يقول بعض الناس : ما لنا وللرجوع إلى القرآن في ابتعاث هِمَم المسلمين إلى التعليم ؛ فإن النهضة لا ينبغي أن تكون دينية بل وطنية قومية كما هي نهضة أهل أوربة ، ونجيبهم أن المقصود هو النهضة سواء كانت وطنية أم دينية على شرط أن تتوطن بها النفوس على الخبّ في حلبة العلم . ولكننا نخشى إن جردناها من دعوة القرآن أن تفضي بنا إلى الإلحاد والإباحة ، وعبادة الأبدان ، واتباع الشهوات ، مما ضرره يفوت نفعه . فلا بد لنا من تربية علمية سائرة جنبًا إلى جنب مع تربية دينية ، وهل يظن الناس عندنا في المشرق أن نهضة من نهضات أوربة جرت بدون تربية دينية ؟!
أفلم يقل رئيس نُظار ألمانية في الرايستاغ منذ ثلاث سنوات : إن ثقافتنا مبنية على الدين المسيحي . وهذا هو إعلان ألمانية التي هي المثل الأعلى في العلم والصناعة وإتقان الآلات والأدوات ، لا ينازع في ذلك أحد ولا أعداؤها . أفتوجد جامعة في ألمانية أو إنكلترة أو غيرهما من هذه الممالك الراقية بدون أن يكون فيها علم اللاهوت المسيحي ؟
ثم إنهم عندما يقولون في أوربة : ( نهضة وطنية ) ، أو ( نهضة قومية ) أو (جامعة وطنية ) ، أو ( قومية ) – لا يكون مرادهم بالوطن : التراب والماء والشجر والحجر . ولا بالقوم : السلالة التي تتحدّر كلها من دم واحد ، وإنما الوطن والقوم عندهم لفظتان تدلان على وطن وأمة بما فيهما من جغرافية وتاريخ وثقافة وحرث وعقيدة ودين وخلق وعادة مجموعًا ذلك معًا ، وهذا الذي يناضلون عنه ، ويستبسلون كل هذا الاستبسال من أجله . خلاصة الجواب أن المسلمين ينهضون بمثل ما نهض به غيرهم : إن الواجب على المسلمين لينهضوا ويتقدموا ويعرجوا في مصاعد المجد ويترقوا كما ترقى غيرهم من الأمم – هو الجهاد بالمال والنفس الذي أمر به الله في قرآنه مرارًا عديدة وهو ما يسمونه اليوم ( بالتضحية ) . فلن يتم للمسلمين ولا لأمة من الأمم نجاح ولا رقي إلا بالتضحية . وربما كان الشيخ محمد بسيوني عمران أو غيره من السائلين عن رأينا في هذا الموضوع قد ظن أني سأجيبه أن مفتاح الرقي هو قراءة نظريات ( أينشتين ) في النسبية مثلاً ، أو درس أشعة ( رونتيجن ) وميكروبات ( باستور ) ، أو التعويل في اللاسلكي على التموجات الصغيرة دون الكبيرة ، أو درس اختراعات ( أديسون ) ، وأن سبب حادثة المِنطاد الإنكليزي الذي سقط أخيرًا واحترق – هو كونه لم يُنفخ بالهليوم وإنما نُفخ بالهيدروجين ، والحال أن الهيدروجين – وإن كان أخف في الوزن – قابل للاشتعال ، وأنه لا خوف من اشتعال الهليوم ، وإن كان أثقل شيئًا من الهيدروجين ، وما أشبه ذلك . والحقيقة أن هذه الأمور إنما هي فروع لا أصول ، وأنها نتائج لا مقدمات ، وأن ( التضحية ) أو الجهاد بالمال وبالنفس هو العلم الأعلى ، فإذا تعلمت الأمة هذا العلم وعملت به – دانت لها سائر العلوم ، ودنت جميع القطوف .
وليس بالضروري أن يكون صاحب الحاجة عالمًا بعملها حتى يكون عالمًا بالاحتياج إليها . قال لي مرة حكيم الشرق السيد جمال الدين الأفغاني : ( إن الوالد الشفيق يكون من أجهل الجهلاء ، فإذا مرض ابنه اختار له أحذق الأطباء ، وعلم أن هناك شيئًا نافعًا هو العلم ، لا يعلم هو شيئًا منه ، ولكنه يعلم – بسائق حرصه على حياة ابنه – أنه ضروري ) . ولم يكن محمد علي عالمًا وربما كان أميًّا ، ولكنه بعث مصر من العدم إلى الوجود في زمن قصير ، وصيَّرها في زمانه من الدول العظام بسائق هذا العلم الأعلى الذي هو الإرادة ، وهو الذي يبعث صاحبه إلى التفتيش عن العلوم ، وحمل الأمة عليها .
فالمسلمون يمكنهم – إذا أرادوا وجردوا العزائم وعملوا بما حرضهم عليه كتابهم – أن يبلغوا مبالغ الأوربيين والأمريكيين واليابانيين من العلم والارتقاء ، وأن يبقوا على إسلامهم كما بقي أولئك على أديانهم ، بل هم أولى بذلك وأحرى ؛ فإن أولئك رجال ونحن رجال ، وإنما الذي ينقصنا الأعمال ، وإنما الذي يضرنا هو
التشاؤم والاستخذاء وانقطاع الآمال . فلننفض غبار اليأس ولنقدم إلى الأمام ، ولنعلم أننا بالِغُو كل أمنية بالعمل والدأب والإقدام ، وتحقيق شروط الإيمان التي في القرآن : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ } ( العنكبوت : 69 ) .
فيديو شكيب أرسلان : ما أسباب انحطاط وضعف المسلمين ؟! (16/16)
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد