تربية النشء في مجتمع لا ديني

مشكلات وتحديات يواجهها المربون في تربية النشء 

في زمن العولمة والهيمنة التكنولوجيا قد يصعب على المرء تحديد طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، فهو يضرب في الأرض، ويمر على أقوام، ويرى مشاهد شتى، بل ويشارك ويخوض معارك جمة، ثم يعود إلى مقعده فيجده لازال دافئا! إنه زمن الخوارق حقا! أو قل زمن القطيعة أو الطفرة! نعم في الماضي القريب كان الطفل مثلا يخاف من (ببوع)، ويعتقد في أبيه أنه المخلص و(القادر على كل شيء)، حتى إذا حاول أن يعتدي عليه أحد يرد تلقائيا: سأقولها لبابا!! ،وهكذا يحمل في فكره البسيط أن الأب والأخ الأكبر والعم والجار.. قادرون على أن ينفعونه بشيء ولو بعد حين؛ ولهذا السبب تجده ينقاد لبعض توجيهاتهم، ويستحيي منهم ويعظمهم، لأنهم أصحاب الفضل في نظره. لكن اليوم، وفي ظل هذا الانفجار التكنولوجي، والانفتاح العولمي صار الصبي الصغير معلما لأمه وأبيه، وفصيلته التي تأويه! لذا تغيرت موازين الضبط والتحكم داخل الأسرة ثم المجتمع. إنها القطيعة الإبستمولوجيا -إن صح التعبير-، مع ماض ضعيف بسيط يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، إلى واقع جني يملك ويخترق كل شيء!! مقال يتحدث عن تربية النشء تربية سليمة ويمكنك قراءة المزيد من المفالات التي تتحدث عن إسلام من هنا.

استعانة الغرب بقيم المسلمين وأخلاقهم في تربية النشء

تعاليم الإسلام خير مرشد لتربية سليمة

في ظل هذه التحولات العميقة في الكون التي تسعى إلى هدم الإنسان في جوهره وطمس فطرته “فطرة الله التي فطر الناس عليها”، تطرح تحديات تربوية عميقة، ويزداد القلق على مستقبل الإنسانية جمعاء. وهذا التوجس يستوي فيه كل إنسان حر غيور على إنسانيته،وطبيعته الآدمية، بغض النظر عن هويته وعقيدته، فقد فاجأني يوما رجل سلطة في مرتبة عمدة المدينة في إحدى الدول الأوروبية، حينما اتصل برئيس المسجد يعرض عليه ويلح؛ لأجل المشاركة في إحدى الأنشطة المحلية قصد توعية الشباب بخطورة المخدرات التي أفقدتهم عقولهم وصحتهم وذهبت بمستقبلهم! قلت: انظر كيف يستنجد الغرب بقيم المسلمين تصريحا أو تلميح. نعم إنك لا تستطيع أن تتصور حجم معاناة الإنسان المعذب في الأرض، والتي يخفيها في ضميره استجابة لسلطة الأهواء، و تعايشا مع نداء الحرية الدوابية الذي يملأ العالم!

ولهذا شاء الغرب أم أبى، فإنه لن يجد حلا لمعضلاته الأخلاقية والنفسية إلا بالاستعانة بطبيب الوحي وصيدلية النبوة. وقد جرب هذا رجال منهم وهم كبار العلماء والأطباء النفسانيون الذين قرؤوا القرآن بعين التجرد والبحث عن الحقيقة، فلما أدركوا كنهه صاحوا بأعلى صوتهم من هنا الطريق، من هنا الطريق، واقرأ إن شئت للمفكر والفيلسوف الفرنسي رجاء جارودي بماذا يصرح في كتابه “الإسلام في الغرب”و “كيف نصنع المستقبل”، و أيضا الكاتب الألماني مراد هفمان في كتابه “رحلة إلى مكة المكرمة” و “الاسلام :البديل”، وغيرهم كثير، ثم إن هذه الصيحة التي بلغت الآفاق هي التي أقلقت بعض فراعنة الغرب حتى خرجوا على قومهم يبشرونهم بأن الإسلام في أزمة! ألا إنهم غرقى في وحل الحضارة القاسية -كما أكد ذلك الطبيب الفرنسي “أليكسي كاريل” في كتابه “الإنسان ذلك المجهول”، ولكنهم لا يشعرون.

التربية السليمة لا تكون إلا بالاعتقاد والإيمان القوي بالله

كنت قد إلتقيت بزميلة مسيحية (متدينة حتى النخاع) في إحدى الشركات الإسبانية، فلما عرفتني بأنني رجل مؤمن كلمتني في شأن الدين، والإيمان بوجود الله فانشرح صدرها، ثم أفصحت عن ارتياحها لكل إنسان يعتقد بوجود الله وله دين يستنير به في حياته، لكن مما أثار انتباهي هنا، كونها تخجل أن يعلم أحد بتدينها فيفتضح أمرها!! فقلت لعل هذا من مخلفات الحروب التي شنها الغرب على الدين والكنيسة منذ العصور الوسطى. وفي المقابل كان كل زملائنا داخل العمل يكنون لي كل الاحترام والتقدير، خصوصا لما علموا بأنني أنصرف كل يوم الجمعة قبل الوقت المحدد، لأن الناس ينتظرونني في المسجد لأقوم فيهم خطيبا ومذكرا بالله واليوم الآخر، وهذا ما جعلهم ينفتحون على أفكاري أكثر لإشباع فضولهم تجاه قضايا كثيرة تخص الإسلام والمسلمين.

إنها سلطة الإيمان يا صاح، والقناعة بأنك على الطريق الصحيح، فإذا تحقق لنا هذا لن يغلبنا أحد مهما حاول أن يزعزع ثقتنا بالله أو يثني عزمنا عن أداء واجبنا الإيماني. كانت هذه نافذة حاولنا أن نطل عبرها عن واقع مرير يحكمه منطق اللادينية، كيف نتجاوزه؟ وكيف نربي فيه أبناءنا؟ ويتعلمون ويعملون ويقترحون ويبنون، دون أن تجرح هويتهم الإيمانية.

السلوك لا يُهذَّب إلا بالتربية السليمة

فما العمل إذن؟ إنه لا يعدل سلوك الإنسان، والرفع من قيمته، سوى التربية ثم التربية ثم التربية.. ونقصد بالتربية تلك العملية التفاعلية الدؤوبة التي تركز على البناء المادي والمعنوي للإنسان، وفق أساليب ناجعة لتنمية القيم العلمية و الأخلاقية والروحية لديه، حتى يصير سويا ومتناغما مع الكون الذي خلقه الله لتسبيح “وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم”. فماذا تكون هذه الأساليب؟

أساليب الإسلام في تربية النشء 

قد تتعدد أساليب التربية ومناهج التعليم،لكن نأخذ منها أصح ما في الباب:

  • التربية بالقدوة: فلا صلاح للأبناء نرجوه إلا بصلاح الآباء.”أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب”؛ إنه استنكار فظيع على من ينشد الفضيلة ويدعو الناس إلى الخير وهو نكرة لا تتعرف! لأن من كان حاله هكذا فهو ينافق ولده في التربية ولا يرجى منه شيء!
  • التربية بالصحبة: كثير ما نسمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجلس مع الصبيان يلاعبهم ويواسيهم، أو يردف أحدهم خلفه على دابته ويناديه يا غلام إني أعلمك كلمات(…)، وهذه إشارات عملية نبوية قوية في التشجيع على حسن ملازمة الأبناء لتعليمهم وتقويم سلوكهم من دون استعمال أسلوب السيطرة والعنف .
  • التربية بالحب: لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أحب رجلا فليخبره، كما جاء في الحديث، ولعل في الإعلام والإخبار حكمة بالغة، فمن علم بحبك له إنقاد لك، واطمأن إليك، وأباح لك سره وخاطره، وفتح لك أقفال قلبه لتُدخل فيه ما تشاء وتُخرج منه ما تشاء، فما أجمل أن تملك مفاتيح فلذة كبدك!

وكذلك نقرأ في السنة المطهرة كيف يكون الحب والبوح به أسلوبا حكيما في التربية والتعليم؛ يُروى عن رسول الله أنه أَخَذَ بِيَدِ معاذ، وَقالَ: يَا مُعَاذُ واللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعاذُ لاَ تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادتِك”.

هذا ما يسمى في عصرنا “فن التواصل والحوار” فالرسول الكريم أستاذ المتواصلين والمتحابين، يعلمنا كيف نأخذ بيد أبنائنا ونطيب خاطرهم، ثم بعد ذلك نوصي وننصح. ومن الحب أن ينفتح الوالدان على ولدهما ليشاركه همومه النفسية، والاجتماعية، وحتى الجنسية- خصوصا في سن (المراهقة ) عندما تهجم على الشاب والشابة كل وساوس النفس والدنيا والشيطان- لكن كل ذلك مغلف بالحياء الذي لا يخل بالواجب ولا يفقد الهيبة اللازمة.

أساليب أخرى يمكن الاعتماد عليها في تربية النشء

كانت هذه إشارة سريعة لبعض الأساليب التربوية التي لا غنى عنها لتربية النشء في مجتمع لا ديني، وبعد هذا يأتي دور العمل التطوعي للجمعيات الدينية والثقافية والتربوية لاحتضان الطاقة الشبابية وترشيدها، عبر إيجاد فضاءات حرة للتعليم والتربية المكملة، وأيضا مخيمات عائلية تسعى للتعارف والتعاون، من خلال تبادل التجارب والخبرات الميدانية، ولعل مخيم واحد في السنة وبأنشطته الهادفة قد يحقق كل معاني التربية المنشودة.

وكذلك مما ينبغي الإشارة إليه في هذا الباب هو ربط الأبناء ب”أسرة روحية”، تسهر على حفظ دينهم وفطرتهم التي خلقوا عليها، وهذا الدور غالبا ما يكون منوطا بالمسجد حيث ولد العقل المسلم، وترعرع بين غصون الوحي وثمار النبوة. وقبل كل هذا وبعده يبقى عامل الدعاء عاملا قويا لتحقيق كل إنجاز يبدو مستحيلا. “والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما” الفرقان/74.

فيديو مقال تربية النشء في مجتمع لا ديني

أضف تعليقك هنا