حياتنا ليست أحلامنا بل خياراتنا

بقلم: سناء أبو شرار

حياتنا عبارة عن مجموعة من العلاقات، منها ما نختاره ومنها ما نُجبر على التعايش معها، العلاقات التي نُجبر على التعايش معها تبدو ابسط من العلاقات التي نختارها لأنها تعفينا من الاختيار ولا ننظر لها بمنظار النجاح أو الفشل لأن توقعاتنا تجاهها متدنية بحكم أنها مفروضة علينا؛ كما وحيث أنها ليست من اختيارنا فهي ليست مسؤوليتنا.

نتائج الاختيارات التي نختارها؟

العلاقات التي نختارها هي التي تشكل الجبل الوعر في مسيرة حياتنا، فهي اختيارنا، ثم مسؤوليتنا، تتم محاكمتنا في المجتمع بناء على هذا الاختيار، وهناك نتائج جادة جدا لهذه العلاقات ابسطها في الصداقة من حيث تأثير الآخرين علينا وأخطرها الزواج بحال وجود الأولاد في علاقة أعلنت فشلها وتنتظر إعلان افلاسها المعنوي أو المادي أو الاجتماعي أو جميع هذه النتائج معاً. وفي مجتمعنا العربي، حيث تأخذ المجاملة بل وربما النفاق الاجتماعي والعاطفي والمادي أبعاداً كبيرة، يكون اختيار ضحية لهذه السلسلة من عدم حقيقة الأشياء والمشاعر والكلمات.

الخَيارات السيئة والنتائج الأسوأ

لو كان الخيار السيء للعلاقات يقتصر أثره على طرفي العلاقة فلربما لن تكون هناك حاجة للحديث عن الخيارات الخاطئة في الحياة؛ ولكننا في مجتمع لم يعد مغلقاً، وفقد الاحتضان للمشاكل بحيث نجد المشاكل مبعثرة في جميع الاتجاهات، ولم يعد هناك حتى تحفظ عن الحديث عن مشاكلنا الخاصة؛ وهناك آثار كبيرة على الأطفال وعلى النسيج الاجتماعي الذي يكاد يصبح هشاً بسبب الخيارات السيئة والنتائج الأسوء.

هل يمكننا تصحيح الخطأ بعد الاختيار السيئ؟

فلماذا يقوم أي منا باختيار علاقة ما ويتضح فيما بعد أنه كان مخطئاً في اختياره؟ ثم ما هو الخيار التالي للخيار الأول السيء: هل التخلص من هذه العلاقة بأي ثمن أو الصبر خصوصاً إذا كان يوجد أولاد أو ارتباطات مادية أو حتى قروض وسكن والتزامات أخرى؟وهل الخيار الأول السيء يتبعه دائماً سلسلة من الخيارات السيئة؟ وهل لدينا البنية النفسية والثقافية الصلبة التي تتيح لنا التوقف والتفكير بحكمة بدايةً بالاعتراف بالخطأ ومن ثم تصحيح الخطأ والسير من جديد ببداية سليمة وصحية؟

وأخيراً، هل قراراتنا الفردية تؤثر على المجتمع أم أننا جزر متباعدة في المجتمع وما نفعله لا يؤثر على من حولنا وعلى النسيج النفسي والمعنوي والمادي للمجتمع؟

للإجابة على هذه التساؤلات لابد من العودة إلى بداية خياراتنا الجيد منها أو السيء. ولا يعني ذلك الخيارات في الزواج فقط بل في علاقاتنا مع الأصدقاء علاقاتنا في العمل علاقاتنا في الحي الذي نعيش فيه؛ فنحن نعيش في نسيج عنكبوتي متشعب ومتسع ولكنه مرتبط ببعضه البعض. بل إن الخيار الجيد للعلاقات هو أساس لا يُستغنى عنه حتى في العلاقات الدولية سواء السياسية أو المادية.

ما هي أسباب فشل العلاقات؟

أحد أهم أسباب فشل العلاقات هو التفكير السطحي، وعدم محاولة الحصول على المعرفة الكافية بمن نقابل أو بالأحرى بمن نفكر بأنه يمكن أن يكون له مكان ما في حياتنا؛ فكثيرا ما نقول: ” لم أكن أدرك أنه كذلك…

كيف كان لي أن أعرف بأنه انسان سيء لهذه الصورة…أنا بحالة صدمة، فأنا لم أعد أعرفها” كل هذه المصطلحات والجمل تأتي دفعة واحدة حين تفشل العلاقة ونتجنب بأي صورة من الصور مواجهة الذات بأنه كنا نشعر بأنه هناك شيء ما غريب أو غير مريح ولكننا تجاهلنا ذلك الشعور مع انجرافنا نحو مشاعرنا أو مصالحنا أو أوهامنا.

كيف يمكننا معرفة الشخص الذي أمامنا؟

الحقيقة أننا لسنا صناديق مغلقة، ولسنا ألغاز لا يمكن حلها، لكل منا صندوق صغير يخفي به ذاته الدفينة، ولكن هذا الصندوق له فتحات كبيرة أو صغيرة، له رائحة ولون وحيز في الوجود، وهذا الصندوق الصغير لا يحتاج للحديث لنفهم ما بداخله فهو يتحدث عن ذاته دون كلمات، ولكن لابد لنا من إصغاء السمع، ولابد من المراقبة ولابد من التجرد عن المشاعر لنستطيع فك رموز هذا الصندوق.

يمكن لأي منا أن يكتشف 50% من شخصية الانسان الذي أمامه منذ اللقاء الأول، فكل ما في ملامح الوجه وحركات الجسد وشكله وتعابيره وملابس الشخص وأسلوبه في الحديث كل ذلك يشكل البوابة الأولى لمعرفة ماذا يوجد خلف الباب؛ ما بعد اللقاء الأول هو التجميع البطيء لما تبقى من شخصيته.

صفات الإنسان وعلاقته مع الآخرين

وحتى لو انبهرنا بشخصية ذلك الانسان منذ اللقاء الأول فتبقى صفاته الإنسانية الدفينة هي التي ستحكم طبيعة العلاقة معه. فهناك شخصيات مريضة، معقدة، أنانية، نرجسية، بخيلة، استغلالية، عنيفة، جافة ومادية

كل هذه الصفات الدفينة لا تصلح لأن تُنشئ علاقة سوية وطبيعية أو سعيدة إنها شخصيات مدمرة لمن حولها وليست لديها القدرة على بناء أسرة متماسكة أو حتى صداقة طويلة الأمد. ولكن هذه الشخصيات لا تعترف لمن حولها بأنها كذلك بل تُخبئ هذه الصفات في مكان دفين في صدرها وسلوكها، لأنها تدرك بأنه بمجرد أن يكتشف الطرف الآخر هذه الصفات لن تستمر العلاقة؛

لذا نجدها من أشد الشخصيات مداهنة ودهاء وتمثيل ورغم كل دهاءها إلا أنه هناك تصرفات وسلوكيات تفضحها رغما عنها؛ ولكن هناك الانبهار والحب والاندفاع نحو الزواج وهذا يحجب البصيرة الثاقبة، وبالتالي يتم الزواج وبعد فترة قصيرة أو طويلة تظهر جميع تلك الصفات السلبية دون تمثيل أو مداهنة، ويبدأ حصاد النتائج المرير من إحباط وفشل وأطفال تعساء وحياة زوجية فاشلة وعدم القدرة على الإفلات من مصيدة الوهم.

هل نحكم على الشخص من خلال أفعاله أم أقواله؟

حين نحكم على من حولنا لابد من التنبه ليس إلى الأقوال بل إلى الأفعال، هذه الواقعية في الحكم على من حولنا وعلى من نقابل نشعر أنه يمكن أن يكون له مكان في حياتنا تجنبنا الكثير من المآسي المعنوية والعاطفية والمادية؛ نعلم جميعاً بأن هناك الكثير من الكذب والتمثيل والتلون وأننا وبأحيان كثيرة نريد أن نصدق الأكاذيب لأنها تمنحنا سعادة نعتقد بأنها ستدوم لأننا فضلنا تصديق الوهم، اخترانا شراء سعادة بثمن بخس ولم نستطيع انتظار سعادة بقيمة عالية لا يستطيع أي عابر سبيل منحها لنا. فهل يعترف كل منا لنفسه متى اختار سعادة رخيصة الثمن فقط مقابل بضع كلمات ليست سوى أكاذيب واحتيال عاطفي ونفسي؟

ثم نتفاجيء بالنتائج الكارثية، الخيانة، الطلاق، النصب والاحتيال، تحطم القلوب وسرقة الأموال، كل ذلك لأجل سعادة زهيدة الثمن نستمتع بها لأيام، لشهور ثم ينقشع ضباب الوهم وندرك بأن ثمن السعادة المؤقتة باهظ وأننا اخترنا تصديق المظاهر والأكاذيب لأجل شيء من سعادة وهمية.

الشعور بالمسؤولية

الشعور بالمسؤولية لا يصلح أن يكون فردياً، بل لابد من الشعور الجماعي بالمسؤولية، بدراسة العلاقات، التمعن في القرارات، عدم الاندفاع في الشعور، وعدم سطحية القرارات. فالخيانة والغضب، الحزن والصدمات ثم الأمراض وكذلك الإفلاس والتفكك الأسري كل هذه المشاعر والمظاهر ليست سوى نتيجة القرارات الخاطئة وغير المدروسة.

حتى في المعادلات الكيميائية، الخطأ في تركيب العناصر قد يؤدي لكارثة؛ ونحن نخطئ في تركيب العناصر البشرية لأننا نتجاهل الحقائق، ونُبدع في التمثيل، ونريد من الآخر الصورة التي رسمناها له وليست صورته الحقيقية ونريد حفلات زفاف باهظة وأثاث فاخر وننسى أن الزواج السعيد والعلاقات المتوازنة لا يمكن شراءها في المحلات التجارية ولا الاستمتاع بمشاهدتها على خشبات المسارح.

إيجابيات العلاقات الحقيقية

العلاقات المتوازنة حقيقية عقلانية شفافة، تحترم مساحة الآخر ولا تقايض الآخر بالمال؛ العلاقات المتوازنة نتاج لشخصيات متوازنة ولا يُشترط بها مستويات عالية من الثقافة أو التعليم بل مستويات عالية من العطف والعطاء والمحبة والتضحية ومراعاة الشعور والرضى بما قدره الله تعالى والشكر والعرفان.

بقلم: سناء أبو شرار

أضف تعليقك هنا