التنبؤات الفلكية وتأثيرها على الأفراد

التنبؤات الفلكية تملك رصيد ضخم من المتابعين 

مع اقتراب نهاية كل عام تغص مواقع التواصل المختلفة بأخبار وتنبؤات تخص الأَبراج الفلكية، حتى تكاد تسيطر على كل الصفحات الترفيهية منها وصانعي المحتوى الخفيف، وذلك كي تحصد أكبر عدد من المشاهدات والمشاركات على نطاق واسع، فمن خلال انتشار المحتوى الغير هادف بطريقة سريعة استطاعت تلك الأخبار أن تأخذ حيز كبير من المتابعة والإنفراد الملحوظ في مثل هذا الوقت من كل عام… 

فالجميع يريد أن يعرف ماذا يخبئ له العام الجديد، بغض النظر عن الأحداث التي حصلت معه في الشهور الماضية والتي غالبًا لا تكون وفق التنبؤات إلا أنهم لا يزالون يتابعون هذا النوع من الأخبار سعيًا وراء معرفة الغيب أو للتسلية لا أكثر.

ثمة فرق شاسع بين التنجيم وعلم الفلك

فئة كبيرة من المجتمع سواء كانوا من طبقة مثقفة أو سواها ينتظرون تنبؤ الغيب ومعرفة المجهول بكل لهفة بل يراقبون بشدة كيف سيكون العام القادم من مختلف الحالات الخاصة وأولها الحالة المالية ثم تليها الحالة الإجتماعية والصحية…

حيث تدور أغلب مواضيع البحث عن اسم البرج الذي يرتبط بتاريخ الميلاد لمعرفة صفات شخصية صاحب البرج حسب حركة الشمس والكواكب الأخرى التابعة للمجموعة الشمسية التي تمر على البرج الفلكي، والذي أيضا يُربط بعوامل الطبيعة الأربعة: الماء، التراب، النار والهواء، وهذا بالتأكيد يندرج تحت اسم التنجيم وعلم الغيب.

مع الأخذ بالعلم أنه يوجد فرق شاسع ما بين التنجيم الذي يعنى بالأبراج الفلكية وما بين علم الفلك… حيث يمكننا القول بأن علم الفلك يدرس الكون وماهيته ومحتوياته خارج الغلاف الجوي للأرض، بينما التنجيم يعني بمدى تأثير الظواهر الكونية والمجرات والكواكب على الإنسان، كما يتنبأ استناداً إلى مواقعها في الفضاء وحركتها بين الكواكب.

الأبراج الفلكية تتحكم في علاقة الفرد مع الآخرين

لقد أظهرت الإحصاءات أن تسعون في المئة من الأشخاص يؤمنون بالأبراج حيث النصف منهم لا يتحرك إلا بعد قراءة طالعه اليومي، وماذا يقول له برجه ولا يبدأ بأي علاقة  جديدة قبل السؤال عن برج الطرف الآخر ودراسته من جميع النواحي، فإذا كان مثلًا من الأبراج النارية يبتعد عن إنشاء علاقات مع أصحاب الأبراج المائية… وهكذا

وخاصة في موضوع الارتباط والزواج يكون البحث عن التوافق بين الطرفين بشكل عميق، فإذا كان برج الفتاة لا يتوافق مع برج الشاب قد يتم فسخ العلاقة وابتعاد كل واحد منهما عن الآخر بكل هدوء غير مراعين الصفات الأخرى للشخصية مهما كانت جيدة! 

انتشار تلك الخرافة ساهم في تعزيز شيوعها بين الناس من خلال التحكم في نوع علاقاتهم مع بعضهم البعض، عبر قراءة الأبراج الفلكية وأرقام الحظ  المناسبة لكل برج واللون المفضل والزهرة المحببة، إلى آخره من الترهات…

ما عدا الكتب المطبوعة والمنتشرة في كل بقاع الأرض والتي تتحدث عن ذاك المجال بشكل تفصيلي وموسع عن خصائص كل برج وصفاته ومدى توافق الأبراج مع بعضها، وأي برج يصلح ليكون شريك حياة الآخر ونسب النجاح والفشل في أي علاقة على أساس نوع البرج! وغيرها من الأمور التي باتت ما تقوله الأبراج مرجعًا للبت فيها.

عدم حصول الحدث المتوقع يصيب الفرد حالة من الإحباط…

أقرت بعض الأشخاص أنهم يقومون بوضع خططهم السنوية بناء على ما يدعيه برجهم من تنبؤات في بداية السنة الجديدة ليعرفوا الأحداث المخفية في حياتهم! فإذا كانت التنبؤات جيدة تكون حافز للعمل على مشروع جديد، أما إن كانت التنبؤات سيئة هذا العام فالأمر عادي جدًا أن يتأجل كل شيء إلى العام القادم.  

ما عدا ذلك فإن متابعة مثل تلك التنبؤات وتصديقها تدخل الفرد  في حالة سكون وانتظار الحدث، فمعظم المنجمّون يقولون أن صاحب هذا البرج سوف يحصل على دخل مالي كبير خلال الأشهر الأخيرة من العام القادم، مما يدعو الشخص إلى رسم حياة خيالية مليئة بالأوهام يعيش داخلها حالة ترقب وانتظار لتحقيق الحدث…

وقد يقوم الفرد على تأخير كل مشاريعه وأعماله إلى تلك الفترة المحددة من العام! لكن للأسف لا شيء يحدث مما توقع  وكل الاحتمالات التي خطط لها باءت بالفشل، فيدخل في حالة اكتئاب شديدة وحزن لعدم حصول ما عاش لأجله، ومؤكد سوف يؤثر ذلك على حالته النفسية فيتحول إلى كائن محبط لا يعرف كيف يخرج منها بأقل الخسائر…

التنجيم يعتمد حيلة التنبؤ المطاطي على الجميع

معظم أخبار التنجيم تعتمد على ظاهرة تُعرف بتأثير “بارنوم” أو تأثير “فورير” حيث تستخدم حيلة ماكرة قوامها  إطلاق عبارات عامة تصلح للجميع، إذ أظهرت نتائج مفادها أن الناس تقبل التعميمات على أنها تصفهم بشكل خاص، بينما هي قد تنطبق على الجميع! 

مثلاً قد تقرأ أنك سوف تمر بأوقات عصيبة ولن تخبر أحد، ولديك مشكلة مالية تعاني منها ستفرج بعد قضاء إشارتين أو ثلاثة، وقد تقع  في مشاكل داخل العمل أو مع العائلة، وتنتظر نبأ سوف يجلب لك الفرح والسعادة… 

ربما تجد هذا الوصف يتطابق مع برجك من خلال يومك وشخصيتك، ولكن ليس لصحته بل لأنه وصف مطاطي مرن قابل للتأويل، وعام جدًا يمكن أن ينطبق على أي شخص من مواليد أي برج آخر، فمن منّا لا يمر بوقت عصيب؟! ومن منّا ليس لديه مشكلة أو أمر معقد يشغل تفكيره!

التنبؤات على مستوى دولي هي لعبة سياسية

وقد تمتد التنبؤات إلى نطاق أوسع من النطاق الفردي، ففي بداية كل عام تظهر شخصيات معروفة في مجال التنجيم على وسائل الإعلام والمنصات الإجتماعية تدعي التأكد من تغييرات أو أحداث ستحدث على مستوى دولي في المجال الاقتصادي والسياسي لكل بلد على حدى  مع إعطاء تاريخ محدد لكل حادثة ستحدث في المستقبل، مما يجعل الأنظار موجهة والعقل مشغول على أمور ربما لن تحدث! 

وهذا كله برأيي لعبة سياسية يلعبها جهات دولية متفق عليها مع المنجمين لتوجيه حراك شعوب مستهدفة نحو خبر كاذب يلتهون به لفترة مدروسة وإبعادهم عما هو أهم، أي إشغال الناس بإشاعة أسهل بكثير من الشرح لقضايا إنسانية هامة أو تفسير ما يحدث على الساحة الدولية.

نهاية العالم من أشهر التنبؤات الفلكية

وأكثر التنبؤات انتشارً من آونة إلى أخرى هي نهاية العالم باصطدام كوكب الأرض بكوكب آخر عملاق حيث يأخذ الخبر على محمل الجد وتتفاعل معه البشرية من كافة أنحاء العالم! بالرغم من أن وكالة ناسا تحذر في كل مرة من تلك الأخبار الخرافية التي لا وجود لها من الأساس في الفضاء، وذلك بتقديم إثباتات وشرح مفصل عن حركة كواكب المجموعة الشمسية وحركة الكواكب الأخرى الخارجة عن مدار المجموعة الشمسية، وأن تلك الادعاءات كاذبة لا صحة لها ولا تملك أي إثبات فلكي طوال سنين مراقبة الفضاء…

إلا أن العقول بكل بساطة تسلك دائما الطريق الأسهل للتصديق، لتبقى التنبؤات الحلقة الأقوى في سلسلة القصص الفلكية وأي معلومات مدروسة بشكلها الصحيح لا تحوز على أي قيمة.

فيديو مقال التنبؤات الفلكية وتأثيرها على الأفراد

 

أضف تعليقك هنا