الأقسام سياسة وفكرقصة

قصة للأطفال : غابة الأوباش

استمعوا يا أبنائي الصغار و أنصتوا ، كان يا مكان في قديم الزمان و سالف العصر و الأوان، غابة كثيفة مليئة بالأفاعي و العقارب تملأ المكان، فحيح و صئي صنوان، تهتف في إلحاد: مملكتنا لنا وحدنا نرتع فيها بالفساد. ولا نقبل بيننا الأسود و السباع.

١/ ثقافة الهمج و دين الرمج :

لم تكن تلك الغابة تحتضن فقط أولئك ، بل كان هناك أصناف اخرى كالكلاب و الذئاب و البوم .. و كل كان له مقعد و مكان إلا البوم فكان يطير في كل الأوقات ولا يتخذ له ركنا ليرتاح ، فهو الحائم فوق السباع لعله يظفر بصيد هنا او هناك يعود به الى مملكة الأوباش .

و في تلك الغابة الموحشة ، التي تسودها ثقافة الهمج ، و دين الرمج ، تغزوها جحافل و فراسخ من فحيح الأفاعي التي لا تراها غالبا ، ولكن تسمع أصواتها دائما و هي منبعثة من ذلك الوكر العتيق ، يتهيأ لك لوهلة و أنت تجوب أرجاءها أن ذلك الفحيح قد فاق صئي العقارب في همجيته ، لتقف عند حقيقة مؤداها أن تلك العقارب الصفراء و السوداء رغم صغر حجمها و خفة وزنها إلا أن عدوانيتها فاقت همجية الأفاعي ! و سجيتها الخبيثة قد فاقت خبث و رفث الأفاعي ! .. فهكذا هي مفارقات تلك الغابة الهجينة.

فكلاهما ، أي العقارب و الأفاعي ، و قد تمكن منهم مرض الزهايمر الغابي ، و استبد بهم الوهم الذي نسميه “جنون العظمة السادي ” باتا يشكلان خطرا بليغا على تلك المخلوقات البريئة ، على المستويين معا ، العقل و الجسد.

٢/ تبقى الأسود أسود و الكلاب كلاب :

و بعيدا عن كل ذلك الرفث في غابة الأوباش ، تظهر حقيقة مؤكدة ، و هي :

أن الأسود لا تتجول فيها ولا ترتع منها ، و إن تواجدت بها فيكون ذلك فقط من أجل حماية تلك المخلوقات الآدمية الصغيرة و البريئة التي وقعت فريسة للكلاب الضارية و الذئاب العاوية و الأفاعي و العقارب اللادغة و البوم من فوقهم جارحة ، هكذا هي الأسود ، لا تخالط الرعاع ، ولا تصاحب الطغام ، ولا تأكل من صحن الغوغاء ، فهي أعلى شأنا و أرفع مقاما و أقوم علما و أفتق لسانا و أوسع حِكْمَة و أحسن خلقا و أقوى سلطة و أكثر جاها ، و مهابة حتى و هي صامتة ! ، ما جعلها محل حسد و غيرة ، و حقد و طيرة … فحينما تتمكن الغيرة من الكلب فيهيم حسدا في الأسد فإنه لا محالة سيحترق بنار حسده لا لشيء سوى لأن النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله !!! .

و بينما الأسد في عرينه الأسود يزمزم ، هنالك حيث الوادي المنحدر تجتمع الذئاب و الكلاب و الأفاعي و العقارب و البوم تتسابق في مماحكة و لجاج بين من يطيح بالأسد و بين من يضاهي مكانه ؟! و لكن هيهات هيهات .. أما ترى الأسد تخشى و هي صامتة .. و الكلب يخسى لعمري و هو نباح ؟

٣/ الطيور على أشكالها تقع :

و بينما اختارت الأفاعي و العقارب في تطرف و إرهاب طريق الإلحاد بصفاقة و تبجج ، فإنه على الطرف الوسط هناك الذئاب و الكلاب قد اختارت ملة : ( و من الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمئن به و إن أصابته فتنة انقلب على وجهه ) ! ، لتداهن و تخاتل و تراوغ و توارب و تداري ، و تخفي كل شيء عن لاشيء ! . . و من فوقهم تطير كالعربيدة بومة سمراء ، عيونها حسد و بلاء ، تهوى عيش الغابات و الخرائب ، تتمتع بسمع قوي و رؤية حادة و فؤادها هواء ، كالجاسوس الجعسوس الذي تسلق الحيطان و لم ينل منها إلا الذل و الهوان ! .

لم تكن تلك الأفاعي ولا العقارب حقيقية ، فالأفعى أو العقرب مخلوق الرحمن تسبح له بالعشية و الأبكار ، إلا أن هؤلاء هم أفاعي و عقارب مصنعة و مؤدلجة و هجينة و ليست أصلية ، تماما كما هي باقي حيوانات هذه الغابة من كلاب و ذئاب و بوم ، هي مصنعة هجينة و ليست حقيقية ، تكاد أمخاخها تتشضى من فرط السوس الساكن فيها و الحطاط الخارج منها !

