عن المرضى – من سلسلة مقالات “أنبوب اختبار 5”

المرضى الأسرى في سجون الإحتلال

يشكل ملف الاسرى المرضى في سجون المحتل الصهيوني الدليل الفج الصارخ على ان المحتل يعامل الاسرى كأنهم خاضعين لتجارب مخبرية حيث يمكن اعتبار المرض في سجون المحتل بلاء يفوق كل بلاء حيث تعتبر المعاناة التي يمر بها الاسير المريض اقرب ما يكون الى التنفس من ثقب مخيط او اصعب.

تشخيص المرضى الأسرى في سجون الإحتلال #مقال: الاضراب عن الطعام - سلسلة انبوب اختبار "٤"

وهناك عدة مراحل يمر بها الاسير المريض وربما تكون احداها اطول من الاخرى وأصعب والمرحلة الاولى كما هو معلوم هي مرحلة التشخيص وهي مرحلة عادة ما تكون اصعب من العلاج نفسه حيث تطول بصورة تمتد الى سنوات فهناك في كل سجن عيادة محدودة الامكانيات ولا يمكن ان تجتازها الى المكان الذي يلهيا في رحلة التشخيص والعلاج إلا اذا كنت مدنفا مقبلا على الموت بعد ان يشعر الاسير المريض بألم ما فانه لابد اولا قبل ان يصل الى العيادة الخاصة لابد ان يمر بمساعد الممرض الذي يأتي كل يوم او اثنين لتفقد الاقسام وهو انسان غالبا ما يكون حاصلا على دورة لمدة سنة او ستة اشهر ولا يمكنك مجادلته حتى وان كنت طبيبا بارعا فالقول قوله والقرار قراره وهو من يقرر ان كان الطبيب سيراك او لا بكل بساطة وربما تكون لديه وصفة او اخرى لا يمكن ان يسمح لك بغيرها إلا اذا جربتها كما يقول لا كما تشعر انت ويمتاز هذا المساعد الطبي غالبا بالمجادلة والتمعرف والتفلسف وكل الاراء امامه خاطئة وفي الحالات الطارئة ربما يستهلك ساعة من عمر الاسير قبل ان يأتي بحلوله الخنفشارية.

وذا سمح لك المساعد الطبي بتجاوز مرحلته وقبل ان يراك الطبيب فلا بد ان يضع اسمك على قائمة الانتظار التي غالبا ما تكون اطول من اسبوع فيكون المرض قد تفاقم وفعل فعلته في جسدك ودخلت في مراحل متقدمة من المعاناة والألم.

العلاج الأولي للمرضى الأسرى في سجون الإحتلال

والمحطة الثانية من مرحلة التشخيص هي العرض على طبيب السجن الذي يشكل وحده معاناة وألما شديدا فهو غالبا لا يفحصك إلا بطريقة صورية ثم يعتمد العلاج الذي يراه دون ان يكون لك الحق في الاعتراض او الاحتجاج ويؤجلك اسابيع اخرى للعرض عليه
وهكذا تنتهي مرحلة التشخيص الاولية ويأتي بعدها دور العلاج الاولي الذي يمدك به طبيب السجن وهذا العلاج يجعلك مشدوها فغالب الامراض لا بد ان تعالج حسب طبيب السجن بشرب الماء ومن ثم يزودك بدواء يتبع مجموعة الباراسيتامول وهو دواء بدائي عام لا ينفع إلا قليلا وان من عليك بمضاد حيوي فان ما تناله ادوية لم تعد تستعمل في العالم ولا حتى في بلاده الادنى مستوى معيشة وان راجعته يحرمك من الدواء ويقول لك العبارة الشهيرة والتي مفادها انه هو الطبيب وأنت المريض وان عليك التنفيذ دون نقاش.

فشل علاج المرضى الأسرى

ثم اذا فشل العلاج في المرحلة الاولى وهي دائرة العلاج لا بد من اعادة الكرة والذهاب لطبيب السجن وإقناعه انك بحاجة لعلاج ادق لحالتك فيرسلك الى المحطة التالية

تشخيص المرضى الأسرى من قبل مختص

المحطة التالية وهي محطة التشخيص من قبل المختص وهي رحلة يصلح ان يكتب عنها رواية بل روايات عوضا عن المرور عنها مرور الكرام في مقال اجمالي لكن نضعك في الصورة بوصفها العام والباقي جهدك في معرفته اولى وتبدأ هذه المرحلة بضرورة اقتناع طبيب السجن انك بحاجة الى مختص وهذا امر صعب للغاية فالطبيب الذي امامك على الاغلب من الفشلة والرعاع في مجال الطب ومكانته الاعتبارية والقانونية وكونه محطة لا بد من عبورها هو ما يلجئك اليه فإذا ما اقتنع فهو يكتب اسمك في قائمة طويلة ربما يأتي دورك بعد اشهر او سنة حسبما اعتقد طبيب السجن في تقريره عن حالتك وربما يصنفك كما هو الحال غالبا مريضا بمرض لا علاقة له بمرضك الفعلي وهنا يتغلغل المرض اكثر وأكثر في جسدك وتصبح المعاناة ليست في الم المرض بل في صياغة الحياة اليومية لما يقتضيه مرضك.

وحتى تصل الى حالة التشخيص من مختص فانه لا بد من السفر بحافلة من الحديد مقاعدا وحراسا وتبقى القيود في يديك طوال الوقت وتتراوح المدة ما بين ثلاثة الى سبعة ايام ذهابا وإيابا والمختص الذي توفره سجون المحتل هو عبارة عن طبيب السجن في مرحلة سابقة ولكن تم نقله تبعا لترقية رتبته فأنت تتحدث عن نفس العقلية ونفس الممارسة وغالبا ما تعود من عنده بخفي حنين وبعضا من الادوية غير معروفة الاسم او ما العلاج الذي تقدمه لك كمريض وتكون مدة التشخيص قربة من الدقيقة او ما يقاربها والأمر تبعا لمزاجه وقراره والحديث هنا ليس من باب المبالغة ولا من باب استدرار العطف وتجييش المشاعر بل واقع عليه الف دليل ودليل.

العلاج التجريبي الجديد للمرضى الأسرى

وبعدما يتم تشخيصك من قبل المختص في عيادات سجون المحتل المركزية تعود مع علاجك التجريبي الجديد لمدة تطول او تقصر دون ان يتابع علاجك احد او يرى مدى تأثيره عليك او اعراضه الجانبية طبعا والعالم العارف بما اتحدث عنه يعلم ان الاسير المريض يكاد يعانق حرية الموت في مثل هذه الحالات وأنت معه في تقلبه وارقه وألمه دون ان تملك له نفعا او علاجا إلا دعاء غدى حيلة من لا حيلة له في هذا العصر.

محطة العلاج النهائي

وان فشل العلاج فلا بد ان تنتقل الى محطة العلاج النهائي وهي مرحلة العرض على المختص في مستشفى خارجي لا يبتع سجون المحتل وهنا تأتي معانة اخرى بالإضافة الى طول الفترة الزمنية التي يقضيها الاسير في انتظار دوره وهي كون الفحوصات اللازمة تتم على فترات متباعدة فمثلا من المعلوم طبيا ان من يحتاج الى عملية جراحية فلا بد ان يتسلح بفحص للدم وصورة اشعة للصدر وتخطيط للقلب كحد ادني وعلك تعجب ان علمت ان الفترة الزمنية الفاصلة بين الفحص والأخر تصل الى الشهرين يعني ان الفرق بين فحص الدم المطلوب وتخطيط عضلة القلب اربعة اشهر وبعد الفحص الاخير تنتظر ما يقارب اربعة اشهر للقيام بالعملية الجراحية اللازمة لتخفيف ما تشعر به من الم وأوجاع.

ولن انسى يوما ان صديقا لي اضرب عن الطعام عشرين يوما ليعجل في علاجه وكان من المقرر القيام بعملية جراحية له لإصلاح اخرى فشل فيها الطبيب الذي قام بها ولم ينهي اضرابه إلا بعد اتفاق مكتوب انه سينال علاجه خلال اربعة اشهر وكم عانى وتألم وضاقت به الارض.

وهنا لا بد من الحديث المقتضب عن العملية الجراحية التي يصل اليها الاسير الفلسطيني في سجون المحتل بعد معاناة طويلة حيث يكون الوقت المحدد لأي عملية يقارب الايام الثلاثة فقط وبعدها يعود الاسير الى الاقسام العادية مصحوبا بالألم والخوف من المضاعفات ثم يدخل في الدوامة من جديد بدءا من مساعد التمريض المتفلسف الى طبيب السجن ومنه الى مختص اخر يتبع السجن ومن ثم ال المختص الخارجي وهكذا دواليك.

المختبر الأكبر للتجارب على الأسرى المرضى

الاقتضاب السابق يجسد تصويرا سطحيا لجزء من معاناة الاسرى المرضى ولا يمكن الحديث عن الاسرى المرضى دون الحديث عن مقبرة الاحياء المسماة عيادة سجن الرملة الصهيوني التي تمثل المختبر الاكبر للتجارب على الاسرى ومن يدخله يصاب بأمراض لا علاج لها وتتفاقم حالته المرضية الاصل الى ما يمكن القول انه الاشراف على الموت. وهنا يمكن القول ايضا ان هناك تقصير غريب وعجيب في ملفات الاسرى المرضى وتحديدا الحالات الصعبة التي تحت الى رعاية ومتابعة عاجلة ويكتفي البعض بالحديث عن الموضوع دون العمل على ايجاد حل واقعي جذري للمسالة ينهي المعاناة ويوقف تجارب المحتل على الاسرى.

حالات مرضية غريبة ظهرت لدى بعض الاسرى

ومن المهم ان نذكر ان هناك حالات مرضية غريبة ظهرت لدى بعض الاسرى في الاونة الاخيرة لا يمكن تفسير سبب نشأتها مثل الاورام الغريبة والمشكك في الامر ان الحالات التي تبين لاحقا انها اورام كانت المتابعة الحثيثة من المحتل لها والحرص على اخذ الادوية امام مساعد التمريض وعدم اعطاء اسم الدواء للأسير المريض ولا حتى من يتابع حالته من الاسرى وكانت هذه الادوية تعطى لفترات محدودة لا تتجاوز بأي حال الثلاثة اسابيع ومن ثم لا يعود الطبيب الى اعطائك نفس الدواء مهما حصل.

أدوية تعطى للأسرى المرضى يكون مفعولها سحري وسريع

وهناك ادوية تعطى للأسرى المرضى يكون مفعولها سحري وسريع ويكثر الطبيب حينها من السؤال عن تأثير الدواء ويتابع الاسير المريض بصورة مكثفة نادرا ما تحدث ولا زلت اذكر ذلك الاسير الذي اصيب بتآكل في معصمه وكان طبيب السجن يرفض اعطائه شيء إلا المسكنات حتى ايس الجميع من العلاج ثم قررنا صبيحة عيد الاضحى عام 2009 ان نتخذ موقفا جماعيا ونطالب التسريع بعلاجه وفعلا حضر نائب مدير السجن واجرى اتصالاته ثم وعدنا بإحضار الدواء بعد ساعات والغريب ان الدواء كان له مفعول غريب حيث لم يمض الاسبوع إلا وقد عادت يد الاسير ليس فيها أي عيب او خلل كأنها لم تكن مصابة من الاساس وهذا يدعو لتأكيد الشك ويدلل عليه.

حالات أخرى للأسرى المرضى

وهناك آلاف الحالات التي لا يتسع المجال لذكرها لان كل حالة عبارة عن اعوام من التألم والإذلال والإخضاع لأدوية التجارب وكم فقدنا من حبيب نتيجة هذه التجارب ثم تذوي القصة لأننا في بلد كل يوم تنتشر فيه قصة معاناة جديدة عوضا عن اكبر صحن منسف وأطول ثوب تراثي ومهرجان للعنب وأخر للتين او الفقوس فلا مجال لمتابعة القضايا الهامشية كقضية الاسرى المرضى مثلا ولله المشتكى ونسأله ان يمن على اخواننا الاسرى جميعا والمرضى تحديدا بشفاء وفرج عاجلين

هذا جهد المقل في الحديث عن ملف دام مليء بالتضحيات والأوجاع اسمه الاسرى المرضى الملف المتناسي كأنه لم يكن وربنا يمن الله تعالى بفرصة اخرى لتفصيل اعمق وأدق.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة