تكلفة الإصلاح‮، ومسئولية مجتمع الأعمال في مصر

المسؤولية الوطنية والأخلاقية والسياسية أيضا،‮ ‬تتطلب توزيع أعباء الإصلاحات التى نمر بها الآن،‮ ‬بحيث تتحمل مكونات المجتمع الأكثر قدرة العبء الأكبر فيما‮ ‬يتم دعم الفئات الأقل دخلا حتى‮ ‬يتحملوا مشاق الإصلاح وآلامه،‮ ‬هذا ما فعلته الأمم التى مرت قبلنا بعمليات الإصلاح،‮ ‬وهذا ما فعلناه نحن من قبل فى تجربة عام‮ ‬1991 ‬1996‮ – ‬ .

ولا شك أن أولى الناس بالشكوى والتذمر من آثار الإصلاحات النقدية والمالية هم ملايين‮ ‬المصريين من أصحاب الدخول المنخفضة والثابتة،‮ ‬هؤلاء الذين وصفهم محافظ البنك المركزى قبل أيام بأنهم الأبطال الحقيقيون فى معركة الإصلاح،‮ ‬ومع ذلك فقد وجدنا أصواتا عالية تصدر من عالم الأعمال فى الأيام الأخيرة تدعو الرئيس والحكومة للتدخل لإنقاذ أنشطتهم التجارية والصناعية من أثر هذه الإصلاحات،‮ ‬ولا سيما ما‮ ‬يتعلق بالارتباكات الناتجة عن تعويم الجنيه قبل نحو شهرين‮.‬

ملايين الناس تمسكوا بالصبر وهم‮ ‬يكابدون أهوال ارتفاع الأسعار بعد أن بلغ‮ ‬التضخم معدلات تدور حول‮ ‬20٪،‮ ‬وكذلك وهم‮ ‬يقفون عاجزين أمام تآكل مدخراتهم بالجنيه الذى‮ ‬يكابد هو الآخر تدهورا فرضته اعتبارات كثيرة فى مقدمتها التواؤم مع اتساع الفجوة بين موارد الاقتصاد من النقد الأجنبى للأسباب المعروفة،‮ ‬وزيادة النفقات بالدولار للأسباب المعروفة أيضا‮.‬

اقتصاديا فإن كل الأمور واضحة ومبررة،‮ ‬ومن ثم فإن الإلحاح بالشكوى والتبرم من قبل‮ ‬ممثلى جمعيات واتحادات الأعمال والضغط عبر الفضائيات وإعلانات الاستغاثة فى الصحف من أجل دفع الدولة لتقديم إعفاءات وتسهيلات لمواجهة آثار انخفاض الجنيه تمثل موقفا محيرا،‮ ‬وفضلا عن كونه‮ ‬غير اقتصادى فإنه أيضا‮ ‬يمثل معوقا للإصلاح الوليد خاصة إذا اقترن بتهديدات صريحة باللجوء إلى الإفلاس وتسريح العمالة إذا لم تذعن الدولة لمطالب الدعم المباشر لهذه الشركات لمواجهة آثار ارتفاع الدولار‮!‬

مشكلات تواجع المستوردون والصناع

الغريب أن تراجع الجنيه لم‮ ‬يكن مفاجأة لأحد،‮ ‬كما أن قيمته بعد التعويم لم تختلف كثيرا عن الشهور التى سبقته،‮ ‬وقد كان مأمولا أنه بعد إضفاء الشرعية على تعاملات النقد الأجنبى وفقا لأسعار التداول الفعلية،‮ ‬فإن كثيرا من مشكلات الصناع والمستوردين سوف تختفى،‮ ‬وأن‮ ‬يؤدى الإصلاح إلى زيادة الصادرات وترشيد الواردات،‮ ‬وهو ما‮ ‬ينتج عنه فى نهاية المطاف إعادة التوازن للعلاقة المشوهة حاليا بين الجنيه و الدولار‮ .

