كعادة الإرهاب القديمة و الخبيثة ، و ذلك أنه حين فشل في السيطرة على الدولة و الحكم ، انقلب عليها كما انقلب من قبل و عاد إلى أصله حيث أبشع صور الإجرام و العنف ، و كشف القناع عن حقيقة وجهه القبيح المشوه .
كان هذا هو الواقع في مصر فيما بعد اليوم الأخلد في تاريخها المعاصر –و ربما في تاريخها كله- ، يوم الثالث من يوليو للعام 2013 م ، و بعد أن انزاح هم كان قد جثم على صدر مصر كلها ، و أراد بها الشرور و الفتن و التقسيم و الهدم ، فجاءت شمس هذا اليوم المبارك لتعلن انبلاج صبح الأمل و إشراق شمس التحرر من أسر العدو ، و تخلع الإرهاب عن حكم مصر ، و الذي كان قد تقنع بقناع خبيث خدع به كثيرًا من الطيبين و المغفلين ، فظنوا أنه يحمل الخير لهم و لبلادهم ، و لكن الحقيقة أنه لم يكن سوى وحش كاسر ، و إرهاب بغيض مستتر ، قد تدثر بدثار حمل وديع ، لكي يآمنوا جانبه ، فلا يحذروا مكايده ،فيطعنهم في المقتل على حين غرة و غفلة ، و يغدر بهم من حيث لا يتوفون الغدر!
و هو ما كان ، فاطمئن الناس له ، حتى إذا ما اختبروا أمره ، وجدوه سرابًا يحسبه الظمآن ماءً ، حتى إذا جاءه ، لم يجده شيئًا ، و إنما وجد عنده كل ما يسوء!
كان هذا هو واقع العام الأسود و الأيام النحسات لحكم الجماعة الإرهابية لمصر ، خدعوا الناس عن أنفسهم ، حتى وصلوا للحكم على غش و خداع و كذب ، فلما كشف الناس غشهم و خداعهم و كذبهم ، و ألقوهم حيث يستحقون في قاع مزابل التاريخ ، كشفوا هم بدورهم عن حقيقة وجهم القبيح و مارسوا الإرهاب في أبشع صورة ، و الخيانة في أحقر معانيها !
و “عادت ريما إلى عادتها القديمة”! ، و تكرار التكرار كما كل مرة ، و ذلك بعد فشل محاولة الإرهاب للسيطرة على السلطة ، ضرب ضربته و استخدم العنف كعادته ضد الدولة و الوطن .
و لكن مع الانتباه و التنبيه أيضًا ، على كون الإرهاب في هذه المرة أيضًا قد عاد أقوى من سابق عهده بكثير ، و رجع مثقلًا بكل خبرات السنين الخوالي ، فاستطاع بسبب التعلم من دروس الماضي –مع الأسف- أن يحقق ما فشل في تحقيقه في كل الموجات السابقة ، و هو الوصول إلى رأس السلطة و الجلوس على كرسي الحكم !
صحيح أن مدة حكمه كانت وجيزة جدًا في عمر الأمم و لكنه –و مع الأسف- قد نجح في تحقيق هدفه ، و إن كان لم يستطع أن يحافظ عليه ، ففاز في معركة و خسر في أخرى !
و ما ذلك إلا لكون الإرهاب –كما ذكرت قبلُ مرارًا- يبني على ما فاته ، و يتعلم من أخطاءه ، و يستفيد من دروس الماضي ، بعكس حالنا –أيضًا كما ذكرت مرارًا و تكرارًا- ، فنحن نُصرُّ في كل مرة ألا نتعلم شيئًا من تجاربنا السابقة ، و ألا نتم البناء من حيث انتهى الآخرون ، و لكننا –ويا للحسرة- نعهد إلى ما بناه من سبقنا ، فنهدمه كله ، ثم نبدأ من جديد في كل مرة ، من عند المربع رقم “صفر” ، ليكون الواقع أن عدونا يرفع بنيانه إلى السماء ، في حين نظل نحن –و مهما طال علينا الزمن- في مرحلة وضع الأساس !
و هو ما ينذر بخطر كبير في المستقبل إن استمر الحال على هذا المنوال .
إن التطور الخطير و النقلة النوعية للإرهاب في المرحلة الحالية يضعنا جميعًا أمام مسئوليتنا التاريخية ، فإما أن نتحمل مسئوليتنا و نتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهة الواقع مواجهة حقيقة ، أو أن نتكون عارًا تسعى الأجيال التي تلينا لأن تتبرأ منه ، و تلعنه ليل نهار !
لقد قفز الإرهاب قفزة هائلة في الهواء هذه المرة ، سواء في محاولة للسيطرة على الدولة و مقاليد الحكم ، و التي نجح بالفعل فيما فشل فيه طوال العقود الماضية ، و وصل إلى سدة الحكم و حكم عامًا كاملًا ، و هو أمر أخطر من الخطر و قد كاد من خلاله أن يقضي على كيان الدولة المصرية ، و أخطر منه أن الإرهاب -كما أسلفتُ- يتعلم من أخطائه و يستفيد من تجاربه ، بل و يبني عليه و يؤسس ما هو قادم على ما فات ، ليطرح السؤال نفسه بقوة و بشدة : هل إذا ظللنا على هذه الحالة و لم نواجه الإرهاب مواجهة حقيقية تقتلعه من جذوره ، سوف يفاجئنا بعد عشر سنوات أخرى بعودته ، أقوى من سابق عهده ، و مستفيدًا من سالف تجربته ، فيقفز عل سدة الحكم ، ثم لا ينخلع منه أبدًا؟!!!
هذا هو السؤال الذي يجب على كل مسئول في هذا البلد أن يطرحه على نفسه ، بل يجب على كل مواطن يعيش فوق هذه الأرض الطيبة أن يسأله لنفسه ، لا بل لا يتوقف عند حدود التساؤل و إنما يتجاوزه للإجابة عليه ، لا بل يتجاوز ذلك كله للعمل على أن يجنب بلاده و وطنه –إن كان يحبه بصدق و ليس بالشعارات الفارغة- مخاطر هذا الأمر و يجتهد في المواجهة الحقيقية للإرهاب و التي لا يكون سوى بالعلم و التعليم و الذي ينتج وعيًا حقيقيًا تتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيلٍ ،ليكون مصلًا شافيًا و ناجعًا ضد هذا الفيروس الخبيث ، فيقتله قتلًا، و لا ينبغي أن يكون الوعي وعيًا جمعيًا تخلقه اللحظة و الحالة التاريخية ، ثم تعمل فيه عوامل التعرية بعملها ، فيتلاشي و يتآكل مع الزمن شيئًا فشيئًا ، حتى لا يبقى منه شيء !
إن الإرهاب في هذه الحقبة التي كتب الله لنا أن نعيشها هو أقوى و أعنف حالة و موجة إرهابية عاشتها مصر في تاريخها كله ، سواء في شقهِ المدني أو في شقهِ العسكري ، فقد استطاع في شقه المدني أن يصل إلى سدة الحكم ، و أما في شقه العسكري و المتمثل في هذه الموجة الإرهابية العنيفة التي ضرب بها البلاد ، و التي هي –بلا أدنى ريب- أعنف موجة إرهابية رأتها مصر في تاريخها كله ، بل إنها حرب حقيقية لم تشهد مصر مثلها قط ، على كثرة الحروب التي خاضتها من قبل!
و هو ما ينذر بخطر كبير يجب التنبه إليه ، بل إنه ليس أمامنا سوى التنبه إليه ، لأنه في المرة القادمة سوف يأتي على الأخضر و اليابس و يقتلع الجميع من الجذور .
ذلك أن “حسن البنا” منذ أن أسس جماعته الإرهابية في عشرينات القرن الماضي و قد كان الهدف الأول و الأخير له و للجماعة و التي استخدمت في سبيل تحقيقه كل وسيلة وضيعة ، و ضحت في سبيله بكل غال و ثمين ، هو الوصول للسلطة ، و ظلت الجماعة تعمل على تحقيق هذا الهدف منذ أنشأت ، و كانت في كل مرة تفشل و مع كل محاولة تخفق ، و لكنها كانت تصنع أمرًا مهما غفلت عنه الدولة المصرية في حربها على الإرهاب ، ألا و هو “تراكم الخبرات” ، فكانت تستفيد من كل تجربة تمر بها مهما كانت قاسية و تخرج منها بدرس جديد تستخدمه في المحاولة التي تليها !
أما نحن فعلى العكس تمامًا ، فقد كنا نخرج في كل مرة منتصرين من المعركة و لكننا لا نكرس هذا النصر و لا نؤسس عليه و لا نستفيد منه ، فكنا نضيع ما جمعناه من خير ، كمن يضع الثمار في إناء مثقوب!
كان ينقصنا في كل مرة أن نراكم خبراتنا و أن نكمل بناء من سبقونا ، و أن نستفيد من كل تجاربنا الماضية بنجاحاتها و كذلك بإخفاقاتها ، فإن فعلنا ، فإننا نكون ساعتها فقط ، قد وضعنا أو مسمار في نعش الإرهاب الذي سوف ندفنه فيه للأبد ، و إلا فسوف نكون قد مكنا عدونا من أنفسنا و قضينا على بلادنا بجنايتنا و خربنا بيوتنا بأيدينا .
ألا إن هذه الموجة الإرهابية الحالية و التي هي الأعنف في تاريخنا كله ،لا شك سوف يأتي اليوم التي تنتهي و تتوقف فيه ، إذ المعركة محسومة قبل أن تبدأ لصالح الجيش و الدولة ، و مهما كانت الخسائر أو الضحايا ، فإنها سوف تنتهي، بل و سوف تنتهي عما قريب ، و لكن الأهم منها ، بل و الأخطر منها هو مدى استفادتنا من الدرس الذي لقنتا تلك الموجة الإرهابية إياه !
فيا تُرى سوف نتعلم من تجاربنا و نستفيد من دروسها و نتعلم حتى من أخطائنا ،و نطعم بالمصل حتى لا يصيبنا المرض مرة أخرى ، أم أننا سوف نفعل كما كنا نفعل في كل مرة مضت ، و نتعامل مع العرض دون المرض ، و نسمح للتكرار أن يتكرر ؟!
ألا إن التكرار لو تكرر هذه المرة فإنه سوف يكون جحيمًا يحرق الجميع و إن مسئوليتنا التاريخية تجاه وطننا تحتم علينا أن نحمي بلادنا و أن نمنع عنها هذا الخطر الذي يهدد وجوده بالأساس .
كما أن مسئوليتنا تجاه الأجيال التي تأتي بعدنا تقتضي علينا أن نعمل على أن نقضي على هذا الداء العضال و أن نقتلعه من جذوره حتى لا يداهمهم فيقضي عليهم من بعدنا ، و حتى لا يكون الميراث الذي نورثه لأبنائنا و أحفادنا من بعدنا هو تركة من الشرور و الخراب و الدمار !
و نكون بدلًا من أن نترك لهم ما ينفعهم ، نكون قد تركنا لهم نارًا تحت الرماد توشك أن تحرق الجميع بلا رحمة ، و بدلًا من أن يترحم عينا أبناءنا و أحفادنا من بعدنا ، فإنهم سوف يذكروننا بكل قبيح و لعنة!
إن الواجب علينا -وجوبًا حتميًا- نحن أبناء هذا الجيل أن نكسر هذه الحلقة الخبيثة ، من إرهاب لسنتين أو ثلاثة ثم و غفوة لعشر سنين ، ثم إرهاب مرة أخرى، كي لا يظهر في المستقبل موجة جديدة من الإرهاب تكون بعد عشر سنوات من الآن ، و تكون أقوى من الموجة الحالية بما لا يمكن أن يقاس أو تقارن به !
إن الواجب علينا –وجوبًا حتميًا- هو أن نحمي أبناءنا و أحفادنا ، من النار التي عانينا و ما زلنا نعاني منها ، و باختصار فإن الواجب علينا أن نجتهد في أن تكون هذه هي “المعركة الأخيرة” لمصر مع الإرهاب و أن نجتهد أشد الاجتهاد “كي لا يتكرر التكرار” مرة أخرى أبدًا .
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد