الله يفتح عليك يا مولانا

حديث في المواصلات..

تضطرنا بعض المواقف إلى الاستماع لحديث بعض الأشخاص، وكثيرًا ما يحدث ذلك في وسائل المواصلات العامة، وفي أثناء الانتظار في بعض المصالح الحكومية، وحتى في سيارات الأجرة بين المحافظات، وغيرها وغيرها…

أحيانًا يكون المرء مرهقًا وبحاجة لغلق عينيه وهو جالس على مقعده في القطار أو السيارة الأجرة أو وهو ينتظر في مكان – لا سيما بعد يوم عمل طويل-  وفجأة يدخل شخص من غير سابق معرفة، ويبدأ التحدث بصوت عال، وإلقاء ما يشبه بالخطبة. في إحدى المرات دخل شخص وجلس على المقعد الذي بجواري بينما كنت راجعًا إلى قريتي التابعة لإحدى مدن محافظات وسط الدلتا ، وبدأ هذا الشخص يتحدث إليّ في أمور دينية، وأنا لا طاقة لي بالحديث معه أو حتى السماع إلى المعلومات الخاطئة التي يسوقها، ولكن احترامًا له بادلته الحديث بالحسنى وأنا آمل أنه سينتهي بعدما أوضحت له الخطأ في ما يقول، لكني وجدته يتنقل من موضوع إلى آخر ويقول أشياءً غير مترابطة ببعضها. تحاملت على نفسي، وقررت ألا أقاطعه كي أثبت له أنه محق وأن كل ما يقوله صحيح كي أتفادى الدخول معه في جدال لا طائل منه، وعندما لم يجد مني تجاوبًا بدأ يرفع من صوته كي يسمع باقي الركاب، ولينال نصيبًا وافرًا من المدح، والإطراء الذي يسعى إليه.

فهم خاطئ

الركاب جميعهم صامتون ولا يتجاوبون معه، وهو يزعق بصوته. قرر هذا الشخص أن يتحدث إلى الركاب عن التعارف توجه إليّ بسؤال عن اسمي. قررت ألا أحرجه وأجبته، لكنه عندما سألني عن معلومات شخصية تفصيلية، قلت له لماذا؟ فبدأ يتحدث عن التعارف، ويقول إن الخروج إلى العمل لم يسنه الله تعالى بغرض السعي للرزق بل كي يتعارف الناس بعضهم إلى بعض، لأن الله سبحانه وتعالى ضمن لنا الرزق، وهو مكتوب لنا وبدأ يقرأ قول الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورةالحجرات -13]

قرأ الآية الكريمة وأخطأ في قراءتها وفسرها على حسب هواه ليدعم الفكرة التي يروج لها وهي التعارف، وبدأ يذكر أسبابًا غير مقنعة، ويتوجه إليّ وإلى باقي الركاب بأهمية أن يتعارف بعضنا إلى بعض ونحن في المواصلات. عندها قاطعته وقلت له يا حضرة الشيخ المحترم، قاطعني قائلاً: لست شيخًا. فقلت له يا حضرة الأستاذ المحترم ركبت السيارة، وفرضت نفسك عليّ وعلى باقي الركاب ولا أحجر عليهم ولا أتحدث بلسانهم فبعضهم قد يكون له رأي آخر، وبدأت تتحدث إليّ ثم ترفع صوتك دون استئذان أو احترام  لخصوصية كل واحد منا، ودون أن تعلم ظروفي وظروف غيري، ومن باب الذوق استمعنا مرغمًين لما تقولا احتراما لآداب الحوار والحديث رغم وجود أخطاء كبيرة فيما تروج له، فضلاً عن ذلك أنت كما قلت لست عالمًا أو داعية أو حتى مؤهلاً كي تتحدث في الأمور الدينية لعدم وجود أي ترابط بين أفكارك فهي عبارة عن كلمة من الشمال وأخرى من الجنوب أو كما نقول بالعامية سمك لبن تمر هندي. كما أن حضرتك لا يتوافر لديك مقومات الواعظ أو الخطيب الناصح فأنت لم تختر الوقت المناسب، والجميع كما ترى إما أنهم نائمون أو بدأوا يضعون السماعات في أذانهم، ولم تستشعر الجو النفسي أو ظروف المحيطين بك كي تلقي بحديثك، وربما كان بيننا من لا يدين بالإسلام، بالإضافة إلى ذلك أسلوب حديثك مهين وتستخدم كلمات سوقية لا يجب قولها وبخاصة في ظل وجود سيدات في السيارة، لديك نوع من الذات العالية ترى فيها أن كلامك فقط هو الصحيح، وانه يرفع من قيمتك، وبالإضافة إلى ذلك تقاطعني في حديثي بين كل جملة أقولها. والواجب عليك احترام خصوصيتنا بدلاً من أن تؤذي أسماعنا بمثل هذا الحديث المغلوط غير المترابط كي تسمنعا نقول لك “الله يفتح عليك يا مولانا، ربنا يزيدك.”

احترام الآخرين

سمعت من بعض أصدقائي أنهم يضعون السماعات في أذانهم حافظًا على سلامهم الداخلي، وكي يتجنبوا الدخول في جدال لا طائل منه. كثيرًا ما نجد أمورًا مشابهة لذلك مثلاً أن نجد من ينظر إلى ورقة أتصفحها، أو في هاتفي وأنا في جالس في المترو، ويمد برأسه كي يلحظ أشياءً متوارية عنه وهذا يحدث مع كثير من ركاب المترو، في بعض الأحيان يحدث ذلك بشكل عفوي، ولا يكون تطفلاً. لكن الواجب على كل منا أن نحترم خصوصياته الآخرين أحوالهم الشخصية، ومشاكلهم، وأسماعهم، وأوقاتهم.

فيديو مقال الله يفتح عليك يا مولانا

أضف تعليقك هنا