القضية بالطبع تتسع لأكثر من وجهة نظر،‮ ‬وإذا كان المستوردون والصناع‮ ‬يطالبون باحتساب قيمة اعتماداتهم الاستيرادية‮ »‬المطلوبة‮« ‬قبل‮ ‬3‮ ‬نوفمبر بسعر‮ ‬8‭.‬80‮ ‬جنيه للدولار بدعوى أنهم وضعوا المقابل بالجنيه لدى البنوك،‮ ‬فإن مصرفيا رفيعا قال لى إن كل مستورد‮ ‬يتقدم للبنك بطلب تدبير عملة‮ ‬يوقع على إقرار بأن احتساب سعر التحويل‮ ‬يتم وفقا لأسعار‮ ‬يوم التنفيذ،‮ ‬مضيفا أن‮ ‬غالبية العمليات خلال الشهور التى سبقت التعويم كانت تتم على أساس السعر السوقى للدولار ما‮ ‬يعنى أن التعويم الذى أضفى الشرعية على السعر السوقى للدولار لم‮ ‬يؤثر فى قيمة الاعتمادات،‮ ‬وبالتالى تصبح الشكوى من ارتفاع الدولار لا محل لها،‮ ‬الأمر نفسه‮ ‬ينطبق على شركات تصنيع الدواء التى تبين الآن أنها تعتمد بصورة جوهرية على استيراد المادة الفعالة من الخارج‮.‬

مقالات متعلقة بالموضوع

شركات الدواء والأسعار

شركات الدواء تهدد بوقف الإنتاج ما لم‮ ‬يتم دعم استيراد مكونات الإنتاج أو رفع أسعار الدواء،‮ ‬والحل الأخير مؤلم ويثقل كاهل المرضى الذين‮ ‬يعانون فى الأصل من آثار التضخم على مختلف المجالات الأخرى‮.‬

‮ ‬اللافت أن نقابة الصيادلة المعنية مباشرة باستقرار سوق الدواء انتقدت موقف الشركات المصنعة،‮ ‬وحثت الحكومة على رفض مطالب المصنعين بزيادة الأسعار،‮ ‬مؤكدة أن الصناعة تحقق أرباحا تكفى لتعويض الشركات عن الزيادة فى قيمة الدولار‮.‬

دعم شركات تصنيع الحديد المحلية

شركات تصنيع الحديد نجحت هى الأخرى فى إقناع الحكومة بفرض رسوم إغراق على الحديد الصينى والأوكرانى الذى‮ ‬يصل إلى الموانى المصرية أرخص من تكلفة الإنتاج المحلى،‮ ‬وهذه قضية قديمة على كل حال ولم‮ ‬يكن من الإنصاف استغلال الارتباك الحالى فى سوق الصرف لتحقيق مزايا تعين الشركات المحلية على تصريف انتاجها البالغ‮ ‬12‮ ‬مليون طن سنويا‮.‬

غاية القول‮:

‬إن التعويم كان ضرورة اقتصادية ولطالما نادى به قطاع الأعمال لحل مشكلات تدبير العملة ومتاعب التعامل مع الأسواق‮ ‬غير الرسمية،‮ ‬واليوم‮ ‬يصبح‮ ‬غير مفهوم وطنيا واقتصاديا التبرم من الآثار المؤقتة الناجمة عن التعويم فى أيامه الأولى التى‮ ‬يعرف مجتمع الأعمال أن آثاره ستختفى خلال شهور،‮ ‬مجتمع الأعمال أولى من‮ ‬غيره فى تحمل نصيبه من تكلفة الإصلاح‮.‬

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا
د. أحمد عادل محمد بخيت

متخصص في مجال التسويق

شارك
مواضيع مصر

Recent Posts

مشاركة تلاميذ ثانوية المتنبي التأهيلية بإقليم آسفي في مباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة دورة 2024

بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد

% واحد منذ

أفكار أعمال صغيرة مربحة جداً وغير مكلفة

بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد

% واحد منذ

على من نطلق الرصاص؟

بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد

% واحد منذ

الكوارث تبرز أفضل وأسوأ ما في الناس

بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد

% واحد منذ

فن الشاطئ.. رؤية فنية بحس جمالي فني سياحي لمدينة أصيلة الشويخ عبدالسلام

بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

نقاء الروح

بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد

% واحد منذ