ثم تأتي المرحلةُ الأخيرةُ و ذلك بعد تفكيكِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ حيثُ يُعادُ تشكيلها على الطراز الغربي من ناحيةِ العاداتِ و السلوكِ و التقاليدِ و المظاهرِ ، بل و التراثِ ، ليصير تراثها هو التراثُ الغربيُ و عاداتها هي العاداتُ الغربيةُ و الصوابُ هو ما يراه الغربُ صوابًا و الخطأُ ما يراه الغربُ خطأً و الحقُ ما يراه الغربُ حقًا و الباطلُ ما يراه الباطلُ باطلًا ، بل و الديِّنُ هو يعتقده الغربُ دينًا !
و لكنَّه لا يمكنُ بحالٍ أنْ تُعْطى هذه الأممُ معارفَ الغربِ و تقنيته الحديثةِ ، بل لابدَّ منْ إبقاء تلكَ الأممِ متخلفةً عاجزةً عن “التحديثِ” و إنتاج سلعِ ، و تِقَنِيَّةِ الغربِ ، عاجزةً عن اكتسابِ معارفِ الغربِ ، و إذا اكتسبَ بعضُ أفرادِها شيئًا من معارفِ الغربِ يجدُّ نفسَه غريبًا في وسطِ مجتمعٍ جاهلٍ متخلفٍ، عاطلًا عن العملِ ، و التعايشِ مع مجتمعٍ لا يُقَدِّرُ و لا يرتقي و لا يفهمُ قيمةَ ما يحمله من معرفةٍ و علمٍ ، فيجدُ نفسَه مضطرًا إلى النزوحِ إلى مجتمعِ المتفوقين” .
فإذا جمعنا ما مرَّ كلَّه جنبًا إلى جنبٍ في سياقٍ واحدٍ ، انكشفَ أمامَ الأعينِ كلُّ شيءٍ ، و لم يعد الأمرُ مجردَ جزئياتٍ متناثرةٍ هنا و هناك ، و إنما هو أمرٌ يُدَبَّرُ بليلٍ ، و بمكرٍ و خبثٍ تعجزُ عنه عقولُ الشياطينِ و قلوبُ الأبالسةِ .
ألا إنَّ استقراءَ التاريخِ ليقررُ أنَّ العلاقةَ بين الاحتلالِ – وليس الاستعمارِ- و التدينِ الحقيقي علاقةٌ عكسيةٌ ، فكلما زادتْ نسبةُ التدينِ الحقيقي ، كلما قلت فرصُ الاحتلالِ في السيطرةِ على الأممِ و الشعوبِ أو الاستمرارِ في احتلالها ، و العكسُ بالعكسِ ، و لهذا لا تجدُّ أمةً كانت متمسكةً بدينِها و تراثِها و حضارِتها استطاعَ محتلٌ –مهما كانت قوتُّه- أنْ يسيطرَ عليها أو أنْ يستمرَ طويلًا على أرضِها ، و اعتبرِ بحال ِهجمةِ “نابليون” على مصرِ و التي لم تستطع البقاءَ في مصرَ لأكثرَ من ثلاثِ سنواتٍ ، مع قوةِ الفرنسيين العسكريةِ و ضعفِ مصرَ -حينها- عسكريًا و سياسيًا ، و لكن كانتْ الأمةُ المصريةُ متمسكةً بدينها و تراثها و قيمها تعملُ تحتَ رايةِ الأزهرِ الشريفِ ، فقاومتْ المحتلَ حتى طردته .
فلما جاء “محمد علي” و نحى الأزهرَ جانبًا ، و عملَ على تغريبِ مصرَ- لا تحديثها- و حولها إلى نسخةٍ من باريس ، حتى في التحللِ من الدينِ ، لم يكدْ يمرُ ثمانين عامًا حتى جاءَ المحتلُ الإنجليزي ، و قد زادتْ قوةُ مصرَ العسكرية و صار لها جيشٌ ، إلا أنَّه كانت قد قلتْ نسبةُ تدينِ أبنائِها ، فهُزِمَ الجيشُ و استمرَ المحتلُ أكثرَ من نصفِ قرنٍ من الزمانِ .
و لما كان المستشرقون من الغربِ و وكلائهم من الشرقِ يعلمون ذلك علمَ اليقينِ ، فقد كانوا دائمًا يعملون على محاربةِ التدينِ الحقيقي ، و على نشرِ التحللِ من الأخلاقِ، و نشرِ الإباحيةِ و الرذائلِ و الانحلالِ بل و الإلحادِ داخلَ المجتمعاتِ المرادِ احتلالها تحت مسمياتٍ براقةٍ كاذبةٍ من الحريةِ و الثقافةِ.
و بناءً على كلِّ ما تقدم نقررُ ما يلي : إنَّ دعاةَ التحللِ من التدينِ و القائمين على محاربةِ الثوابتِ و التشكيكِ في الدِّينِ و التشكيكِ في الغيبيات و الطاعنين في السنةِ النبويةِ المطهرةِ ، و الداعين إلى التفلتِ الأخلاقي و نشرِ الرذيلةِ في المجتمعِ ، و المروجين لتركِ الالتزام بالأحكامِ الشرعيةِ و الدينيةِ تحت شعاراتٍ براقةٍ كاذبةٍ من الحريةِ الشخصيةِ و الجنسيةِ و ما شابهها ، ليسوا إلا “الطَّليعَةُ الفِكريَّةُ للاحتلالِ في كلِّ زمانٍ و مكانٍ ” ، و أنَّ هؤلاءِ الذين يظهرون الآن فجأةً ، و في مصرَ خاصةً و في هذا التوقيتِ بعينِه ليسوا إلا جزءًا من المعركةِ التي تخوضها مصرُ نحو التحررِ الوطني و الاستقلالِ القومي ، و أنً هؤلاءِ المشككين في الديِّنِ الساعين لهدمِه إنما يعملون في خدمةِ الاحتلالِ المعاصرِ في صورتِه المدنيةِ –علموا أو لم يعلموا قصدوا أو لم يقصدوا- ، فهم –و بلا شكٍ- طليعتُه الفكريةُ الممهدون له الطريقَ و الناثرون له البذورَ .
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد