تتحدث الأسطورة أنّ قصة حدثت في القرن الثالث الميلادي، وبالتحديد في عصر الإمبراطورية الرومانية، حيث كان الإمبراطور كلوديوس الثاني هو الحاكم للإمبراطورية
وكان يواجه الإمبراطورية في تلك الفترة تحدّيان هما: انتشار مرض الطاعون و تعرّض الامبراطوية لهجمات القوط، وقد كان لنقص عدد الجنود في ظل الحروب القائمة على القوط أثر بالغ في التغلب عليهم، فكان على الإمبراطور إيجاد حل لنقص الجنود، فكان الحل الأمثل بأن جعل للامبراطور قانونا يمنع زواج الجنود وكان يعتبر من يرفضها عدواً للدولة.
كان القديس فالنتين وهو محور قصة عيد الحب أحد القديسين المسيحيين، كرّس حياته لنشر المسيحية بين الناس وهو ما أدى بالنهاية لقتله على يد الإمبراطور كلوديوس كما ذكرت المراجع التاريخية لأنه لم يقبل مناقشة الإمبراطور في الآهة الرومانية وأصر على مسيحيته والابتعاد عن الوثنية. لم يرض القديس فالنتين بقرار الإمبراطور بمنع زواج الجنود، ولهذا فقد زوجهم سراً بعيداً عن أعين الحكومة حتى تم اكتشاف أمره، ثمّ سُجِن بعد ذلك و الحكم عليه بالإعدام.
من ضمن ما يمكن استنتاجه من خلال هذه القصة الرائعة و بعيداً عن الطرح الرومانسي الذي تقدمه نستبين أن الزواج و بالرغم من أهميته داخل المجتمعات البشرية عموماً و المجتمعات الدينية على وجه الخصوص كالمجتمع الروماني و الذي كان يحتوي في تركيبته على جماعات مسيحية تضفي على فعل الزواج طابعاً قدسياً
حيث تضع له الكنيسة شروطاً صارمة إلا أن كل ذلك لم يمنع السلطة السياسية للإمبراطور من إسقاط مطرقتها على حق الجنون في ممارسة الزواج، و بعيدا على المقارنة الواهية بين الأسباب الظرفية التي دفعت الإمبراطور لإصدار قانونه و الأهمية النفسية و الاجتماعية لمؤسسة الزواج فإن هذا المقال ينطلق من هذه القصة باحثاً في مدى محافظة الزواج عن طبيعته كفعل شخصي ثنائي ناتج عن إرادة حرة.
عرف الإنسان فعل الزواج و نظام الأسرة منذ نشأته الأولى إذ خاطب الله تعالى نبيه ادم أبو البشر عليه الصلاة والسلام قائلا (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) (البقرة:35) فقد خلق الله ادم و خلق له من نفسه زوجة و اسكنهما الجنة ثم أورثهما الأرض لتوضع اللبنة الأولى للمجتمع البشري، اذ شهد النبي ادم في حياته أربعمائة ألف نسمة من قومه -كما يذكر أهل التاريخ- و الشاهد من هذا الحديث أن فعل الزواج كان فطرة بشرية فرضها الله تعالى حين خلق من ادم زوجا له.
بعيدا عن اختلاف العلاقة الزوجية في شكلها عن ما هو سائد في عالم اليوم؛ إذ أن الزواج حينها كان أساسا بين الإخوة من أبناء آدم و كان زواجاً متعددا يرتبط فيه الرجل مع عدد كبير من النساء، فلا وجاهة من تنزيل محور هذا المقال و بحثه في مدى حرية الزواج في هذا العصر البدائي؛ فقد كان لأهل آدم عليه السلام وظيفة أساسية تعتبر جزءاً من نبوة والدهم و هي تعمير الأرض، لذلك فالرقم المقدم سابقاً عن عدة المجتمع الذي أدركه آدم في حياته يتوافق طردياً مع هذه المسؤولية، إذن فالحديث عن الزواج كرغبة حرة لا يتناسب إطلاقاً مع مجتمع على هذه الشاكلة محدود في عدده نشأ في بيئة تفوقه في حجمها فتغريه لاكتشافها.
في بحث جديد نشر في مجلة «نيتشركوميونيكاشنز» فكرة قيام علاقة تعتمد على امرأة واحدة طول العمر، أو ما نطلق عليه الزواج، هي علاقة وضعها الإنسان في القدم للحاجة لتجنب الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا، فقط لا غير و يعود البحث لتتبع السلسلة الكرونولوجية للتقدم البشري.
حيث انتقل المجتمع الإنسان مع اكتشاف الزراعة و تراجع الاعتماد على الصيد إلى مجتمع أكثر انتظاماً و تعلقاً بالأرض و بدأ النسيج المجتمعي الواحد -الذي وضعه آدم – يتفكك لمجتمعات متفرقة و بالعودة لقضية الزواج فإن ارتباط الرجل بعدد كبير من النساء أصبح يشكل سبباً واضحاً للانتقال السريع للأمراض، و حين أحس الإنسان منه المضرة تغيرت معايير الزواج نحو الارتباط بشخص واحد.
نحن الآن في إحدى أرياف انجلترا في القرن الثامن عشر هنا حيث يلتزم المجتمع المتحفظ بقيم الأجيال السابقة في حين تلعب قواعد البروتستانت الصارمة دوراً هاما في تشكيل الوعي الجمعي للعامة، ويلعب المصلحون البروتستانت دور الشرطة الأخلاقية و الدينية التي تمنع أي عبث بالقيم الأخلاقية و الدينية التي تتصورها.
و قد كان من أشكال هذا العبث الممنوع الاختلاط بين الجنسين و يجب الإشارة هنا أن مسؤولية هذه القوانين محملة في مجملها على النساء فقط، إذ تمنع المرأة من حضور التظاهرات و الاحتفالات العامة حتى لا تسقط جنس الذكور في الخطيئة الممنوعة، و إذا ما حدث ذلك فإنها المذنبة الوحيدة التي يقع عليها حد العقاب
في هذه البيئة الغريبة مثلت العائلة إحدى الركائز الاجتماعية بالغة الأهمية فهي تمثل وحدة المجتمع الاقتصادية و الأخلاقية و تلعب المرأة داخلها الدور الأبرز إذ هي القائم بأعباء الأسرة و التابع لزوجها و ” الوعاء الأضعف” حسب تعبير العهد الجديد، و يشرع للزوج ضربها و عقابها، إذا ما أحس منها بتقصير في ما يكله لها من مهام.
و بالرغم من هذا الركن القاصي الذي حشرت فيه الزوجة إلا أن احتمالات الفرار من تلك العلاقات محدود فقط بموت زوجها، إذ أن قطع العلاقة الزوجية التي باركتها الكنيسة لا يمكن إجراءه إلا إذا اتضح أمر يبطل شكله كاتضاح علاقة قرابة أخوية بين الزوجين و حينها تنتهي العلاقة الزوجية و تحرم المرأة من كل حقوقها المادية و يعتبر الأبناء غير شرعيين.
إذن فيمكننا استنتاج ان تدخل الكنيسة في عملية الزواج له بالغ الأثر في تحديد شكلها و نفي كل هوامش الفردية و الاختيارية و التي يقوم على أساسها مبدأ الحرية المنشود و يكفي إذا علمنا إن إجراءات الزواج كانت تفترض مباركة مباشرة من والدي العريسين .
طوال عصور التاريخ و في كل أصقاع العالم انحصر الوجود اليهودي في أحياء خاصة بهم تسمى “الجيتو” و هو شكل اجتماعي يتبناه اليهود يهدف إلى تكريس عزلتهم و تحميهم من الاختلاط بأجناس من ديانات أخرى، إذ أن الدين اليهودي دين منغلق لا يقبل الدعوة إليه.
و يزعم اليهود أن جنسهم ظل نقياً منذ عهد الأسباط و لذلك فان الزواج اليهودي يشترط وحدة الدين اليهودي لدى الزوجين و رغم نفي الانثربولوجيين لهذه المزاعم؛ إلا أن الزواج داخل هذا المجتمع شبه القبلي ضل حبيس هذه القواعد الصارمة.
إن كتابة هذا المقال انطلقت من نظرة تحليلية للواقع المحيط لذلك فان المقاربة التي سنطرحها في علاقة بالظروف الاقتصادية و الاجتماعية و مدى تأثيرها عن الزواج هي الأقرب لتوضيح الطرح المقدم آنفاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المجتمعات العربية و بعيداً عن ما يمكن أن تحيلنا إليه من تنام لظاهرة التفرقة الاجتماعية و التي تأثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة في العلاقات بين مختلف الأفراد.
إلا أن ظاهرة مستجدة أخرى أوغلت في تأثيرها على قيام الزيجات داخل المجتمع، فعصر الصورة هذا كما يصفه علماء الاجتماع ألقى بضلاله على عملية الزواج و التي فقدت ركائزها الأخلاقية القائمة على المشاعر العاطفية و مدى التفاهم و الاحترام لتحل مكانها مظاهر البهرجة و المغلات في إعداد حفلات الزواج
و قد دعمت هذه الظاهرة من خلال رواج مواقع التواصل الاجتماعي التي تحولت لمنصات للتفاخر و التنافس بين العائلات، وإن كانت الصعوبات الاجتماعية و الاقتصادية قد شكلت أزمة الزواج في هذا العصر فان هذه السلوكيات المتطرفة ساهمت في ترفيع سقف المتطلبات المادية للزواج إلى جانب إفراغه من ثوابته العاطفية و الأخلاقية.
عرضنا في هذا المقال دلائل واقعية ضمن سلسلة زمنية ممتدة من خلق آدم حتى العصر الراهن تتبين منها أن فعل الزواج و هنا يجب الإشارة أن المعنى المقدم للزواج هو ما تعرفه المعايير السائدة في ذلك المجتمع كعلاقة فعلية بين رجل و امرأة، الشاهد أن هذه العلاقة كما تبيينا هي نتاج إلزامات سلطوية خارجة عن إرادة ط”رفي العلاقة و التي على أساسها تقوم أو تنعدم العلاقة الزوجية.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد