بقلم: رجاء صلاح صندوقة

مقال بعنوان: ماهيّة التفكير السابر
باحثة بدرجة الدكتوراة
قسم المناهج وطرق التدريس، كلية التربية
الجامعة الإسلامية – غزة، فلسطين

يُقال لهذا النوع من التفكير “الأسئلة السابرة”، كما أنَّ التفكير السابر هو أحد أنماط التفكير الذي ارتبط بالاتجاه المعرفي، وهو التفكير الذي يعتمد على مفاهيم البنية المعرفية والتمثيلات المعرفية، وقد افترض الاتجاه المعرفي أنَّ البنية المعرفية هي التي تتطور بفعل التفاعل بين الطلبة، وما يُواجهونه وليس ما يُلقن لهم، ويتحدد مُستوى التفكير للطالب وفق المرحلة التي يمُر بها، وعليه؛ حتى يتمكن المعلم من تحديد الخبرة المُناسبة لمستوى تفكير المُتعلم لا بُدَّ من الكشف عن المستوى النمائي التطوري الذي يمر به الطالب، كما يختلف التفكير السابر عن التفكير البسيط، فكلاهما يُوظف المادة ذاتها ولكنهما يختلفان في مستوى العمليات المستخدمة؛ كالفرق بين الأثاث التوصية، حيث إنهما يستخدمان مادة الخشب نفسها، ولكن الاختلاف يعود إلى مستوى العمليات وطبيعتها، والزمن المستغرق الذي ينقضي في صناعة الأثاث، فالتفكير السابر يتطلب عمليات ذهنية معقدة وراقية كالانتباه، فالإدراك فالتنظيم، فاستدعاء الخبرات المخزونة، فربط الخبرات الجديدة بالخبرات القديمة، وإضافة الطابع الشخصي لها، وإدماجها وخزنها واسترجاعها (غانم، 2004م، ص234).

تُؤكد الباحثة أنَّ مُستوى التفكير السابر أرقى من مُستوى التفكير الساذج، ويعود السبب إلى العمليات الذهنية، والزمن المنقضي في التفاعل مع المهمة، فكلما زادت العمليات الذهنية الموظفة وارتقت في مستواها كلما زاد الزمن المنقضي في التفاعل معها، ويرتقي بالخبرة الفجّة غير الناضجة إلى خبرة منظمة مدونة يسيطر عليها الطالب.

السّبر لغةً: “سَبَرَ بمَعنى خَبَرَ أو حَزَرَ، والْسّبر: الْتَجْرِبَةُ، وسَبَرَ الْشَّيء سَبْرًا حَزَرَهُ وَخَبَرَهُ، وَأسْبَرَ لَيْ مَاْ عِنْدَهُ؛ أي: أعْلَمَهُ. والسّبرُ مَصْدَر سَبَرَ الْجُرحَ يَسْبِرُهُ سَبْرًا، وَقَاْسَهُ لِيعْرَفَ غَورَهُ، ومَسبرُتُهُ نهايَتُه” (ابن منظور، 2005م، 7/108).

الأسئلة السّابرة اصطلاحًا: عُرفت بأنها: “سلسلة من الأسئلة تعقب إجابة الطالب الأولية، لكون الإجابة سطحية أو غير صحيحة أو تحتاج إلى توضيح أو تأكيد أو تركيز، وتؤدي هذه الأسئلة إلى توليد المزيد من المعلومات أو لتوضيح بعضها أو التركيز على البعض الآخر أو إرجاع المناقشة إلى الطلبة عامة في حجرة الصف” (الخليلي وآخرون، 1996م، ص257).

مقالات متعلقة بالموضوع

عرّفها الهويدي (2005م، ص128) بأنها: “سؤال أو سلسلة من الأسئلة تطرح على الطالب الذي يعطي إجابة بسيطة في البداية، تهدف إلى التعرف والتأكد من أنَّ الطالب يعرف الإجابة الصحيحة”.

القواعد التي ينبغي اتباعها أثناء الأسئلة السابرة:

حتى تتحقق الأهداف التربوية المنشودة من استخدام الحوار في الصف الدراسي، يجب على المعلم الانتباه إلى ما يلي (الحصري؛ والعنيزي، 2000م، ص140-141):

  • إعطاء الطالب وقتًا كافيًا للتبصر في إجابته الأولى؛ بهدف محاولة تصحيحها أو تحسينها عقب طرح سؤال سابر عليه، يمكن الانتظار خمس ثوانٍ بعد طرح السؤال حتى توفر للطالب الفرصة لأنْ يُعطي إجابة مبنية على الاسترجاع (التذكر)، والتحليل، والتركيب.
  • تزويد الطالب بتغذية راجعة فورية، وقد تكون هذه التغذية الراجعة لفظية باستخدام عبارات الاستحسان أو عدم الإقناع، وقد تكون إشارية باستخدام الإيماءات بالرأس أو اليدين، ولكنها ذات دلالة واضحة.
  • الرضا بالتقدم البطيء الذي يحرزه الطلبة في الإجابة عن هذا النوع من الأسئلة، وخاصة فيما يتعلق بالسبر المُباشر الذي يتم مع طالب واحد، بحيث يطلب من الطالب توضيحًا لإجابته، أو تقديم أسئلة عليها، وهذا يستدعي إعطاء وقت أطول للطلبة بطيئي التعلم، بحيث يسمح لهم بالتفكير في الإجابة، وتشجيعهم على التعامل مع هذه الأسئلة، فالإسراع في تحويل السؤال إلى طالب آخر يُشوه العلاقة الإنسانية بين المعلم وطلابه، ويزعزع ثقتهم بأنفسهم.
  • دعوة الطالب أو أكثر للتعليق على إجابة زميلهم عن السؤال السابر الذي وجهه إليه، وذلك حين تكون الإجابة بحاجة إلى تصحيح، أو تفتح الطريق باتجاه التعزيز أو الإثراء، وعلى المعلم تحاشي إحراج الطالب صاحب الإجابة الأولى، وألّا يسمح لزملائه بتجريحه.
  • تفهم إجابة الطالب وعدم رفضها رفضًا تعسفيًا، فلا يجوز أنْ تطلب من الطالب صياغة بديل للجواب الذي أعطاه أو تقديم شاهد أو أكثر، بينما لا يتطلب الأمر ذلك، فالسبر التعسفي يزعزع ثقة الطالب بنفسه، ويربك بقية زملائه ويهدر الوقت.
  • الحرص على عدم إرهاق الطالب بالسبر المتتابع، فطول الحوار مع طالب واحد قد يحرجه، إضافةً إلى ذلك قد يشعر الطلبة الآخرون بالملل ويتشتت انتباههم.

تصنف الأسئلة حسب نوعية السبر الذي تهدف إليه إلى خمسة أنواع (نبهان، 2008م، ص168-170):

  • الأسئلة السابرة التشجيعية: وهي سلسلة من الأسئلة التي يطرحها المعلم على الطالب نفسه عندما يعطي إجابة خاطئة عن سؤال أو لا يتمكن من الإجابة، وذلك من أجل تشجيعه وقيادته نحو الإجابة الصحيحة، من خلال هذه السلسلة المتتابعة والمتدرجة من الأسئلة، وتكون هذه الأسئلة بمكانة تلميحات أو إشارات تقود الطالب نحو الجواب الصحيح للسؤال الذي طُرح أولًا.
  • الأسئلة السابرة التركيزية: وفي هذا النوع من الأسئلة يطرح المُعلم سُؤالًا أو مجموعة من الأسئلة تركز على الطالب نفسه كرد فعل لإجابة صحيحة من أجل تأكيدها أو ربطها بموضوع آخر أو بدرس آخر، أو لربط جزئيات مختلفة للخروج بتعميم مشترك.
  • الأسئلة السابرة التوضيحية: وفي هذا النوع من السبر، يطرح المعلم سؤالًا أو مجموعة من الأسئلة على الطالب نفسه، وذلك بناءً على إجابة أولية غير تامة لسؤال سابق لتوضيح الجزء الصحيح من الإجابة، وتوجيه الطالب نحو الإجابة التامة بإضافة معلومات توضيحية جديدة للمعلومات الأولية.
  • الأسئلة السابرة التبريرية: في هذا النوع من الأسئلة يظهر السبر التبريري عندما يطرح المعلم سؤالًا ويعطي الطالب إجابة من نوع ما صحيحة كانت أم خاطئة، فيعقب المعلم لطرح سؤال على الطالب الذي أعطى الإجابة ليقدم مبررات لهذه الإجابة، وعندها يكتشف المعلم ما إذا كان لدى الطالب فهم خاطئ أو سليم يتصرف في ضوء ذلك الفهم الخاطئ أو تأكيد الفهم السليم بالمدح والثناء.
  • الأسئلة السابرة المحولة: وهي نمط من الأسئلة يحولها المعلم من طالب عجز عن تقديم إجابات لسؤال من سلسلة الأسئلة السابرة أيًا كان نوعها، إلى طالب آخر يستطيع تقديم الإجابة الصحيحة لهذا السؤال، وذلك دون اللجوء إلى تكرار طرح السؤال بصيغته العادية؛ بل عن طريق تحويله إلى طالب آخر.

فوائد الحوار الصفي باستخدام الأسئلة السابرة:

للحوار الصفي باستخدام الأسئلة السابرة فوائد عديدة، أهمها (الحصري؛ والعنيزي، 2000م، ص140):

  • تشرك المعلم المتعلم في عملية التعلم، فهو يفكر ويجيب عن الأسئلة التي يطرحها المعلم.
  • توفر جوًا من الحيوية في الصف، كما تدفع الملل عن نفوس الطلبة.
  • تثير الدافعية للتعلم؛ لأنها تسمح للمتعلم بالتأكد من عدم معرفته للإجابة الصحيحة.
  • توضح أفكار الطلبة، وتسمح لهم بمقارنتها مع أفكار المعلم، وبالتالي يقلل في صحة النتائج التي يتوصلون إليها.
  • يؤمن الحوار تغذية راجعة مستمرة، فكل جواب يقدمه الطالب يحلل ويُقوّم، ويحكم على صحته أو عدم صحته مباشرة.
  • يؤمن جوًا ديمقراطيًا في الصف، فكل طالب له الحق في الإجابة وإعطاء الرأي.
  • تسمح ببناء المعرفة الجديدة على قاعدة المعارف السابقة، وبالتالي تؤمن ارتباط المعرفة وتكاملها.
  • الارتياح الذي يعقب وصول الطالب أو الطلبة للإجابة الصحيحة ينمي عند المتعلم دافعًا داخليًا للتعليم.
  • تنمي مهارة التفكير عند الطلبة.
  • تغطي الأسئلة السابرة جميع مستويات المعرفة (تذكر، فهم، تطبيق، تحليل، تركيب، تقويم).
  • تنمي ثقة الطلبة بأنفسهم حين يستطيعون الوصول إلى الإجابة الصحيحة.
  • تتغير نظرة الطلبة للمعلم، فبدلًا من أنْ يكون ناقلًا حرفيًا لمادة الكتاب، يصبح موجهًا ومنشطًا للعملية التعليمية التعلمية.

الخلاصة

تُؤكد التربية الحديثة الأهمية البالغة للأسئلة الصفية داخل الحجرة الصفية، فهي تُمثل قسمًا كبيرًا من وقت الحصة الدراسية، ووسيلة مهمة لتهيئة مرحلة التعلم وبدئها، وهي تنظم النشاط التعليمي، وترفع من فاعليته، ويُعَدّ التدريس بالحوار من الأساليب الفاعلة في تدريس الطلبة في مراحل التعليم الأساسي؛ لأنها تأتي بعد مرحلة ما قبل المدرسة، حيث التعليم بالتلقين والمحاكاة، وتأتي قبل مرحلة التعليم الثانوي والجامعي، إذ التعلم بالاكتشاف، وتُعدّ الأسئلة السّابرة العمود الفقري لأسلوب التدريس المستند إلى الحوار، وتستند أهميتها إلى افتراض مؤداه أنَّ الطلبة لهم قدرة على حل شامل وكامل للمشكلات التي تواجههم في أثناء العملية (التعليمية – التعلّمية) عبر سلسلة متدرجة من الأسئلة التي يوجهها المدرّس إلى الطلبة، ففي صلب كل سؤال تكمن مشكلة، والغرض من الأسئلة هو إثارة التفكير عند الطلبة لحل تلك المشكلة، وتظهر أهمية الأسئلة السّابرة في أنها تستعمل لتحفيز الطالب في أي مستوى من مستويات تصنيف بلوم (المعرفة، والفهم، والتطبيق، والتحليل، والتركيب، والتقويم)، والسؤال السّابر يضع المدرّس عند حدود معرفة الطالب، والفجوة التي تقع بين ما يعرفه وبين ما هو قادر على تعلمه تدعى “منطقة التطور”، ويُعدّ السّبر الفعّال أحد الأدوات التعليمية التي تنقل الطالب من هذه المنطقة إلى منطقة “التطور الأقرب”؛ أي إنَّ أسئلة السّبر يتم من خلالها تقليص الفجوة بين ما يعرفه الطالب وبين ما لم يتعلمه، فأحيانًا يكشف السّبر فجوات خطيرة في معرفة الطالب التي تحتاج إلى تنمية أكثر.

المصادر والمراجع

  • ابن منظور، جمال الدين. (2005). لسان العرب، بيروت: دار صادر.
  • الحصري، علي؛ والعنيزي، يوسف. (2000). طرق التدريس العامة، بيروت: مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع.
  • الخليلي، خليل وآخرون. (1996). تدريس العلوم في مراحل التعليم العام، الإمارات العربية: دار القلم.
  • غانم، محمود. (2004). التفكير عند الأطفال، عمان، الأردن: مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع.
  • نبهان، يحيى. (2008). الأساليب الحديثة في التعليم والتعلم، عمان، الأردن: مكتبة اليازوري.
  • الهويدي، زيد. (2005). أساليب تدريس العلوم في المرحلة الأساسية، الإمارات العربية المُتحدة: دار الكتاب الجامع

بقلم: رجاء صلاح صندوقه

أضف تعليقك هنا
شارك
بقلم:

Recent Posts

مشاركة تلاميذ ثانوية المتنبي التأهيلية بإقليم آسفي في مباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة دورة 2024

بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد

% واحد منذ

أفكار أعمال صغيرة مربحة جداً وغير مكلفة

بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد

% واحد منذ

على من نطلق الرصاص؟

بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد

% واحد منذ

الكوارث تبرز أفضل وأسوأ ما في الناس

بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد

% واحد منذ

فن الشاطئ.. رؤية فنية بحس جمالي فني سياحي لمدينة أصيلة الشويخ عبدالسلام

بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

نقاء الروح

بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد

% واحد منذ