٤/ يا أرض اتهدي ما عليك قدي ! :

جاء أفعوان من هذه الأفاعي ، يدب على بطنه يكاد رأسه ينفلق من أثر الشيب ، جلس عند شجرة حنظل يستجم و يتشدق بثمرها ، و في الجهة المقابلة له من تلك الغابة الكثيفة تجلس مخلوقات أخرى و لكن آدمية ، صغيرة ، بريئة ، لا يفقهون من حياة الغابة تلك سوى مقولة ( قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا ) !

مقالات متعلقة بالموضوع

يجلس ذلك الأفعوان الأرعن يناظر يمينه و شماله في عجب و رياء ، يتفيهق في قبح ، ناثرا فحيحه بكرة و عشيا ، و يتقول بما لا ينفع ولا يدفع ، ضانا نفسه قد مسك بخطام العلم و المعرفة ، و هو الذي قد تمكن منه الحمق و التبجح المستطير تماما كما تمكن من بعض القطط الهجينة التي باتت ترى نفسها في المرآة أسدا !

من الناحية المحاذية له ، تترنح برأسها المتناثر شعره كالزغب ، عقرب رعناء يسمع طقطقة حافرها من طرف الغابة المقابل ! ، باثة سمها أينما حلت و فلت ، فما تمجه قريحتها من سفاسف ممجوجة يندرج كله تحت مسمى : إن لم تستح فاصنع ما شئت ! .

٥/ و الله خير الماكرين :

فبينما هما يعبثان بعقول و أجساد البراءة ، يدسون السم بالدسم و يمررون الفكر الماجن و الضال عبر أيادي العبث ، ينبعث من خلفهما صوت عواء يتخلله نباح ، إنها الذئاب العاوية تصارع الكلاب الضارية ، حرب قذرة خفية تحاك تحت غطاء : العلم نور و الجهل ظلام ! ، و ما بين الذئاب و الكلاب تتلجلج الأفاعي و العقارب في سوء خلق و همجية علمانية معلنة عن استفحال علم عميق اسمه : علم الأوباش هذه الكلاب التي لا تفعل شيئا سوى أنها تلهث ( كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث و إن تتركه يلهث ) ! ، ذات شخصية هلامية تقبل كل شيء ، هي مع الله و ضد الله ، هي مع الجزائر و ضد الجزائر ، هي مع فرنسا و ضد فرنسا ، هي مع نفسها و ضد نفسها ، هي مع البراءة و ضد البراءة ! ، هكذا هم قوم تبع ، إذا أحسن الناس أحسنوا و إذا هم أساءوا ، أساءوا و ضلوا و أضلوا ..

اجتمعت هذه الكلاب بمباركة الأفاعي و العقارب و تحت إشراف الذئاب للنيل من تلك المخلوقات الصغيرة البريئة ، النيل من شرفها و تدنيس براءتها ، مستغلة ضعف البراءة في المساومة على الشَّرَف مقابل النقط ! مستعملة إياها في تحقيق مآرب خفية و زجها في وجه المدفع لتحريك صراعاتها الدنيئة ..

٦/ نهاية علم الأوباش :

إلا أنه قد تبين لهذه المخلوقات الصغيرة أن غابة الأوباش الكبيرة فيها يضيع الشرف وتزدرى الاخلاق ، كما تطمع فيها الذئاب الشائبة في جسد الخرفان ، و تحلو الفراخ في عين الأفعوان ، و تشتهي العقارب المجعدة لدغ السمان ، و تروق للكلاب نهش الغزلان ..

هذه المخلوقات البريئة التي لطالما اعتقدت أن نباح الكلاب هو علم رنان ، و عواء الذئاب دعاء و سلوان ، و فحيح الأفاعي فكر فنان ، و صئي العقارب حكمة و أمان ! نهضت ذَات صبيحة لتجد أن الصورة التي انطبعت في الاذهان قد زالت بمفعول المطر الذي ملأ المكان بألوان المساحيق الملونة و المتنوعة ، و التي كانت تغطي و تزخرف وجوه الأوباش ..

لم تدم إقامة الطغام بالمملكة الغثة طويلا ، إذ تراجع حكم الذئاب و الكلاب ، و تهاوت سلطة الأفاعي و العقارب ، و أدركت تلك المخلوقات الصغيرة حقيقة غابة الاوباش فاتخذت لنفسها سبيلا بعيدا عنها ، حيث لا رفث ولا فسوق ، ذلك و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب .

-انتهى-

فيديو غابة الأوباش

أضف تعليقك هنا
د. لبنى لطيف

باحثة متخصصة في علم الإجتماع

شارك
مواضيع قصة

Recent Posts

مشاركة تلاميذ ثانوية المتنبي التأهيلية بإقليم آسفي في مباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة دورة 2024

بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد

% واحد منذ

أفكار أعمال صغيرة مربحة جداً وغير مكلفة

بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد

% واحد منذ

على من نطلق الرصاص؟

بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد

% واحد منذ

الكوارث تبرز أفضل وأسوأ ما في الناس

بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد

% واحد منذ

فن الشاطئ.. رؤية فنية بحس جمالي فني سياحي لمدينة أصيلة الشويخ عبدالسلام

بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

نقاء الروح

بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد

% واحد منذ