الأقسام قصة

جدراني الأربعة وجدار آخر

شعور الوحدة

لا يغرنَّك يا عزيزي من تراني أني محاطة بهم طوال الوقت، الشعور الوحيد الذي دوما ما يلازمني هو شعور الوحدة ..وكأنني شخص أصم في ميدان عام ،يرى كل شيء يتحرك بسرعة جنونية ويعلم أن كل شئ حوله صاخب جدا ..بيد ِأنه لا يعلمُ حتى ما تعني كلمة “صاخب” هي فقط كلمة تعلم حروفها في مدرسة الصم والبكم لتذكره بشئ لا يعرف عنه سوى أنه يؤكد عليه عجزه ..وأنها هي تلك الأصوات التي لم يسمعها قط وواجب عليه أن يعرف معناها حتى ولو تخيله و أُصدقك القول يا عزيز ..حالي يكاد يكون أقسى من حال الأصم ..فأنا أسمع الأصوات والصخب و أميز كلاهما لكن ما يخالفني عنه هو التيه ،باﻹضافة لجمود كل المعاني أمام ناظري دفعةً واحدة وجمود كل قريب وكل حبيب وحتى بعيد ..أرى الناس كلٌ في شأن ..وأنا في شأني الذي لا شأن له إلا شأني.

ليال ٍ طوال ..

قضيتها بين حواف جدراني الأربعة خائفة أرتجف لا يدري عني أحد ولا يسمع صرير حلقي إلاي ، ولا يشعر ببرودة الأرض إلا قدماي العاريتان ..اللتان ضننت عليهما حتى بنعل يدفئ الصقيع الناخر بهما كنوع من العقاب..عقاب على ماذا؟! على جُبني ..ذلك الرعديد الذي ألقاني يوما في ركن الحائط وقد ضممت ساقي إلي حتى كادتا تنكسرا أو ينقصم ظهري .. ذاك الذي ربط لساني يوما حين بصق أحدهم كلامه الجارح في وجهي ولم أنبث ببنت شفة ..ذلك الذي ربط قدمي يوما فلم تقويا على الهروب فتعثرتا، والذي كبل ذراعي حين وجدت منكراً أمام ناظري ولم أغيره.

في نفس الغرفة المظلمة وبين ذات الجدران الأربعة ..

تُهِمت بالإنطوائية والعزلة والكآبة والغرور حتى ..لم يدر أحد عن القنديل الذي كان مشتعلاً من قبل يكاد يضئ ولو لم تمسسه نار ..ذلك القنديل الذي وضعه الله بالفطرة بقلب كل منا قبل أن تبدأ الدنيا بتشويهه ..وقبل أن تبدأ في إطفائه بأفواهها ..ووحده الناجي من يستطيع أن يفلت بشعلة من قنديله يحتفظ بها لنفسه ..يستعين بها على سرابل الظلمات التي تتوالى على دربه..وأنا لست بناجٍ ..وأنا قد انطفأ قنديلي ..وباغتني سواد غرفتي.

مقالات متعلقة بالموضوع

فيديو مقال جدراني الأربعة وجدار آخر

أضف تعليقك هنا
شارك

Recent Posts

مشاركة تلاميذ ثانوية المتنبي التأهيلية بإقليم آسفي في مباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة دورة 2024

بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد

% واحد منذ

أفكار أعمال صغيرة مربحة جداً وغير مكلفة

بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد

% واحد منذ

على من نطلق الرصاص؟

بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد

% واحد منذ

الكوارث تبرز أفضل وأسوأ ما في الناس

بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد

% واحد منذ

فن الشاطئ.. رؤية فنية بحس جمالي فني سياحي لمدينة أصيلة الشويخ عبدالسلام

بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

نقاء الروح

بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد

% واحد منذ