية هيئة اليد العليا ونشاط الكاتب اتجه إلى طريق آخر ومسلك مختلف عما كانت عليه. وبتاريخ 16/10/2021، صدر مرسوم عن الكاتب يأمر بحل مجلس إدارة الهيئة، وهي المرة الثالثة التي يصدر فيها هكذا قرار. وجّه المرسوم كذلك بتعديل أحكام النظام الأساسي لهيئة اليد العليا لتصبح إسلامية جهادية. مراسيم حل مجلس الإدارة كانت بالترتيب التالي:
تحت عنوان: «الحداثة.. رعونة، هوج، خرق، وسخف»، يتكلم الكاتب عن المذهب الخُضْري أو النباتي. يصف الكاتب هؤلاء بالأغبياء، وكما في هامش الكتاب، لا يقصد الكاتب من يتخذها أسلوب حياة لأسباب وجيهة يراها، بل يقصد من يعتنقها كعقيدة. وبالفعل، في هذه السنة، في عيد الأضحى، سمعنا عدداً كثيرًا في مواقع التواصل الاجتماعي يستهجنون عيدنا بحجة أن فيه إسرافاً في قتل الحيوانات!
ثم يتطرّق الكاتب ليدلّل على صحة كلامه مما شاهده وعاصره من تخبّط الحداثة وعقائدها ومذاهبها الفكرية. نجده ينتقد ما يسمى اليوم تخفيفاً «المثلية»، -والصحيح أن نقول «الشذوذ». في شهر يونيو من كل سنة ينظّم الشواذ مسيرات وبروباجاندا إعلامية ضخمة بدعم حكومي لترويج الرذيلة والتعبير عن فخرهم بها. وكذلك يعرّج الكاتب إلى «الحركة النسوية»، وكيف أنها تريد هدم المنظومة الأسرية. ونجد الكاتب ينتقد ويوضح ما ستحدثه الحداثة من نقص في الأيدي العاملة وأزمة لدى الطبقة الكادحة، بسبب الثورة التكنولوجية وتداخلها مع حياتنا اليومية وفي أدق تفاصيل الحياة. المشروعات الخطيرة التي أنتجتها الحداثة كما جاء في هامش كتاب «قيامتنا والأخ الأكبر»:
وللكاتب بيان جميل ومميّز، يشرح كيف اخترعوا لنا العلمانية بعد الليبرالية، لتلعب دوراً على خطوط التماس بين الدين وبين الليبرالية، ولتعالج التنافر بينهما.
وتحت عنوان: «نحن الأعلون وأصحاب السيادة»، يريد الكاتب أن يحرّض المسلمين جميعاً، ويبشرهم بأنهم الأعلون ويجب عليهم ألا يقلقهم مجاراة العدو الذي يطلق على نفسه «العالم الأول». ويكشف لهم، أن الله سيعزز نصرهم له بجبريل والملائكة وصالح المؤمنين، وهي آية قرآنية هددت عائشة وحفصة بعد أن تظاهرتا على النبي: «إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَٱلْمَلَٰئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ».
يبدي الكاتب إعجابه بهرتزل منظّر الدولة اليهودية، ثم يشير إلى الزعيم النازي هتلر مؤلّف كتاب «كفاحي»، ولينين صاحب «الثورة البلشفية».
تحت عنوان: «الاقتناع بالواقع.. إنها دولة مستحيلة»، يتكلّم الكاتب عن اهتمامه بمسألة الدولة الإسلامية، والوقت الذي صرفه في دراسة نظريات الحكم الإسلامي. يقول الكاتب بأنه عمل سابقاً على دمج نظرية «ولاية الفقيه» التي تزعّمها الإمام الخميني مع نظرية «شورى الفقهاء» التي نظّر لها الإمام الشيرازي. كذلك يشير إلى ميوله لتكون الدولة بيد «المستبد العادل»، ونجد هذا المصطلح عند الشيخ محمد عبده. ثم يقول: «وأن تكون دولة اجتهاد تحكم لله ولا تحكم باسمه». في هامش الكتاب، يذكر الكاتب بعض الأدلة الشرعية ويشرح ما يريده من:
يخبرنا الكاتب عن شغفه منذ الصغر في مسألة إقامة الحكم، ومن تجليات هذا الشغف:
في هامش نفس هذه الصفحة، يرد الكاتب على الشيخ ياسر الحبيب بشأن نظريته في طريقة تحصيل الحكم الإسلامي.
يعتبر الكاتب الإمام الخميني ملهماً، ويبوح بذلك لأول مرة، وسبب كتمانه هذا الأمر لكونه كان محسوباً على المرجعية الشيرازية منذ بداية خوضه الساحة الدينية عام 2012. وفي النفس الوقت يقر الكاتب بوجود أخطاء في نظام الجمهورية، كما أنه انتقدها نقداً شديد اللهجة في أكثر من موضع في الكتاب كما سيتبين لنا لاحقاً. جدير بالذكر أن هناك صراع قديم وطويل بين الجمهورية الإسلامية والمرجعية الشيرازية.
وهنا جانب آخر من السيرة الذاتية للكاتب، يقول فيها أنه كان يصدر مجلة شهرية في الكويت، وكانت افتتاحية كل عدد تتكلم عن طموحاته وآماله لإنهاض الأمة الإسلامية وإعادة مجدها. يذكر الكاتب في الهامش بأن المجلة كانت تصدر بعنوان بريدي مفبرك كمخرج قانوني في حال وقعت السلطات الكويتية على نسخ منها، لخطورة ما كانت تحتوي عليه من مواضيع.
يتطرق الكاتب إلى جانب آخر من حياته، وهي مرحلة اللجوء السياسي في بريطانيا بعد أن لاحقته الحكومة الكويتية بأحكام قضائية، وحظرها لهيئة اليد العليا. يتحدّث لنا هنا عن اهتمامه بمنطقة «البحرين الكبرى»، وكيف أنه كان يطمح لإقامة حكم إسلامي شيعي قومي فيها. ويخبرنا هنا عن تأسيسه لمؤسسة «هَجر الإعلامية» في بريطانيا، وينكشف لنا من هذا سبب اختياره لهذا الاسم «هجر»، لأنها ترمز إلى عاصمة «البحرين الكبرى» قديماً. ويتهكّم على الطبع الغالب على الكويتيين قائلاً: «وأما آكلي «المچابيس» فلا يعوّل عليهم بأمر كهذا لا يطيقونه».
ما سبق ذكره، كان تأسيساً من الكاتب لفكرة أساسية يريد إيصالها إلى القارئ، وهي:
وأما الآن وصاعداً، فيريد الكاتب التأسيس لنظريته الثورية من خلال إثبات المشكلات التي يواجهها العالم أولاً لتكون النظرية هي الحل. أخبرنا الكاتب في بدايات الكتاب أنه يعترف أن الشريعة يجب أن تكون لها دولة، وأننا كمؤمنين يجب أن نسعى لتحقيقها. الآن يخبرنا الكاتب بأن دولة الشريعة كان يمكن لها أن تقوم وتؤسس إلى مطلع القرن التاسع عشر، لماذا؟ ما الذي حدث؟ يقول الآن نعيش نحن تحت «نظام دولي»، ما المشكلة؟ سيتبيّن لنا لاحقاً. هنا يذكر أسباب استحالة قيام دولة إسلامية في العصر الحديث. ولكم أن تراجعوا الكتاب لقراءة الأدلة التي يستند عليها للتفصيل. فإذاً أساس النظرية قائم لعلاج هذه المشكلة الواضحة:
تحت عنوان: «قطع الأمل بالضمير العالمي العام»، الكاتب ينتقد الكاتب ودعواته المستمرة لتدويل مكة المكرمة والمدينة المنورة، وينتقد نظرياته السياسية «الدولة الأمنية» و«دولة الأكارم» القائمة على مناشدة «الأمم المتحدة».
الآن يبدأ الكاتب بشرح نظرية الجهاد الانتقالي المسماة بـ «النفير الثُبات»:
ثم يريد الكاتب أن يستبق الإشكالات التي قد تطرح بسبب ما شهدته الساحة الدينية من حركات جهادية سابقة. يقول كيف أن نعصم الجهاد هذا من ادعاء السّفارة ونيابة الإمام المهدي فتتحول بذلك إلى جماعك منحرفة؟ وكيف يمكن أن نضمن أنها لن تتلوث بالسياسة؟ يقول: اللاسلطوية واللامركزية هي الضامن.
ينتقد الكاتب الذي يستغرقون بالجهر بالبراء من أعداء الله والاكتفاء بذلك دون عمل جهادي حقيقي على أرض المعركة. في تسجيل عنوانه: «عمل العاجز عن الأقوى»، يفصّل الكاتب هذه الرؤية.
يذكر الكاتب تكتيك عسكري لتحقيق الفكرة، وهي «اللاتماثلية». ثم يستبق إشكال القارئ، ويقول على لسانه: أن مشروعكم أشبه ما يكون بمشروع عفوي يفتقر إلى التنظيم. فيجيب الكاتب أن النظرية لتنجح يجب أن تكون حالة جماهرية عامة من غير تنظيم، وأن التنظيم ليس إلا شكلاً يتوسط النظرية الثورية وممارسة الثورة، إذاً يمكن تجاوزه. تحت عنوان: «اللامركزية.. حذر الهلاك والإبادة»، يشرح بشكل أعمق نوع اللامركزية المرجوة عند تطبيق نظريته «النفير الثُبات»، وهي اللامركزية التي تشبه «سلسلة الكتل». إلى هنا نكون قد وصلنا إلى تغطية ونقل وشرح أبرز الأمور التي توضّح لنا نظرية الكاتب محمد الميل المسماة بـ «النفير الثِبات».
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد