القرآن الكريم

كتابتنا بحاجة إلى تأصيل

بقلم:

  • د.تسنيم مصطفى العالم
  • د. سامية ابريك أبو عمرة

ما زالت كتاباتنا يعتريها النقص، ما دام النموذج الغربي يفرض نفسه على نظامنا التربوي، ويحتل فيها مكاناً مميزاً مع تراجع النظام الإسلامي وتغيبه في مناهجنا، فتأصيلنا للعلوم يعتبر ضرورة ملحة لربط الأمة الإسلامية بجذورها الأصيلة المتمثلة في القراّن الكريم الذي هو دستورنا والسنة النبوية الصحيحة الشارحة والموضحة لكتاب الله.

ما المقصود بالتأصيل الإسلامي للعلوم؟

ويقصد بالتأصيل الإسلامي للعلوم: بأنه تأسيس العلوم على الأصول الإسلامية، والعودة إلى أصول الشريعة الإسلامية باعتبارها المنهج الرئيس والمعيار الأساسي الذي تستمد منه باقي العلوم أسسها ومبادئها ومنطلقاتها، أي توجيه العلوم وفقاُ للشريعة الإسلامية، وهذا لا يعني الانغلاق على مجتمعاتنا وعلومنا أو عدم الاستفادة من الحضارة الغربية، فنحن نسلم أن العلماء والمفكرين في العالم الغربي قد بذلوا جهودا كبيرة في استنباط النظريات العلمية والقواعد المتعلقة بالكثير من العلوم الإنسانية، ولكن ما نقصده هو ترك التبعية والاستسلام العاجز لكل الأفكار الغربية بشكل مطلق والاستفادة مما توصل إليه علماء الغرب من نتائج مادية تسهم في عمارة الأرض، والانتفاع من المنجزات الحضارية الحديثة، فالحكمة ضالة المسلم أنا وجدها فهو أولى الناس بها.

ما الهدف من التأصيل الإسلامي للعلوم؟

ولا نقصد بالتأصيل هنا هو تزين العلوم بإضافة اّيات قراّنية وأحاديث نبوية، وإنما نسعى للتفكر والتدبر في ديننا، بأن نوجد لجميع العلوم أصولا إسلامية، فالهدف من تأصيل العلوم هو جعل القراّن الكريم والسنة النبوية المصدر الحقيقي لكل المعارف والعلوم، وأن يكونا معياراً يبين مدى صلاح العلوم أو فسادها، والهدف الأسمى هو إيجاد عقلية مسلمة واعية ومجتهدة قادرة على مواجهة تحديات الحياة مستفيدة من التراث الإنساني مرتكزة في نهجها على الدين الإسلامي.

فالهدف من تأصيل العلوم هو جعل القراّن الكريم والسنة النبوية المصدر الحقيقي لكل المعارف والعلوم، وأن يكونا معياراً يبين مدى صلاح العلوم أو فسادها

وقد نجد اهتماما كثيرا من الباحثين والدارسين بإرجاع العلوم للفكر الغربي وكأنه الخيار الأمثل بل إن كثيرا منهم لا يعطي أهمية كبيرة للفكر الإسلامي، وهذا يجعلنا في أزمة حقيقية وفي غربة عن أصولنا الإسلامية؛ لذا نجد أن للتأصيل أهمية كبيرة في شعورنا بالاعتزاز بما في ديننا من قيم ومبادئ والشعور بالثروة المعرفية العظيمة التي يزخر بها ديننا في كافة العلوم والمجالات، والعمل على بناء عقليات إسلامية قادرة على التفكير والتحليل والربط والإبداع والتخلص من التبعية الفكرية الغربية والأفكار الوافدة.

