لكل منا عادات أصبح يمارسها دون تفكير مسبق, ومن عاداتي التي لا أعرف ما مدى اخلاقيتها , هي أن تغادرني أذني لتسمع الحوارات التي بجانبي, وهي عادة أجد نفسي امارسها حينما أكون وحدي هائم في سكون جسدي وضجيج داخلي, وقد اعتبر “سيجموند فرويد” أن التلصلص من صفات البشر رغم مايبدوه من مقاومة لوقف هذا السلوك لكنهم يجدون أنفسهم في تنياه كلما سنحت الفرصة بذلك, ربما في الأمر متعة مضمرة.

زوجان كبيران في السن يجلسان في حافلة

خلفي مباشرة جلس زوجان كبيران في السن, الزوج يسأل زوجته هل هما في الحافلة الصح؟ مع وجود أخرى مشابهة على الجانب الايمن منا, وهل حقائبهما شحنت بهذه الحافلة أم زج بها في تلك؟ وهل علبة أدوية السكري والضغط موجودة معهما ولم ينسيانها؟ الزوجة تجيب على كل الأسئلة بهدوء غريب وكأنها ألفتها مر مرور الزمن و”العشرة”.

أسر لها أنه لم يتناول دواء السكري هذا الصباح  اكتفى فقط بحبة “الطانسييو”, عاتبته على ذلك وفي غفلة من الزمان ومن المكان ومنا نحن غازلها قائلا : ” ديال الطانسيو هي المهمة وحنا راه مدوزين شهر العسل…ما درنا فالصغر ندوروا فالكبر ما كاين غي الدار البيضاء مراكش..”, لم يكن مجال الرؤية يسمح لي باقتناص ابتسامة خمنت أنها رسمتها على وجها كما فعلت أنا بعد سماع هذه العبارات, فرغم أنها عبارات عادية بين زوجين لكن الجلباب الثقافي لا يكشف الألوان الزاهية الواقعة أسفله وإن حدث أن كشفها تكون زاهية أكثر من اللازم ومدعاة للابتسام.

أب وابن على شاطئ البحر

أب أربعيني يسترعي انتباه إبنه للبحر مسميا إياه له, الابن يتساءل عن إمكانية شربه وعدد ألوانه لكن السؤال المهم جاء على عجل: من الذي جعل البحر شديد الملوحة? طبعا السؤال يبحث عن فاعل محدد دون غيره جعل البحر بهذه الملوحة, فالطفل يعي أن إمكانية التعدد لن تعطي هذا التوافق على مستوى هذة الملوحة التي تشبعت بها مياه البحر, أنه سؤال السببية التي يؤرق العلم والعلماء لكن هذا الطفل طرحه في أبسط تجلياته وهو ما يعرف في هذا السياق بالعالم الساذج والذي قد ينتج ويكون معرفة ساذجة لتفسير الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه, لأن أي فرد كيفما كان لا يقبل أن تعرض المعطيات أمامه دون غاية اوسبب يجمعها لأن تفسير الواقع الاجتماعي جزء من عيشنا له في كل المراحل العمرية

لكن ما اسفت له هو جواب الأب فقد اكتفى بالقول: ” الله هو اللي خلقوا مالح…”, هو جواب يسد فراغ السؤال لكنه لا يجيب عنه, فعلا الله عز وجل خلقه مالح لكن تحث إي سيرورة تفاعلية واقيعة تم جعله مالح اجاج؟ لأن الأصل في الماء هو العذوبة, للأسف أنا شخصيا لا أعرف هذه السيرورة لكني على الأقل أعرف أنها موجودة وأعد نفسي أن أبحث عنها لكي لا أحرج يوما بنفس السؤال أمام طفل يحتاج إلى إجابات منطقية غير غيبية لأن الغيبي يستمد قوته من عظمة المنطقي الواقعي, كما أن الغيبي يتبط دينامية السؤال ويقتل الرغبة في المعرفة, فكل الأشياء تحصل بسبب فعل فاعل أخير لكن بين هذا الفاعل الأخير والحدث الحاصل أمامنا ماذا يحصل? أنها سيرورة طويلة تفرض علينا طرح السؤال لفهم الواقع ولو بشكل نسبي;

أصيب الطفل “بالحازوقة” مما أوقف سلسلة أسئلته الذكية الساذجة.

فيديو ابتسامة تلصص

أضف تعليقك هنا
عمر بوصبيعات

عمر بوصبيعات طالب باحث في علم النفس العصبي المعرفي

شارك
مواضيع تلصص

Recent Posts

مشاركة تلاميذ ثانوية المتنبي التأهيلية بإقليم آسفي في مباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة دورة 2024

بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد

% واحد منذ

أفكار أعمال صغيرة مربحة جداً وغير مكلفة

بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد

% واحد منذ

على من نطلق الرصاص؟

بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد

% واحد منذ

الكوارث تبرز أفضل وأسوأ ما في الناس

بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد

% واحد منذ

فن الشاطئ.. رؤية فنية بحس جمالي فني سياحي لمدينة أصيلة الشويخ عبدالسلام

بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

نقاء الروح

بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد

% واحد منذ