المرأة بين الحاضر والماضي- المرأة الكوردية أنموذجًا

بقلم: چيان ميراني

المرأة والمجتمع المتخلف

منذ نشوء المجتمعات في الأزمنة القديمة ومعرفة الإنسان مهامه وواجباته فلو تصفحنا صفحات التأريخ على عجالة لرأينا مكانة المرأة عند المجتمعات المتقدمة زمانيًا  فكانت نظرة المجتمع إلى المرأة نظرة دونية لا قيمة لها معدومة الحرية ولا هوية لها ولا رأي ولا شخصية مستقلة لها وتعامل كالعبيد فالمرأة عند الإغريق كانت المتاع تباع وتشترى في الأسواق مسلوبة الحقوق ومحتقرة ورجس من عمل الشيطان كما يظنون ! أما المرأة عند الرومان تعذب بسكب الزيت الحار على بدنها وتربط بالأعمدة وتجر بذيول الأحصنة حتى الموت وكانوا رافعين لشعار بأن المرأة ليس لها روح وكذلك المرأة عند الفرس لم تختلف عن الحضارتين السابقتين فهي تحت سطوة الرجل ويحكم عليها بالموت أو الحياة ولا رأي لها في المجتمع وكان الفرس يفضلون الرجال على النساء بسبب الحروب أما المرأة عند الهنود فهي أسوأ من الموت والجحيم والسم والأفاعي، والمرأة عند اليهود فهي خادمة و لا تختلف عن المجتمعات البدائية وتشترى من أبيها لأنها مملوكة له ويدفع المهر لأبيها أو أخيها .والمرأة عند المسيحيين كانت سبب الشرور والفواحش وانتشرها في المجتمع وحرّمت الكنيسة الطلاق مهما كانت العلاقة سيئة وسبب للتباغض ولم يكن لها أي دور في المجتمع أما مكانة المرأة عند العرب فهي عبارة عن متاع من الأمتعة وحالها محال البهائم ومهانة في المجتمع وهي سبب العار من وجهة نظرهم.

المرأة والإسلام

وعند مجيء الإسلام رفع من قدر المرأة وهي شريكة الرجل في تحمل المسؤولية تجاه الأسرة والمجتمع.
وبعد التقاء الحضارات وامتزاجها تغير دور المرأةفي المجتمع وكانت هناك نقطة التقاء ما بين الطرفينفي المجتمع وتوزيع الأدوار وتبادلها فالمرأة هي صانعة الجنس البشري ، ففي الحقب الماضية التي ذكرت فيما تقدم كان المجتمع عبارة عن مجموعة من الأعراف والطقوس والعادات يتم وضعه من قبل أصحاب النفوذ ويتم محاكمة المحكومين من قبل السيد أوالولي آنذاك وهذه التقاليد كانت تختلف باختلاف الظروف البيئية  والدينية والاجتماعية لكل منطقة ولكل حضارة وأمة من الأمم.

المرأة الكوردية والحياة

ويلفت الانتباه أنه لم يكن للمرأة دور كبير في مقتضيات الركائز الأساسية للحياة حيث تنظر لها كوسيلة لتحقيق وتنفيذ ما تطلب منها من قبل الآخرين وصلاحيتها لم تتجاوز سور المنزل وتفتقر للحقوق التي تتمتع بها غيرها وسادَت هذه الأنظمة بإسهاب في العصور المتعاقبة وليست المرأة الكوردية بعيدة عن تلك الأعراف والتقاليد التي كانت موجودة عند بعض الأمم إذ إن المرأة الكوردية حرمت قرونًا عديدة من حق التعلم والمعرفة لأنها كانت تعيش في مجتمع ذكوري قائم على تهميش دورها في كافة مجالات الحياة وبشكل خاص الثقافي والسياسي، على الرغم من أن للمرأة دورًا كبيرًا و فعالًا في تكوين المجتمعات المتقدمة حضاريًا و التي لا غنى عنها في غرس الرقي و التطور في أي مجتمع فلها مساهمة فعالة مع أخيها الرجل في وضع الاستراتيجية الهادفة التي على أساسها تنمو الأمم و البلدان، و نتيجة تلك الأعراف و لتأثير المجتمعات بعضها ببعض نقلت تلك الصفات غير المحبذة إلى المراة الكوردية.

دور المرأة الكورية في المجتمع

كان دورها ضئيل في المجتمع بحكم النظم الاستبدادية السائدة آنذاك و نالت ما يكفي من الظلم والجور والتميز والكراهية والعنف تحت حكم مايسمى بالعادات والتقاليد العشائرية والمجتمعية الاستبدادية و كان دورها يقتصر على تربية الأطفال و الاهتمام بشؤون المنزل و عدم إعطائها الحق للمشاركة في الجوانب الرئيسية للحياة وعدم الرضوخ لقراراتها وأفكارها حتى وإن كانت صائبة بحكم تولي زمام المبادرة تحت السلطاتالقمعية حينذاك، و مع مرور الأزمنة و تعاقب السنين إبان الحروب العالمية تغيرت هذه النظم والنظريات وتطورت وأصبحت المجتمعات تتجه نحو الديمقراطية وتكون للمرأة حقوق كما للرجل وهذا ما تكلل بالنجاح إذ إن المرأة الكوردية واكبت هذه التطورات والتغييرات التي طرأت على المجتمعات ودخلت معترك العلم والثقافة وبدأت بكسر حاجز الخوف وطورت دورها في المجتمع الذكوري التي كانت تعيش فيه والذي كان يقوم بتهميش دورها فإنها فاقت من نومها وسباتها وقامت بشق طريقها لتبين أنها الشريك الفاعل وتحاول تغيير نظرة المجتمع تجاهها وتثبت نفسها بنفسها في المجتمعونجحت في ذلك.

المرأة الكورية ووظيفة الدولة

كان أول امرأة كوردية تتعين بمنصب القاضي في منطقة الشرق الأوسط من العراق في عام1959 وتم تعيين امرأة كوردية في مجلس الوزراء المؤقت المكون من 25 عضوًا في العراق كوزيرة للبلديات والأشغال العامة في 2003 وضربت المرأة الكوردية مثالًا آخر في النجاح والتفوق بالوقت الحالي حيث بجهودها ومساهماتها الفعالة في شتى الجوانب في كافة الأنظمة ومؤسسات الدولة مما أدى إلى لفت أنظار المجتمع الدولي عليها وخير دليل على ذلك هو تسنم منصب رئيس برلمان إقليم كوردستان لامرأة كانت سابقة جديدة لاوجود لها في المنطقة فضلًا عن الكثير من المناصب السيادية وغير السيادية الأخرى في الكابينات الحكومية الكوردستانية وهذا ليس إلا ثمار النضال والمعاناة والويلات التي تعرضت في العصور المنصرمة الغابرة والحديثة من خلال ثورتي أيلول وگولان التي قاومت الظلم والطغيان من قبل الحكومات الشوفينية ، ويمكننا القول بأن المرأة الكوردية تطورت بتطور المجتمعات المتحضرة والمتقدمة فهي نصف الآخر للمجتمع  فالمرأة الكوردية تمتلك صفات فريدة من نوعها بسبب ما عانته ورأته من قسوة الحياة والظلم الواقع عليها ولهذا السبب خرجت المرأة الكوردية من رحم تلك المعاناة في خدمة مجتمعها الكوردستاني.

بقلم: چيان ميراني

أضف تعليقك هنا