طيب الكُتاب “أحمد خالد توفيق”

رحيل “أحمد خالد توفيق”

إنهم يرحلون، يتركون كل شئ خلفهم حتى نحن، نحن من ألفناهم في داخلنا وأحببناهم من أعماقنا إلى أن امتذجوا بنا وبكلامنا وأفعالنا، نتكلم مثلما علمونا ، نحاول أن نحل المشكلات بنفس الطريقة، نصبر على البلاء كما نصحونا مرارا وتكرارا، لكني الآن لا أتذكر أي نصيحة ولا أريد أن أربط بين رحيلهم وما نحن فيه الآن من ذُعر الفراق ومضض الوداع، رحل طيب الكُتَّاب في هدوء وسكينة كما اعتدناه، فضل ألا يخبرنا، فضل ألا يُطيل من فترة مرضه كي لا نتألم له ونشاركه التعب، هل هي النهاية يا أستاذنا؟ هل هي النهاية حقا؟! ألن تكتب لنا بعد اليوم؟؟ نحن من تعلمنا على كتاباتك القراءة، نحن أصحاب الخيال الذي يعود الفضل في بناءه وتكوينه إلى قلمك الرصاص القويم، هي النهاية إذا، لا أصدق من هول المفاجئة ولكني أحاول التأقلم مع الحقيقة البينة القاسية، إن رفعت اسماعيل تخلص من آلام دواليه وعلاقته المتوترة مع التدخين وأحجياته المعقدة، لا ارهاق بعد اليوم، وسلام على من غرس في جيلنا السلام.
الوداع مُفجع لقلوب البشر، وعلى قمتها قلوب المحبين، وأنا محب لأقصى درجة فلا تلوموني أو تنبهوني إلى الصبر فالمصيبة جلل، لكني سأفعل، كما سيحاول كل من أقبل على كتاب أو رواية فأحبها وأحب ناسج بُنيات أفكارها أن يفعل، نعم هو الوداع، الرجل الطيب المتواضع المحترم النبيل يُلاقي ربه وقد ترك خلفه ما يشفع له حقا، فقد ترك لنا وعيا مُصاغا على صفحاته المحترمة، ترك لنا ألما عميقا كلما قرأنا كلما تذكرنا رحيله دون سابق إنزار ولكننا سوف ندعوا له بالرحمة والجنة.

أيها الرجل الطيب لقد تحققت نبؤتك، هل رأيت جنازتك؟

نحن كنا هناك، أولادك المخلصين تربية كتاباتك كانوا تقبلون نعشك حيث المثوى الأخير، حقا كانت نهاية مشرفة لفارس عظيم، أصدقائك ممن لا يحبونك أنت وكل من يشكل الوعي الصادق في العقول كانوا في حيرة مما يحدث، رجل واحد يفعل كل هذا، يلقى كل هذا الحب والتقدير من الكبير والصغير، من حضر كي يودعك كانوا أكثر ممن ذهبوا ليطمسوا الحلم في الصناديق الكاذبة.
ستظل في القلوب والعقول، ستظل فكرة جميلة هادئة نستظل بها حينما يرهقنا الظلم والتغييب والإسفاف، ستظل في جيوب قمصاننا المقربة إلى قلبنا نُخرجك ونَقرؤك كما نفعل دائما، نعم لن يتعرف على هذا التشبيه إلا من قرأ كتيباتك الصغيرة التي تدخل في القلوب قبل الجيب، مجموعات القصص التي شكلت مراهقتنا اليافعة، الجزء المميز في المكتبة، المكان الوحيد الخالي من التراب لكثرة الإقبال عليه، المكان الوحيد المعلق فينا والكائن بداخلنا لإرتباطه بفتراتنا الحياتيه المختلفة ، الوداع.

أيها الكاتب الرائع … الوداع 

سوف نكتب على قبرك: سلام على أبينا الذي علمنا كيف نقرأ في وقت كان الكل يحارب الوعي، في الوقت الذي ننتمي فيه نحن إليك، الوقت الذي أشعلت فيه لنا بكتاباتك ضوء المصباح الذي يهيئنا للعبور الآمن من الوحل الذي يحيط بنا في كل مكان، الوقت الذي يحاربون فيه الوعي عنوة كأننا أذنبنا حينما قرأنا وقلنا “لا” في يوم من الأيام، نعلم أنك استرحت من الحياة البائسة التي نعيشها الآن، نعلم أنك في مكان أفضل من هنا بكثير، ولكن مَرضاك في العيادة يشعرون بالغربة أثناء غيابك، أجيالك القارئة لك تشعر بالتيه التام ولوعة الفقد، ماذا عن أخر كتاباتك؟! الوداع.

نحن من أردنا تنظيف القمامة كما وصفتنا، نحن من أردنا التغيير، نحن الحالمين بالغد المشرق مهما كانت عتمة اليوم، هل تعلم يا أستاذنا الطيب أننا نفقد مُدعمينا يوما بعد يوم، نفقد أرباب أفكارنا، نفقد موجهينا الكرام إلى حقيقة الكرامة، وها قد فقدناك، الآن يُنكل بنا من الجميع حتى أهلينا المغيبين بفعل المرتزقة الإعلامية الفاسدة، يكثر أعدائنا ونحن مازلنا صغارا ونحتاج لمن يمشي بنا إلى محطة “باصات” الأمل، نحن في أشد الحاجة إليك، مازلنا صغارا وها قد بدأنا نكبر ونشعر كم نحن داخل دوامة تُلقي بنا وتُلقي علينا ما نكرهه قبل ما لا نعرفه، دكتور أحمد، الوداع.

أدب الرعب

، لم أشعر به حقا إلا الآن، الخوف الحقيقي هو أنك تفقد الاحساس نفسه، الخوف أنك لم تعد تشعر،الرعب الحقيقي أنك لن تخاف بعد الآن، لقد فقدنا الغريزة ومُفجرها، فرائد أدب الرعب وضعنا في هول اليوتوبيا ورحل مصطحبا صديقه الوفي رفعت إسماعيل، لن نراهما بعد اليوم إلا في المناسبات الباهته من قبل المتمسحين في جماهيرية العظماء الراحلين، قد أكون مشتتا وقاسيا ولكن لا تقلق فإن رحلت فنحن باقون، سوف نُعلم أولادنا كما علمتنا، سوف تخلد بيننا بما تركت لنا، الوداع يا طيب الكُتَّاب .

أضف تعليقك هنا

عبدالرحمن حسين يادم

عبدالرحمن حسين يادم