من شاهد “فيلم التايتانك” يعرف شخصية جاك، وكيف ضحى بنفسه في اللحظات الأخيرة لينقذ روز، والتي هي ايضاً حاولت أن تنقذه وهي تبحث عنه في متاهات السفينة العملاقة، في ذلك المشهد العاطفي تفاعل الكثيرون منا والبعض دمعت عيناه متأثراً بقصة عشيقين التقيا بالصدفة على ظهر سفينة، بينما البعض الآخر لم يستطع المقاومة وانفجر بالبكاء على جاك، وهناك من فكر بمشاعر روز وحزن من أجلها.
عاشقان مات أحدهما في فيلم لقصة قد تكون واقعية أو من نسج الخيال، مات جاك ونحن لا تربطنا به أية علاقة لا من قريب ولا من بعيد، ولكن إنسانيتنا وعواطفنا تجعلنا نتأثر ونبكي وندمع عند سماعنا أو مشاهدتنا لمثل هذه المواقف، وفقط قاسي القلب من لا يتأثر بمحن ومصاعب الاخرين، البكاء والنحيب ترجمان الحزن، كما أن الابتسام والضحك هو ترجمان الفرح.
فكيف بك أيها الباكي على جاك عندما تسمع بأبٍ يرفع ابنه الرضيع على يديه ويطلب من الناس الماء ليسقوه لأنه أوشك على الموت من العطش، ولأن أمه جف صدرها من الحليب، في يوم لاهب، وبين الرمال وتحت أشعة الشمس، ماذا تشعر حالياً وأنت تقرأ عن طفل رضيع في قماطه سيموت من العطش؟ يحتاج إلى ماء، والماء عند من يناديهم موجود بوفرة، حيث خلفهم مباشرة يجري الفرات دون توقف، هلّا تصورت هذا الرجل هو أنت، وطفله الرضيع هو ابنك، أو تصوره أخاك وهو يحمل ابنه، وأنت تنظر إليه عن كثب، هل ستبكي أم في قلبك حجر؟
بعد أن تصورت المشهد الذي أعجز عن إخراجه كما يفعل صناع الأفلام في هوليود، ارجع إلى المشهد مرة أخرى، وشاهد لمعان رقبة الطفل وقد حركت الريح قماطه ليظهر للعيان جلده الأبيض الرقيق، وهو لا يكاد يستطيع البكاء من العطش والإعياء، أيتها الأم تصوري المنظر وأنتِ تنظرين إلى طفلك على هذه الحالة، هل ستدمع عينيكِ أم ستبكين بحرقة وحزن؟
ابق على تصورك ولا تخرج من اللقطة، إن الناس في الطرف المقابل لهذا الرجل سيجيبونه ويلبون له الطلب، هل ما زلت في المشهد؟ لقد أرسلوا إلى الطفل سهماً بثلاثة رؤوس سقط في تلك الرقبة الرقيقة، ليقطع لحمه الطري، وتسيل دماؤه على يدي أبيه، وهو يقول “هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله تعالى“، لقد ذبحوه بدمٍ بارد، فهل كنت تتصور بأنهم سيرسلون إليه الماء؟ لقد أرسلوا إليه الموت بدلاً عنه.
هل تأثرت من هذا المنظر وهذا المشهد الدموي، تعال معي لنكمل ما حصل بعد ذلك، هل ما زالت صورة الطفل في مخيلتك؟ أعد التصور مرة أخرى، والآن تصور أن في تلك الارض كانت معركة وقد انتهت بمقتل ذلك الرجل والد الطفل الرضيع، وقد حزوا رأسه وحملوه على الرماح، ومعه رؤوس من قاتل إلى جانبه، هل ترى الرؤوس المرفوعة على أسنة الرماح؟ انظر إليها بتمعن، ستجد إحدى تلك الرؤوس رأس هذا الرضيع!
من كان يقاتل من؟ أبشرٌ كان يقاتل بشراً؟ أم بشرٌ كان يقاتل وحوشاً لا تعرف الرحمة؟ من يقتل طفلاً ويقطع رأسه ويحمله على عمود أمام أهله وأمه؟ أي الوحوش الضارية تفعل هذه الأفعال؟ وأي القلوب الإنسانية لا تبكي حزناً على هذا المصاب؟ أيتها العيون التي بكت على جاك هل ستبكين على هذا الطفل الرضيع؟ هل تخيلتم أنكم لو كنتم هناك ماذا ستفعلون؟ هل تصورتم لو أنكم تنظرون إلى رأس ابنكم يحمل أمامكم، هل البكاء والصراخ والنحيب سيكفي ليطفئ حزنكم؟
لقطة واحدة من واقعة الطف، أبطالها الحسين ابن علي عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وسيد شباب أهل الجنة، وابنه عبد الله الرضيع ذي الستة أشهر، وأمه الرباب، ووحوش في الطرف الآخر لا يعرفون الرحمة، لقطة واحدة فقط تجعل دموعنا تنزل رغماً عنا، فدماء آل رسول الله تسفك ولحومهم تفرى وحرمهم يهتك، وما جاء محمد صلى الله عليه واله وسلم الا رحمة للعالمين، فمن عاب علينا حزننا عليهم، فاسأل الباكين على جاك وعن إنسانيتهم وراجع نفسك قبل أن تتحول إلى وحش كتلك الوحوش التي تحتز رؤوس الأطفال، ولا يرق لها قلب ولا يرف لها جفن.
والحمد لله رب العالمين
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد