منظر عجيب!

بقلم: عبد العزيز يوسف

ماذا يفعلون

ترى ماذا يفعلون؟! لماذا يتيهون هكذا؟ لم كل هذا الصخب والجلب؟؟… هناك رجلان… وهنا ثلاثة… وهؤلاء أربعة… وثمة خمسة…. يذهبون… ثم يرجعون.. قد غص بهم الميدان.. ترى ما الذي دهاهم؟.. هل اختبلت عقولهم!؟… ماذا حل بهم؟..      هل مات شخص، فحضروا للعزاء؟… ولكن أراهم يضحكون… ويل لهم… حرام عليهم أن لا يعظموا حرمة الميت…

العرب والأجانب

حين أن البعض أرى كأنهم يطوفون حول الكعبة… و الآخرون يسعون بين الصفا والمروة… فيهم عرب، ووالله لقد أخذت بلبي لغتهم الفصحى، وسحر عقلي ما انثال على شفاههم من الأسلوب الخلاب… وتعجبت! فللوهلة الأولى أراهم لا يتحدثون بالدارجة…. وفيهم الإنكليز، يا له من روعة البيان، تنساب الكلمات على أفواههم وتنهال الألفاظ على ألسنتهم ; كأنها بحيرات جرت من قلوب الصخور بمياهها العذبة الرقيقة والزلالة السائغة…

وفيهم الهنود يتكلمون بلغاتهم على تنوعها وتشعبها..  ولكن أين الكعبة والصفا والمروة؟!… وأين الإحرام وسبعة أشواط؟!

يا له من مشهد عجيب!

الطلاب وأعمالهم

قالوا: “إنهم الطلاب عمدوا الميدان لهضم الطعام بعد صلاة العشاء”.
عجبا! إنهم الطلاب؟ حقا؟ ألا يشبعون من التنزه طول العصر؟ ثم هل يشغل الهضم ثلاثين دقيقة؟ هل أكلوا خطبتهم المتوارثة “الوقت حياة فلا تقتلوه”؟! لا حول ولا قوة الا بالله…
وأين وجدوا الطعام؟ من أين أتوا به؟.. متى؟ كيف؟ إنهم قوم فقراء… مساكين… ليس عندهم شيء حتى يدفعوا ما طلبته الإدارة منهم… أو سرقوا؟نهبوا؟…لا بارك الله في سارقي أقوات الناس…
أو احتلوا هذه البقعة مستعمرين..
أم استأنف الله سبحانه وتعالى إنزال المن والسلوى من جديد!؟

أموال المسلمين

قالوا: “إنها صدقات وزكوات”.

آها! ((الآن يا عمر))… هكذا إذا ; يأكلون من صدقات الأمة وأموال المسلمين… ينامون وادعين… يطعمون سائغين… يشربون هانئين…ناعمي البال…في أهنأ حال.. كأنهم في الجنة ; قطوفها دانية ما عليهم إلا اقتطافها، مياهها جارية ما عليهم إلا اغترافها، فرش مرفوعة، وطلبات مقبولة.. كل شيء مجاني..بلا ثمن ولا عوض… ولكن هل نحن حقا نستحق أموال أمتنا؟…كيف نستسيغ لأنفسنا زكواتهم؟… الذين يكدحون وينصبون طوال النهار تحت وهج الشمس، وبعد كل هذا التعب الآيد لا يحصدون إلا قليلا من المال، وعلى الرغم من ذلك يتصدقون، وما يتصدقون والله إلا دمائهم وما يضحون إلا مهجهم.. ! هم متعطشون إلى أن نكون علماء كبارا ; نرشدهم إلى طريق الحق، يأملون فينا أن نكون سببا في نجاتهم من النار والفوز بالجنة، فيتصدقون لسوء أحوالنا المادية، والله لو أُمرنا أن ننوب عنهم في أعمالهم المضنية لخارت قوانا في بضع ساعات…ولكنا رهائن الفرش وأحلاس المستشفيات..

الفقر مع النعم

وبعد كل هذه النعم – التي تستعصي على العد والحصر – نشكو أشياء تافهة… نحن الخائنون إلى الغاية من الخيانة، نحن الكافرون بهذه النعم…. فلنترقب عذاب الله (ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)… نحن لا نأكل في بطوننا إلا النار…!! فأين الصلة؟ وأين الجزاء؟ هل في استطاعتنا أن نرد هذه الأموال الطائلة على هؤلاء المساكين؟ بل هل نستطيع أن نعيد مهجهم ودمائهم؟….. فإذا لن نتمكن من ذلك…. ألا نستطيع-على الأقل- أن نحقق أحلامهم وآمالهم؟!… أفبعد هذه المأساة نجرؤ على الرذائل والقبائح ونتدنس في حمأة الفسق والفجور؟!
(تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا)
والله إن ذلك لمنتهى العار والفضيحة… إن الحمير والكلاب لأحسن منا بكثير وكثير…. وإن جميع المخلوقات لبريئة عن هذه العيوب… كل خبيثة فينا لا تعرفها أصناف الحيوان ولو عرفت لتنزهت وترفعت عنها…

الصلاة والمال

نترك صلاة الوتر لأجل البطن (منبع الخبائث) – {وما فائدة أجسامنا إذا متنا الليلة ولم نغذي أرواحنا} – مع أن ركعة واحدة وحدها لمضمونة لنجاتنا من عذاب الله.. إن الله لسائلنا عن كل قطرة وعن كل حبة بل وعن كل ذرة نستفيد منها من هذه الأموال والصدقات… وإن نجونا من خزي الدنيا فخزي الآخرة محقق لا محالة! وأكبر شيء أننا ظلمنا على أرباب هذه الأموال…ويوم القيامة سنرد ظلامتهم.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : “أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة ، وصيام ، وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار”. (صحيح مسلم ٢٥٨١)
هذا غيض من فيض.. وإلا فثمة مآتم ومآس يستغرق بيانها مجلدا أو أكثر….وللعاقل تكفي الإشارة!

 

بقلم: عبد العزيز يوسف

أضف تعليقك هنا