ما لا تعرفه أمي عن حرب 73

الجو حار ،الساعة الثانية ظهرا ،أستيقظ باكرا عن عادتي في أيام رمضان الشاقة ،صوت التلفزيون ينضح ببعض الأغاني التضليلية _الوطنية_ أخرج من غرفتي لأري أمي تجلس أمام التلفزيون و هي مبسوطة جدا بسماع صوت عبدالحليم حافظ و هو ينافق مَن مات بأغنية عاش _عاش اللي قال الكلمة دي حكمة ف الوقت المناسب_ و أعتقد أن الله إذا امد في عمر العندليب الأسمر لوجدناه يغني “تسلم الأيادي” و لكني في هذه اللحظة أقسمت على أن أنتقم من المضللين و الكاذبين بأن أوعي أمي لحقيقة هذا العبث المبالغ فيه و حقيقة نصر أكتوبر المجيد .

افترشت حِجر أمي كعادتي و مازال وجهي مبللا بقطرات الماءعلى اثر الوضوء فجففت ما تبقى منه في عباءة أمي البيتية ،و التي بدورها أخذت تقوللي : ألن أراك مرة في حياتي مثل هؤلاء الجنود الأبطال الذين هزموا اليهود في نهار رمضان الشاق و أنت نائم إلى الآن أليس هذا عيبا عليك ،فما مني أن ابتسمت و قلت لها : إنهم كاذبون يا أمي لا تصدقي كل هذا الهراء .

نظرت لي كأنني دخلت من الخارج بالحذاء على السجادة ،فقلت لها اسمعي حجتي حتى النهاية و لا تقاطعيني و من ثما احكمي على كلامي .

أولا:

أنا أعاتبكِ على علو صوت التلفزيون فقد أخرجتيني من حلم سعيد عن نجاح الثورة و مدنية الحكم في مصر وكلام كثير أنا لم أصدقة في الحلم من الأساس .

ثانيا:

نحن لم نكن نحارب اليهود بل كنا نحارب الكيان الصهيوني و هم مجموعة متشددة من اليهود نسبوا أنفسهم إلى جبل يدعى جبل صهيون ،أما اليهود عامة فهم أهل كتاب و أرسل فيهم سيدنا موسى عليه السلام .

ثالثا:

نحن لم نفز في حرب أكتوبر/تشرين 1973م فلا تفرحي كثيرا ، ففي يونيو/حزيران 1967م احتلت اسرائيل مجموعة من الأراضي العربية و هي سيناء المصرية ، هضبة الجولان السورية ، مزارع شبعة البنانية ، الضفة الغربية من الأرن إلى جانب قطاع غزة ،لذا وجب علينا أن نحرر الأرض من مغتصبيها .

أخذنا نجهز لحرب العبور 73 التي لم نفعل فيها شيئا سوى عبور قناة السويس و تثبيت أقدامنا على الضفة الشرقية بمسافة تقدر بين 12:10كم ، مثال : لقد أتي إلى شقتنا حرامي و أخذها كلها و ما منا أن كسرنا الباب و وقفنا على أول عتبة في الصالة هل هكذا فزنا ؟
السادات أتفق مع حافظ الأسد رئيس سوريا وقتها أنهما سوف يخوضا الحرب سويا كي يتشتت العدو على الجبهتين ،و لكن يا أمي ما لم يراعيه السادات وقتها أن القوات المصرية لا تستطيع أن تتقدم كثيرا في سيناء حتى لا تخرج من تحت مظلة الصواريخ الحامية لها من الطائرات الأسرائيلية و تصبح وجبة سهلة للعدو ، لأنه أثناء الحرب كان الضغط أقوى على سوريا و بالتالي طلب الرئيس السوري من السادات التقدم و تقليل الضغط عن الجانب السوري كما وعد سابقا.

تعابير أمي تقول أنها لم تفهم الجزئية الأخيرة ، فرسمت لها خريطة لعبور كل القوات المصرية إلى سيناء من أجل التقدم و تخفيف الضغط عن سوريا التى كان الضغط الأكبر عليها ابان الحرب .وهنا يا أمي حدث الخلاف بين الرئيس السادات و الفريق سعد الدين الشاذلي ،فالسادات يريد أن يفي بوعده مع الأسد و يطور الهجوم و الشاذلي يتحدث بالمنطق الذي يقول أن الجندي المتقدم لن يعود لأنه سوف يكون وليمة سهلة للطائرات الإسرائيلية و هذا ما حدث فعلا حيث تقدمت 400 دبابة و تدمر منها 250 في ساعات قليلة .

شعرت أن أمي بدأت تفهم و لكن جلستها الطويلة أمام التلفزيون الرسمي للدولة أصابها بجرعات من الخبل في معالجة القضايا فتقمصت دور إعلامية مصرية ممن يضيعون ميزانية مسبيرو في وضع المكياج المفرط على ضميرهم قبل وجههم لتفند قائلة: نحن لم نخسر بل تقدمنا و خففنا الضغط عن سوريا أيضا مع خسارة بسيطة .
فقلت لها : سوف تكون المقاطعة القادمة هي فراق بيني و بين حِجرك يا أمي فأرجوكِ دعيني أكمل لكِ ،فمع تقدم الحرب و الخطب الرنانة للسادات و الدرع و السيف و الست ساعات الخ .. خرجت جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل لتقول جملة واحدة فقط : الآن نحن نحارب في أفريقيا ، هل فهمتي المقصد يا أمي ؟ انها تقر بأنها خدعت الجيش المصري حيث وضعه السادات كله في سيناء و ترك مؤخرة الجيش عارية مما أدى إلي مجموعة من الكوارث التى قسمت ظهر الثور أو البعير سميها ما شئتي .

حيث تمت محاصرة الجيش الثالث الميداني و قطع المؤن عنه في سيناء ، إلى جانب تدمير مدينة بورسعيد ، و هذه القوات الإسرائيلية كانت على بعد كيلومترات معدودة من القاهرة ،و لكن أين سوف تتقدم هذه القوات امام الملايين التي أخبر عنها عبدالحليم حافظ لجمال عبدالناصر في أغنية “فدائي” : أطلب تلاقي 30 مليون فدائي .
بالطبع سكان مصر بالملايين و القوات الإسرائيلية كانت مصممة لإحداث ثغرة التفاوض باليد العليا فوق يد مصر ، و هنا بدأت أمي تقتنع و تخفض صوت التلفزيون لتسمع باقي الكلام الذي دمر الصورة الذهنية المغلوطة عن الإنتصار الكاسح في أكتوبر/تشرين 1973م و الذي وافق وقتها 10رمضان 1393هجريا .
و من هنا يا أمي نحن لم ننتصر ما قمنا به هو انجاز عبور خط بارليف و التمركز على الضفة الشرقية من قناة السويس ، أما الجانب السوري فقد تم التنكيل به و إذا أرادت اسرائيل أن تدخل إلى دمشق لفعلت و لكنها ما تريده هو الجولان فقط .

ملحوظة: السادات كان يعرف ذلك جيدا لذا طالب بالسلام بعد أول يوم من الحرب سواء سرا في البداية أو علنا بعد وقف اطلاق النار لأنه يعلم جيدا أنه لم و لن يفز إلا بالمفاوضات ، أما المفاوضات و السلام هذا جعلنا أول المعترفين بشرعية دولة اسرائيل بعد أن كانت كيانا مغتصبا .
المكسب الوحيد لازال على الورق :سيناء تعود منزوعة السلاح و الحياة و الأهل و الإنتماء ،منزوعة من مصر إذا أردتي أن تقولي ذلك قوليه و لكن لا تجهري به امام أبي قبل أن تفهميه ما أفهمتكِ إياه أو دعيه يقرأ هذا المقال .

فيديو ما لا تعرفه أمي عن حرب 73

 

أضف تعليقك هنا

عبدالرحمن حسين يادم

عبدالرحمن حسين يادم