نماذج عن العمل بالتأصيل الإسلامي 

ولا يقتصر التأصيل على الكتابات والأبحاث العلمية فقط وإنما أيضاً على الأفكار والمبادئ والأقوال، فخطيب الجمعة حين يخطب بالمصلين ويذكر أحداثاً وقصصاً من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ويستشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية فإنه يلاقي ترحيباً واستحساناً من المستمعين، والمعلم أو الأستاذ الجامعي حين يؤصل كلامه بآيات وأحاديث وقصص من السيرة النبوية فإن المتعلم ينجذب ويتفاعل مع ما يقول، ولا أخفي عليكم بأن قليلاً من أساتذتنا ما يقومون بهذا النوع من التأصيل، ولا ننسى دور أستاذ جامعي جليل كان ما إن تحدث بموضوع ما في قاعة المحاضرة إلا واستشهد بآيات وقصص من السيرة النبوية وامتلأ دفتر ملاحظاتنا بالعديد من هذه الأحاديث، وفكرنا جلياً بعمل مفكرة ونضع فيها جميع هذه الأقاويل لتكن مرجعاً لنا في المستقبل حينما نتحاور مع طلابنا أو زملائنا، فبمثل هذا النموذج نفتخر، ولا شك في أن هذا الأمر ظاهرة إيجابية تستحق الإشادة والترحيب، وتستحق التفاعل معها؛ فهي تعني الولاء للدين لدى المستمعين، وتعني الإيمان بشمولية الدين لجوانب الحياة.

ضرورة اتخاذ التأصيل الإسلامي منهجاً في كل المواقف 

وبأن الدين يقدِّم الحلول لمشكلاتهم، وبثقتهم بما يرتبط بالدين ويستند إليه، وهو يفرض على المهتمين بالشأن التربوي والنفسي العناية بتأصيل ما يقدمونه من آراء وأفكار وتجارب.

ولذلك نحن بحاجة للتأصيل الإسلامي فديننا الإسلامي يمتلك من الأسس والمبادئ والقيم العظيمة، التي يمكن أن تسهم في تطوير كافة المجالات، فعلينا أن نهتم بإعادة الأمة في جميع شؤونها وعلومها إلى الدين الإسلامي، كي نبرهن على خلود الرسالة الخاتمة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ونؤكد على شمولية وتكامل ديننا، وأنه منهج حياة.

وقد يستنكر الكثير تأصيل بعض العلوم، ويجد أننا كمن يغرد خارج السرب، وهذا الاستنكار يؤكد غياب الوعي بأهمية التأصيل للعلوم لدى الكثيرين ويستوجب من الجميع التعاون من أساتذة ومفكرين وباحثين ودارسين من أبناء المسلمين، ويستلزم السمو بالفكر وشحد الهمم والتخلص من التبعية الفكرية والغربة الثقافية التي تعترينا لترسيخ هويتنا الإسلامية.

وأخيراَ يجب أن يكون هناك أساس واضح موحد، ينبع من سياسة تعليمية ملزمة بهذا التوجه وأن لا يكون التأصيل الغربي القاعدة والتأصيل الإسلامي هو استثناء لهذه القاعدة، وهذا يؤكد إعداد الفرد المثقف الذي يجمع بالإضافة إلى تخصصه العلمي، خلفية ومعرفة بالعلوم الشرعية، مما يؤهله لعملية التأصيل وتكون مقوماُ لتنشئة الأجيال الصاعدة على مبادئ وقيم الإسلام وتعمل على توجيه سلوكهم في المستقبل.

المراجع:

  • جمال محمد علي فقيري، بحث بعنوان اتجاهات التأصيل التربوي، (2015م)، جامعة أريس الدولية، شبكة الهداية الإسلامية.
  • الخليفة، أمل (1434هـ). تصور مقترح لبناء معايير للتأصيل الإسلامي للعلوم التربوية وآليات تطبيقه في الجامعات الإسلامية، رسالة دكتوراه غير منشوره، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
  • العيسى، إبراهيم(1436هـ). واقع بحوث التأصيل والتوجيه الإسلامي للعلوم التربوية في جامعات المملكة العربية السعودية، مجلة العلوم التربوية، ع (7)، ص (16-67).
  • يالجن، مقداد (1416هـ). أساسيات التأصيل والتوجيه الإسلامي للعلوم والمعارف والفنون، دار عالـم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع – الرياض.

بقلم:

  • د.تسنيم مصطفى العالم
  • د. سامية ابريك أبو عمرة
أضف تعليقك هنا