أصبح العمل مع الشباب على أساس تخصصي، واحدًا من الاتجاهات الرئيسية التي بدأت تشُقُّ طريقها في غالبية البلدان والمجتمعات، والتي تستهدف صقل الشخصية الشبابية، وإكسابها المهارات، والخبرات العلمية والعملية، وتأهيلها التأهيل المطلوب لضمان تكيفها السليم مع المستجدات، وتدريب القادة الشباب في مختلف الميادين المجتمعية. مقال يتحدث عن توفير فرص العمل التطوعي للشباب الجامعي ويمكنك قراءة المزيد من المقالات التي تتناول قضايا مجتمعية من هنا.
ومما يلفت الانتباه ارتفاع نسبة الشباب في الأراضي الفلسطينية، إذ يُشكل الشباب في الفئة العمرية (15-29) سنة ما نسبته (30%) من إجمالي السكان ومن المتوقع أن تبقى هذه النسبة ثابتة خلال العقد القادم مع ازدياد الأعداد المطلقة لهم، إذ يتوقع أن يصل عدد الشباب إلى نحو (1.7) مليون شاب عام 2025 (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني).
ومما لا شك فيه أن المرحلة الجامعية من أهم المراحل التي يمر فيها الشاب، حيث تبدأ شخصيته بالتبلور، وتنضج معالم هذه الشخصية من خلال ما يكتسبه الفرد من مهارات ومعارف، ومن خلال النضج الجسماني والعقلي، والعلاقات الاجتماعية التي يستطيع الفرد صياغتها ضمن اختياره الحر، فالشباب هم الفئة الأكثر تعلمًا ولديهم الخبرات والمهارات التي لم تتح للأجيال السابقة خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصال وهم الأكثر تفاعلاً مع ثقافات العالم والأكثر قدرةً على الابتكار والإبداع والأكثر طموحًا وتطلعًا للمستقبل.
وهنا يبرز دورُ مؤسسات التعليم العالي؛ التي تسهم في بناء شخصية الشاب الجامعي حسب الرؤية التي تعتمد عليها في سياق السياسات العليا في كل دولة، حيث تقوم الوحدات المختصة في كل جامعة بوضع الآليات لتنفيذ الأهداف المحددة لها والمنبثقة من الأهداف العليا للجامعة، ويتم تنفيذها من خلال جملة من البرامج والأنشطة، من أجل دفع عجلة التعليم الجامعي نحو التميز، وبناء الشخصية القيادية الشبابية. فالحياة الجامعية هي حياة تجارب أساسية بالنسبة للشباب، وهي تحمل معها فرصًا مهمةً للنمو والتغيير، فعلى الطالب ومنذ التحاقه بالمؤسسة التعليمية وحتى تخرجه منها أن يحقق بعض المهام التي تبدأ ببناء استقلاليته الذاتية في عملية التحول من البيئة العائلية إلى البيئة الاجتماعية، كما أن عليه تكوين التزامه في الاتجاه التعليمي والعمل على بناء علاقاته الشخصية وما يصاحب هذه المرحلة من واجبات اجتماعية يلتزم بها الشباب الجامعي تجاه مجتمعه، مما يساعد على إيجاد القيادات الطلابية المنتمية لمجتمعها وقضاياه.
ويُعد العمل التطوعي من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي، وهو كظاهرة اجتماعية موجود في المجتمعات الإنسانية منذ خلقها الله، ولكنه يختلف في حجمه وشكله واتجاهاته ودوافعه من مجتمع لآخر ومن فترة زمنية لأخرى، فتبرز أهميته وتزداد الحاجة إليه كلما تقدمت المجتمعات وتعقدت العلاقات الاجتماعية فيها، ومن هذا المنطلق يُتوقع من مؤسسات التعليم العالي أن تقوم بدورها من أجل تقديم النصح والمشورة على أسس علمية، تسعى إلى التوظيف السوي والإيجابي لطاقات الطلبة من خلال تنفيذ برامج خاصة لإكسابهم مهارات حياتية معينة تعينهم على أداء مهامهم في الحياة بيسر وسهولة، وتصقل شخصياتهم القيادية.
ومن خلال تواصلنا مع جميع مؤسسات التعليم العالي بمحافظات غزة، يُمكننا القول بأن فلسفة العمل التطوعي لا زالت غير مترسخة لدى معظم مؤسسات التعليم العالي، إضافة إلى وجود ضعف أو انعدام في التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي في مجال المبادرات الشبابية والأنشطة التطوعية، فما هو موجود في مؤسساتنا التعليمية حتى الآن لا يعدو كونه بعض الجهود والخدمات التي تُبذل وتُقدّم بطريقة ينقُصها الكثير من التخطيط والتنظيم والإمكانات ولا تلقى الاهتمام والعناية أسوة بالخدمات الأخرى التي تُقدّم للطلبة.
في الوقت الذي باتت فيه المشاركة في الأعمال التطوعية -لما لها من دور فعال في عملية التنمية المجتمعية- دليلًا ومعيارًا لما يتمتع به المجتمع المعاصر من مدنية وتقدم ورقي في السلوك الحضاري لأفراده وفي السلوك الاجتماعي ككل، فضلاً عن دورها في بناء شخصية الطالب الجامعي وإكسابه العديد من المهارات القيادية والتي لا يحوزها الشباب إلا من خلال العمل. وهذا الواقع يُحتّم على القائمين على مؤسسات التعليم العالي بذل المزيد من الجهد، لتنمية وعي الشباب الجامعي بأهمية العمل التطوعي ودوره الريادي على مر العصور في بناء الفرد القائد، والتقدم المجتمعي.
وحتى تكون البداية في مجال إدراج مهمة تعزيز ثقافة العمل التطوعي لدى الشباب كمهمة أساسية من مهام مؤسساتنا الجامعية، فإنه لا بد من البدء ببرامج توعية من خلال النشرات، المحاضرات، والإعلام تبرز أهمية العمل التطوعي كواجب مجتمعي منتظر من الشباب فضلاً عن دوره في بناء الشخصية المتكاملة للشاب الجامعي، وكذلك ضرورة العمل على تبادل الخبرات في هذا المجال بين مؤسسات التعليم العالي فيما بينها من جهة ومع مؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى، تحت رعاية وتوجيه وزارة التربية والتعليم العالي وبتنسيق منها سعياً وأملاً في الوصول إلى علاقة تكاملية في هذه المجال هدفها الأساسي الارتقاء بالشباب الجامعي، والتي ستنعكس بالتأكيد على المجتمع بكافة أفراده.
مفهوم العمل التطوعي: يُعرّف بأنه: عمل غير ربحي، لا يُقدم نظير أجر معلوم، وهو عمل غير وظيفي/مهني، يقوم به الأفراد من أجل مساعدة وتنمية مستوى معيشة الآخرين، من جيرانهم أو المجتمعات البشرية بصفة مطلقة، ويُعرّف بأنه: كل جهد يبذله الإنسان سواء كان ذهنيًا أو بدنيًا بدون مقابل مادي وبدافع ذاتي من الفرد نفسه، ووفق المركز الفلسطيني للإرشاد فإن العمل التطوعي يُعرّف بأنه: عمل يقوم به فرد أو مجموعة من الأفراد من خلال تقديم قدراتهم وجهودهم ومواهبهم وأوقاتهم، بهدف تنمية مجتمعاتهم وتقديم المساعدة للآخرين بدون مقابل، ويعتبره بعضُ الباحثين مظهرًا من مظاهر الخدمة الاجتماعية التي تُمارس بشكل فردي أو جماعي لإشباع حاجات المجتمع والأفراد بإتباع الأساليب العلمية والقواعد التنظيمية الموجودة في الجهات المستفيدة وبدون أجر مادي وفي أوقات منتظمة إدراكًا من المتطوع بأنه واجب اجتماعي إنساني يؤكد على انتمائه للمجتمع، مبتغيًا الأجر من الله.
إنَّ العمل التطوعي في مجتمعنا الفلسطيني يستمدُّ جذورَه من تعاليم الإسلام الحنيف التي حضت على التوادِّ والتراحم، والتعاون والتَّكافل، والتناصر والتآزُرِ، والبذل والعطاءِ، والتي أُجْمِلَت وفصِّلَت في كثيرٍ من الآياتِ القرآنيةِ والأحاديث النبويَّة الشريفةِ.
ورد في السنَّة النبوية المطهَّرةِ كثيرٌ من التَّرغيب في السعيِ لقضاء حوائج النَّاسِ، فمِن ذلك:
يعتبر العمل التطوعي من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي, ويكتسب العمل الاجتماعي التطوعي أهميةً متزايدةً يومًا بعد يوم، وذلك لما له من دورٍ مهم في عملية التنمية إلى جانب ما يعنيه من قيم وروابط اجتماعية إيجابية، هذا إلى جانب أنه استثمارًا حقيقيًا لأوقات الفراغ لدى الشباب الجامعي، وتفعيل للطاقات الكامنة في أفراد المجتمع على اختلاف خلفياتهم، وهو إلى جانب ذلك أحد أهم أشكال التعاون والتفاعل والتعاضد بين أفراد المجتمع، بمعنى آخر هو طريق من طرق التواصل الاجتماعي والثقافي بين الأفراد والجماعات، وهو بذلك رسالة صريحة مفادها أنه قيمة اجتماعية إيجابية.
كما تكمن الأهمية الكبرى للعمل التطوعي في أنه يتيح المجال للشباب الجامعي للمشاركة في قضايا مجتمعهم، كما أنه يربط بين الجهود الحكومية والأهلية العاملة على تقدم المجتمع، كما أنه من خلال هذا العمل يمكن التأثير الإيجابي في الشباب، وتعليمهم طريقة للحياة قائمة على تحمل المسئولية الاجتماعية، ويؤدي العمل التطوعي إلى التقليل من أخطار العلل الاجتماعية والسلوك المنحرف داخل المجتمع، عن طريق انغماس الأفراد في القيام بأعمال من شأنها أن تشعرهم بأنهم مرغوب فيهم، ويضاف إلى ذلك أن هذه المشاركة التطوعية ستؤدي إلى تنمية قدرة المجتمع على مساعدة نفسه، عن طريق الجهود الذاتية التي يمارسها المتطوعون.
ختاماً .. فإننا نطمح أن تتضافر الجهود للوصول إلى واقع أفضل في توفير فرص العمل التطوعي والاهتمام به من قبل مؤسسات التعليم العالي والتفكير جديًا في توفير دوائر متخصصة لإدارة برامج العمل التطوعي أو إنشاء وحدة إدارية في كل مؤسسة تعليمية ووحدة مركزية في وزارة التربية والتعليم العالي تضع السياسات العامة وتنسق بين الدوائر المحلية في مؤسسات التعليم، سعيًا لتلبية ومواجهة متطلبات العصر بكل ما فيها من تحديات ليس فقط على الصعيد العلمي بل على الصعيد الحضاري والمجتمعي أيضًا، من خلال تعزيز المشاركة المجتمعية لدى الطلبة الجامعيين.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد