فتيات الليل عهر ظاهر وشرف مستتر

هل كل فتيات الليل عاهرات؟

أمست ظاهرة فتيات الليل من الظواهر المنتشرة في مجتمعنا وأنتشارها بات جليا واضحا ولاسيما بعد الهجرات الأخيرة والتهجير القسري ولانتناسى الهجرة السورية الى أراضي العراق، كل ذلك ساهم في تفاقم هذه الظاهرة.

ولا ننكر بأن أول ماقد يخطر على بال كل منا عند مشاهدته لأحدى فتيات الليل بأن أؤلئك الفاتنات لسن سوى مهتويات للعهر مفرطات البغاء.
وقلة قليلة ممن يطيل النظر الى عيون إحدى أؤلئك الفتيات ليدرك كم عانت تلك الجميلة وكم هي قاسية ظروف الحياة التي أجبرتها على جعل جسدها جسرا يمر عليه العابرين وبعد العبور يرمونه بحجارة قاسية.

فيأتي ذاك الفارس الأنيق الذي زاده الثراء فحشة ليختار أحدى الفاتنات فيقضي برفقتها ليلة حمراء ويكون معها ككلب مسعور ولربما أكثر ضراوة وتحكمه آنذاك شهوته الحيوانية وسلوكه البربري وعاداته الشرقية التي جعلت من حواء الطاهرة دمية ممتعة فكيف بحال فتيات الليل وباغيات الطرقات.

سارة ذات شعر أشقر غجري تلفت الأنتباه!

سارة فتاة بارعة الجمال ذات شعر أشقر غجري تلفت الأنتباه ما إن تمر حيث لفتت أنتباهي وصديقاتي حين كنا في أحدى أماكن بغداد الترفيهية ولم يكن المكان ذا صيت سيء فقد علمت مسبقا بأن هذا المكان مخصص للعوائل وهذا ما زاد من راحتي لكي أخرج برفقة صديقاتي بعيدا عن مضايقات من هب ودب، سارة لم تكن ترتدي ذاك اللباس الفاضح بل كان أقرب للتستر وبعد فترة قليلة من جلوسنا سارة نهضت لترقص وكانت نظرات الوحوش الضارية تحيط بها من كل مكان وقد ظهرت علامات التعجب هنا فقد كانت تصرفاتها مريبة، شعرت آنذاك بأن لتلك الفتاة قصة مؤثرة، حاولت الوصول إليها وسؤالها ولكن صديقتي حذرتني من محادثتها فقد يكون في أسئلتي ماقد يسبب لها الإحراج.

فكرت مليا ووجدت بأن في سؤالي ماقد يسبب لها الحزن والشعور بالصغرة فتراجعت عن فضولي ولكن لم أتراجع عن محاولة معرفة ماوراء تلك الجميلة.

بعد عدة محاولات كان دافعها الأول الفضول تمكنت من سؤال أحد العاملين هناك فعلمت حينها بأن سارة فتاة ليل يتيمة الأب ولها ثلاثة أخوات يصغرنها عمرا ووالدتها سيدةٌ كهل وكما علمت بأن سارة ليست من محافظة بغداد فقد جاءت من محافظة البصرة كما أخبرني العامل بأنها تأتي يوميا عدا يوم واحد في الأسبوع، تأتي وتمارس إغوائها ليتلقفها أحد المهووسين بالجسد الشرقي الفاتن المتمايل وذاك الخصر الذي يبدو وكأنه أُنهك عياءا، سارة قطعت تلك المسافة لتجمع قوتها وعائلتها، هنا لم أفكر لبرهة بمدى سوء سارة، في نظري كونها باغية ليس بالضرورة أن يجعلها عاهرة عديمة الشرف.

هي الشريفة وهو العاهر سيداتي وسادتي لسيت من عرضت نفسها عاهرة ولكن العاهر هو...

سارة شرفها المستتر هو من جعلها تضحي بنفسها لأجل عائلتها ولابد وأن تكون قد ذاقت من خيبات الحياة ماذاقت لتجد نفسها بعدئذ مرمية على الطرقات كقطة مسكينة تلاحقها الكلاب السائبة.

سارة لم تكن عاهرة بنظري ،فلو كانت تملك من العهر مايملكه أؤلئك ممن يشتهونها لما باعت نفسها وذهبت بعيدا عن منطقة سكناها كي لايصيب نزرا من صيتها العاهر عائلتها، لو كانت قد أختارت العهر بأرادتها لما أنهكت نفسها بمعاشرة من هب ودب لكي تحيا أخياتها حياة كريمة، لما شجعت أختها الصغرى أن تصل الى المرحلة الثانوية من دراستها، لما جعلت والدتها سيدة مبجلة .

هنا علمت إن سارة ذات حلم ولكن الحياة القاسية بعثرت حلمها حتى جعلته مقتصرا على فتات خبز تحصده من فحولة مضمحلة. سارة ليست عاهرة ، مجتمعي هو رمز للعهر بذكوريته البحتة ، بنظرته الشرقية المهينة، بشهوات باتت أساطير تحكى للأجيال.

ذاك الذي يدفع مالا ليأخذ سارة فيرتمي في أحضانها كطفل مدلل وماهو إلا كلب مسعور ستقتله شهوته يوما، ذاك هو منبع العهر وليس سارة.
ستأتي فتاة ذات لباس ساتر وتصف سارة بالعاهرة، سيأتي رجلا شرقيا يلاحق نظرات حبيبته غيرة ويعاتبها على خصلات شعر خرجت سهوا من حجابها وما أن تستدير الحبيبة حتى يدخل في عالم الخيال الواسع وهو يتخيل كيف ليديه الخشنتين أن تحيط بخصر سارة النحيف وهل له بملاعبة شعرها الغجري وما إن يصحو من خياله حتى يصف سارة بالعاهرة.

ستأتي سيدة طاعنة في السن وتقول “كم هي عاهرة من تعرض نفسها للرجال”.

ليست عاهرة، من أوصلها إلى هذه الحال هو العاهر

سيداتي وسادتي لسيت من عرضت نفسها عاهرة ولكن من أجبرها على العرض عاهر، ليست من حلمت بفتات خبز عاهرة ولكن من ساومها على الخبز مقابل جسد منحوت هو العاهر، ليست سارة بعاهرة ولكن الذي رآى جمالها فأشتهاها وطلبها كما يطلب صحن مقبلات. نعم ، ذاك هو العهر بعينه.

لو وجدت سارة من الشهامة بقدر ما وجدت من شهوات الرجال لما غدت عاهرة ، ففُتات خبز تُرمى للكلاب والقطط في فناء الأغنياء، فدنانير تتناثر على تراهات الاغنياء ستكفي حتما لسد رمق سارة ومثيلاتها.

لنكن جميعا شرفاء بنظرتنا، شرفاء بتفكيرنا، شرفاء في محاولة انتشال سارة ومثيلاتها من وحل الحياة وضيقها بعد أن تمرغن بهِ رُغما عن أنوفهن.

ومن سيعود ليقول بأن هنالك مهنٌ كثيرة في مجتمعي قد تمتهنها سارة وقريناتها سأجيبه عندئذ بأن في مجتمعي خريجا جامعيا يملك شهادات عليا ولايجد عملا له غير بائعٍ جوالٍ في أحدى الطرقات فما حال سارة التي لاتملك أبسط الشهادات.

لنكن متسامحين فيما بيننا، لننهض بالمجتمع ونترك تلك النظرات الساخرة والنقد الهدام دون أن نقدم للغير ما قد يقومهم ويغير من واقعهم البائس.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

مريم فؤاد

كاتبة مهتمة بشؤون المجتمع