على طريق النهضة… حالة اللامبالاة لدى الطلاب المراهقين… أسباب وحلول

بقلم: عبد العزيز جميل القطراوي

مما لاشك فيه أن نهضة الأمم عملية متكاملة ومتراكمة، وهي بحاجة إلى تخطيط، وإعداد، ودراسة لأهم العقبات من أجل العمل على تخطيها، والتي قد تقف حائلا دون الصعود إلى القمة، ولعل أبرز هذه العقبات هي ما تعانيه مدارسنا العربية اليوم من مشكلات تربوية جمة، وأخصص هنا مدارسنا الثانوية؛ حيث يمر الطلاب بفترة المراهقة، ومما يثير الانتباه هو أنه في ظل وجود البيئة التعليمية الجيدة، والطاقم التدريسي المؤهل علميا وتربويا، واستخدام مقبول للوسائل التعليمية، والأنشطة التربوية المنهجية واللامنهجية إلا أننا نلاحظ عدم اكتراث عدد كبير من الطلاب بكل ما يقدم إليهم… وليس أدل على ذلك انخفاض مستوى التحصيل العلمي لديهم، وعدم الالتزام بقوانين الانضباط المدرسي والإهمال في حل الواجبات الدراسية على قلتها… ترى ما السبب الحقيقي وراء ذلك؟

بعد التأمل والدراسة، وأخذ آراء العديد من العاملين في مجال التربية والتعليم من معلمين ومديرين يمكن لنا أن نضع أصبعنا على الجرح لنجيب بكل ثقة بأن السبب وراء هذا التراجع في المستوى العلمي وحتى التربوي لدى عدد كبير لا يستهان به من الطلاب المراهقين هو حالة اللامبالاة، وهذا ما تؤكده العديد من الأبحاث، والدراسات التي ترى في حالة اللامبالاة ومعها السلبية سببان رئيسيان ليس في التأخر الدراسي والمشكلات التربوية فحسب بل في تأخر المجتمعات.

حيث يرى العديد من التربويين أن حالة اللامبالاة هذه قد تتسبب بمآلات كارثية على الطلاب، ولعل أبرزها تدني مستوى التحصيل العلمي، وانتشار ظاهرة الغياب المتكرر، والتسرب المدرسي، وحالة من النكوص على الصعيد القيمي والأخلاقي… وصولا إلى أمور أخطر بكثير من ذلك.

لقد باتت هذه الحالة مؤرقة للإدارات المدرسية والمعلمين وكل ذي صلة بالعملية التعليمية، لذلك واستشعارا بخطورة هذه الحالة وما قد تسببه من آثار سلبية على الطالب والمدرسة والمجتمع كان هذا المقال .

بداية ماذا نقصد بحالة اللامبالاة؟

في الحقيقة هناك العديد من التعريفات لحالة اللامبالاة، حيث أن علماء النفس يعرفونها على أنها حالة نفسية تتَّصف بعدم التأثّر بالمواقف التي تثير الاهتمام، وفقدان الشعور، والانفعال بأمرٍ ما، وعدم أخذه بعين الاعتبار، وهي حالة وجدانية سلوكية، معناها أن يتصرف الشخص بلا اهتمام في شؤون حياته، أو حتى الأحداث العامة كالسياسة، وإن كان هذا في غير صالحه، مع عدم توفر الإرادة على الفعل، وعدم القدرة على الاهتمام بشأن النتائج.

لكننا ومن واقع الخبرة في المجال التربوي يمكن تعريفها بأنها حالة نفسية، تطرأ على الطالب المراهق مما تسبب له عدم الاهتمام بكل ما يعرض له في الحياة، وما يعنينا هنا ما يعرض في المدرسة، بالإضافة إلى عدم الاهتمام باتخاذ القرارات الصائبة، والتخطيط للمستقبل والعلاقات الأسرية والاجتماعية، ويمكن اعتبارها الوجه الآخر لليأس.

نلاحظ أن من يصاب بحالة اللامبالاة هو شخص لا يهتم بالنواحي الجسمية، أو العاطفية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو الدينية، وكذلك قد يبدي الكسل وعدم الحساسية، حيث يتصرف بلا اهتمام في شؤون حياته، أو حتى الأحداث العامة ولا أدل على ذلك ما نشاهده في مدارسنا الثانوية من الطلاب المراهقين الذين يبدون اللامبالاة مع عدم الاكتراث بكل شيء.

عند الحديث عن حالة اللامبالاة لا يمكن إغفال الجانب النفسي في هذا الموضوع، فهي حالة نفسية بامتياز بحاجة إلى التعامل معها بكل حذر، وباهتمام منقطع النظير، حيث يرى العديد من التربويين أنها عرَض من أعراض المراهقة التي يجب التعامل معها ومحاولة حلها أو التقليل من انعكاساتها حتى لا تلازم شخصية المراهق بصفة دائمة.

تظهر علامات اللامبالاة بطريقتين: في الحالة الأولى: اللامبالاة قادرة على الظهور لتكشف عن نفسها بأنها لا مبالاة بكل شيء حولها، أما في الحالة الثانية: لا تتدخل اللامبالاة في النشاط البشري، ولكن بشكل غير متوقع للجميع يمكن للشخص أن يموت، أوقد ينتحر، وهنا الخطورة فقد يدمر الشخص نفسه داخليا.

ترى ما أسباب اللامبالاة عند الطلاب المراهقين؟

يمكن لنا تصنيف أسباب إصابة الطلاب المراهقين بحالة اللامبالاة إلى نوعين من الأسباب:

الأولى: الأسباب الداخلية: وهي ما يتعلق بالمراهق نفسه (عضوية ونفسية).

والثانية: أسباب خارجية: وهي متداخلة مع بعضها حيث التأثير المتبادل على الطالب المراهق.

أما الأسباب الداخلية لحالة اللامبالاة عند المراهق منها الفيسيولوجية العضوية، حيث ترتبط بنقص بعض الفيتامينات وسوء التغذية، وهذا يسبب الخمول والإرهاق والكسل والتعب العام، وكذلك الإصابة بأمراض معينة  تسبب اللامبالاة عند الطالب المراهق.

ومن الأسباب الداخلية ما يتعلق بالجانب النفسي للمراهق، مثل التردد الذي يقع فيه الطالب المراهق إزاء الكثير من الأعمال، وإذا ما فشل فإنه يظهر نوعا من الحقد والكره للمجتمع وقلة الاهتمام بكل شيء، كذلك اعتماد المراهق في طفولته على والديه في كل شيء، دون تحمل أدنى درجة من المسؤولية، بمعنى آخر الاتكالية، والتي تمتد إلى سن المراهقة وما بعدها.

ومن الأسباب النفسية المسببة لحالة اللامبالاة ما قد يعانيه المراهق من شعور بالنقص بين أقرانه في المدرسة في حال كان مصاب بمرض عضوي، مما ينعكس بالسلب على سلوكياته واهتمامه ليس بالدراسة فحسب بل بالحياة ككل.

أما الأسباب الخارجية التي تؤثر على الطالب المراهق، فتسبب له حالة اللامبالاة منها ما يراه بعض التربويون في خضوع الطالب المراهق في طفولته إلى تسلط الوالدين أو أحدهما أو الأشقاء الأكبر منه سنا، وهو ما يخلق إما ردَّات فعل عنيفة من المراهق أو ردَّات انسحابية فتسبب له حالة اللامبالاة في جوانب متعددة ومنها الدراسية.

كذلك التفريق في المعاملة بين الإخوة، مما يجعل المراهق الذي يعتبر نفسه مظلوماً لا يبالي بآراء أهله، كذلك المراهق المدلل يعتبر أن أبويه سيهتمان بكل الأمور فلا داعي لأن يقلق بشأن أي شيء، وهذا يمكن ملاحظته من عدم اهتمام الطالب اللامبالي بالدراسة ولا بالمدرسة ولا حتى بقوانين الانضباط المدرسي.

ومن الأسباب الخارجية أيضا: مزاجية الوالدين في التعامل مع المراهق منذ الطفولة تجعله يرفض التجاوب مع أسلوبهما التربوي، ويصبح لامبالياً بآرائهما في مرحلة المراهقة بمعنى عدم الثبات في الأساليب التربوية، فيعاقَب الطفل بسبب سلوك معيّن لم يكن يتلقى الملاحظات بسببه في السابق مما يدفع بالطالب المراهق إلى عدم المبالاة في كل شيء وهذا ينعكس على سلوكه داخل المدرسة.

ومن الأسباب الخارجية عدم وجود الحوار بين الأهل والمراهق، ومنعه من طرح الأسئلة التي تشغل باله، وعدم مبالاة الأهل بالأشياء التي تقلق الطفل وتشغل تفكيره مما يجعله يقوم برد فعل عكسي تجاه آراء أبويه مما يتسبب في انعدام شخصيته قد تمتد إلى فترة المراهقة.

ونختم الأسباب الخارجية المسببة لحالة اللامبالاة ما تعانيه بعض المجتمعات العربية من ظروف سياسية غير مستقرة على صعيد الدولة مما ينعكس بالسلب على الطلاب بشكل عام ومنهم المراهقين حيث أن انسداد الأفق السياسي العام وحالة التفرق والتناحر والتنازع  والحروب في بعض الدولة تلقي بأثرها المدمر على الطلاب المراهقين حيث تدفع بهم إلى اتون الظلام والمجهول وانعدام الدافعية للتعليم مما يسبب حالة اللامبالاة لديهم بكل ما يحيط بهم وبالتحديد عدم مبالاة بكل ما يعرض عليهم.

مقترحات لحل مشكلة اللامبالاة عند الطلاب المراهقين

بعد استعراض أسباب اللامبالاة عند الطلاب المراهقين وتشخيص هذه الحالة، يمكننا أن نتساءل هل بالإمكان وضع مجموعة من الحلول العملية لا النظرية لحل مشكلة اللامبالاة عند الطلاب المراهقين؟

في الواقع يمكن أن نجيب بكل ثقة عن هذا السؤال بالإيجاب، حيث بالإمكان طرح العديد من الحلول، فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين برعوا في مهارة ما أو رياضة ما منذ طفولتهم تقل أعراض اللامبالاة لديهم، ويمرون من مرحلة المراهقة بشكل أكثر سلاسة من غيرهم، وهذا يتطلب منا توجيههم إلى ممارسة الهوايات وتشجيعهم نحو النجاح فيها وإثبات ذواتهم وتطوير إمكانياتهم منذ الطفولة مما يعزز روح الثقة بالنفس والروح الإيجابية المتفاعلة في مرحلة المراهقة.

كما ويرى الكثير من علماء النفس أن علاج اللامبالاة تبدأ بالتربية على تحمل المسؤوليات الصغيرة منذ الطفولة، ليعرف الطفل أنه مسؤول عن بعض الأمور التي تخصه، فيصل إلى مرحلة المراهقة حاملاً هذه الأفكار ومقتنعاً بها، وذلك من شأنه أن يخفف من ميل المراهق نحو اللامبالاة وقلة المسؤولية.

كذلك زرع الإيمان بالقدرات الذاتية لدى الطالب المراهق اللامبالي، حيث يقول علماء النفس أن “التقليل من القدرات يؤدي إلى الفشل ونشر الطاقة السلبية، واما الرغبة في الإنجاز والنجاح فتنبع من داخل الشخص نفسه، وإيمانه بقدراته”، ومن أكبر الأخطاء أن ينظر الشخص لنفسه بوصفه شخصاً غير مؤهل ذهنياً وجسدياً للعمل، فكل إنسان لديه جوانب إيجابية، فعلى الانسان التركيز عليها وعلى مميزاته، لذلك علينا العمل على ذلك حتى ينعكس بالإيجاب على الطالب.

كذلك تشجيع المراهق من قبل الأهل والمدرسة من خلال حثه على عدم التكاسل والانطلاق في الحياة فلديه من الطاقات الهائلة، و كذلك الحث على التفكير الإيجابي وليس السلبي الذي يقلل الإنتاجية والعمل والاهتمام بالدراسة ،أيضا عقد لقاءات توعية للأهل للتنبيه بضرورة الحوار مع المراهق، وبناء علاقات الصداقة بينهم وبين الأهل، وهذا هو المفتاح الأول لجعله يتجاوب مع والديه ويُظهر اهتماماً بآرائهما، وبالتالي يعيد إليه الاهتمام بأمور الدراسة والعلاقات العائلية والاجتماعية.

كذلك تشجيع المراهق على المشاركة في الأعمال الإنسانية التطوّعية، فذلك من شأنه أن يحرّك مشاعره وحسّه بالمسؤولية تجاه المجتمع ويدفعه للاهتمام بالآخرين، وهذا لن يكون إلا باضطلاع المدرسة بدورها في تنمية الأنشطة اللامنهجية الهادفة، والتي منها الأعمال التطوعية، والانشطة الثقافية، والرحلات الترفيهية المتنوعة، كذلك الابتعاد عن انتقاد المراهق والسخرية منه، بل مناقشته في سلوكياته وفي علاقاته المدرسية والاجتماعية، وذلك لأن الانتقاد اللاذع أو المقارنة مع الإخوة أو الأقران هي من العوامل التي تزيد الهوة بين المراهق ووالديه والمدرسة، ويفاقم من شعوره باللامبالاة بكل ما يحيط به.

أخيرا من الحلول المقترحة ابتعاد المدرسة بشكل مطلق عن العنف اللفظي أو الجسدي، وعدم اللجوء إليه مهما بدر من الطالب المراهق من عدم اهتمام وحالة لامبالاة داخل المدرسة؛ لأن هذا من شأنه أن يولد مزيدا من اللامبالاة وقد يخلق شخصا عدوانيا مما يتسبب بعواقب وخيمة.

خلاصة القول… إذا أردنا نهضة في العملية التعليمية والتربوية لا بل نهضة للأمة ككل لابد أن تتضافر كل الجهود من أجل وضع خطة تتشارك فيها مؤسسات الدولة من تعليم وإعلام وجامعات ومؤسسات مجتمع مدني والأسرة من خلال أولياء الأمور لعمل خطة عملية لتدارس حالة اللامبالاة التي يبديها الطلاب المراهقين بشكل موضوعي، والعمل على وضع الحلول الواقعية لها، لأنه إذا استطعنا أن نصنع الطالب الناجح المهتم فبالتأكيد سيكوِّن هذا الطالب أسرة ناجحة التي بدورها مع غيرها من الأسر ستشكل مجتمعا ناجحا متقدما الذي سيتكامل مع بقية المجتمعات لبناء الأمة المتقدمة وهكذا تتحقق نهضة الأمة التي نصبو إليها.

بقلم: عبد العزيز جميل القطراوي

 

أضف تعليقك هنا