السودان الأرض المنسية

بقلم: محمد خضر

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدلله رب العالمين، اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وآله. اللهم أكرمنا ولا تهنا. اللهم ارحم موتانا واغفر لهم. اللهم الطف بنا وبهم. أريد في هذا المقال أن أكتب شيئا عن السودان الحالي الذي كان مجهولا في القرون الوسطى حيث أهمله المماليك ومن بعدهم السلطنة العثمانية. سأتحدث عن قدم حضارات السودان، وتعاقب الممالك وتنوع الأعراق. كذلك أذكرجانبا من أهم الأحداث والوقائع عبرالعصور.

الاسم القديم للسودان

يقال أن السودان أو كما كان يعرف ببلاد النوبة أتى إليه كوش ابن حام بن نوح عليه السلام بعد الطوفان، فاستقر في أرض النيل
مما عرف السودان بـ (بلاد كوش)، وظهرت السلالات النوبية. إلى الآن توجد هذه القبائل في شمال السودان وداخل حدود مصر،
لكنها تزواجت قبل قرون مع الوفود العربية التي هاجرت إلى البلاد.

هناك عرق نوبي لم يختلط، ولم يتمازج مع العرب لذا احتفظ بسماته الإفريقية، أما بقية فروع النوبة فقد تزاوجت، ونتج عن ذلك خليط غريب من الملونين، يشبهون العرب في بعض الصفات إلا أن السمرة تغمرهم. أشهر ملوك النوبة القدماء الملك ترهاقا وبنعانخي، أو ما يعرف بالهكسوس.

وقد ذكروا في التوارة على أنهم يثيرون الهلع، والآن كما قلت من قبل عن العرق النوبي الإفريقي المحض الذي استقر في جنوب غرب السودان، وهو عرق خطير جدا من الناحية التكوينية النفسانية وقاس إلى درجة بعيدة. فهذه صفة متوارثة منذ ألوف الأعوام، هناك آثار مندثرة موجودة إلى الآن في شريط نهرالنيل.

الهجرات العربية إلى السودان

أما عن الهجرات العربية القديمة فهي لم تكن كثيرة قبل دخول الإسلام، لكن مع موجات الفتح الإسلامي وصل المسلمون، وجلهم من العرب إلى عاصمة الدولة النصرانية دنقلا العجوز، لكنهم لم يفتحوها، بل عقدوا اتفاقا شهيرا. هناك مملكة أخرى في وسط السودان هي علوة عاصمتها سوبا انقسمت عن المقرة. مع تموضع السودان في نقطة هامة جدا جغرافيا الاان منطقةبحرالقلزم لم تكن اكثرنشاطا ملاحيا مثل بحر الروم (المتوسط الآن).

لذلك كان وجود العرب في شرق إفريقيا أكثر منه داخل السودان، لكن في القرن الثالث عشر الميلادي سقطت مملكة المقرة، وفتحت الأبواب أمام جموع المهاجرين الذين أتوا بلا رابط يجمعهم، ولا كيان يوحدهم، ولا زعيم يقودهم، بل أتوا أغلبهم بلا زوجات أيام حكم السلطان بيبرس البندقداري. لم ينشؤوا وطنا  ولا عاصمة.

هذه الهجرات إما نتيجة لضيق العيش والبؤس وقسوةالحكام، أو فرار بعضهم من المكوس والعبودية، أو نتيجة للحفاف في مكان ما،
أو بسبب خصب أرض السودان ووجود الكنوز. كيف يمكن للملايين الهجرة بلا دراسة العواقب والاستقرار في أرض بلا مملكة؟ يقال إن الداخلين عاشوا قرنين لا هم مسلمون، ولا هم نصارى.

لكن في القرن السادس عشر الميلادي، ومع عدم تدخل المماليك والدولة العثمانية في السودان الذي كان مجهولا مثل الغابات النائية فكر عدد من الزعماء بتكوين سلطنة ومحاربة دولة علوة. فعلا انتصروا عليها، وحطموها، وكوّنوا دولة سنار مع حكم شبه ذاتي للقبائل في الخرطوم وشمال السودان.

عهد محمد علي باشا

الخرطوم في تلك اللحظة لم تكن موجودة. ظهرت دولة سناردولة إسلامية. زارها كبار العلماء فقط، لم تمتلك الدولة أي سلاح ناري ولا حضارة عالمية، بل دولة عادية ليس لها أصدقاء ولاحلفاء. هذا الأمر أثر على السودان إلى الآن، لكن بعد قرون مع ظهور محمد علي باشا، وعندما فتح السودان جعل من الخرطوم عاصمة وبدأت الوفود العالمية في المجيئ إلى السودان الذي أصبح مشهورا بعض الشيء. لكن تحت الاحتلال التركي في تلك الفترة ظهرالسودان الخديث الذي عانى من شدة سطوة الحكام الخديوية ومدراء الأقاليم.

نشطت تجارةالرق، لم يستطع السودانيون المقاومة إلى أن حاء أكبر زعيم إسلامي هو مدعي المهدوية محمد أحمد المهدي الذي حارب الأتراك مع حلفائهم الإنجليز، وهزمهم، وطردهم، ثم مات هذا المهدوي، فخلفه نائبه التعايشي الذي كرهه عامة الشعب لذا استنجدوا بالإنجليز بقيادة كتشنر، فقتل التعايشي منهيا الدولةالمهدية.

منذ ذلك الحدث صار السودان محتلا من قبل المصريين والبريطانيين. انظروا إلى تركيبة الشعب كيف يستنجد بالعدو من أجل إقالة الحاكم الظالم، بعد الاستقلال دخل السودان في وضع محرج، خزينة خاوية، مواردشحيحة، شعب متنافر همحي عنصري بربري فوضوي متناحر سطحي، إلا قلة مميزون.

التحزب على أسس دينية ودنيوية 

ظهرت الحزبية المبنية على أساس ديني وعلى أساس دنيوي، لم يعرف الشعب يوما معنى الوحدة، بل يعبدالمعارضة عبادة.
ساءت الأوضاع والحكومات غير العسكرية عجزت عن إدارة البلاد، مما اضطر بعض الضباط إلى قلب الحكم ومسك السلطة. كانت ردة فعل الشعب عنيفة جدا، حيث لا يريدون أي حاكم عسكري يفرض عليهم قانون الطوارئ.

صار نظام الحكم عسكريا، ثم انتفاضة ثم حكومة انتقالية ثم حكم ديمقراطي، وأخيرا ثورة عسكرية إلى الآن. محال أن يتوحد الشعب السوداني نسبة لتباين العادات والثقافات واللهجات، مع وجود نعرات وعصبيات أدت إلى قيام حرب أهلية قضت على الأخضر واليابس. مات بسببها أكثر من عشرة ملايين.

الآن اتضح الأمرجليا الحكومة جلهامن العرب الذين تعمدوا إبعاد سكان البلاد الأصليين، مما دفع بهم إلى قيام جبهة ثورية ضد الحزب الحاكم، وما تزال المعارك مشتعلة إلى اليوم. لا يوجد دستور للبلاد، قد تستغرب من وجود شعب بلا قانون يحكم دولته إلا أن قوة وبطش وحنكة الحكومة استطاعت تسيير الأمور حسب هواها. أغلب أهل السودان مسلمون، لكن يختلف فهمهم للإسلام من شخص لآخر، هناك قلة تر أن الإسلام يشمل كل جوانب الحياة، أما فئة أخرى ترى أن الدين ينحصر في العبادات فقط.

وهناك المعارصون للدولة الدينية الذين يرون أن الدين يجب أن يفصل عن الدولة. هذه أفكار الأحزاب السياسية التي على ضوئها ينتمي أعضاؤها للحزب. كيف يمكن حكم يلد كالسودان؟ لا بد من وضع حلول جذرية عاجلة لإخراج السودان من منحته. لكن وجود العنصرية والعصبية يزيد الأمر سوءا، فلا حل بالأسباب العادية إلا حل خارق.

يعيش السودان أزمةاقتصادية حادة أفقرت البلاد والعباد، حيث هاجر ملايين الناس إلى الدول الأخرى مع مجيئ ملايين آخرين من إفريقيا وآسيا إلى هذا البلد الفقير، لكنْ هناك سودانيون أغنياء جدا لهم نفوذ كبير، هم المسيطرون على زمام الأمور هم المشعلون للحروب. لا أحد يعرف من هو حاكم السودان الحقيقي، ولا كيف يدار.

ظهر جنرال فجأة على الساحة، هو الفريق المختفي طه عثمان الحسين، الذي كان يشغل مدير مكتب الرئيس كان هو الحاكم الفعلي للسودان عقد اتفاقيات خفية بينه وبين السعودية لدرجة أن ترامب قابله في السعودية فرحا مسرورا.
لكن حظثت انورغامضةدعته الي الفرارمن البلاد. وهذا غيض من فيض.

حسن الترابي

أكبر زعيم سوداني له أثرب الغ في الوضع السياسي هو الراحل حسن الترابي زعيم الخركة الإسلامية الذي اقاله البشير من منصبه وأبعده مسدلا الستار على اكبر نفوذ في العالم بعد الخميني، طبيعة الشعب السوداني غربية الاطوار تيقنوا أن هذه الحكومة قمعية لا تساوم، ولا تفاوض، ولا تعترف بمعارضة. مما ألجأ البعض إلى مهادنتها والانضمام إليها.

فأصرت على مبادئ الحزب الحاكم الذي صار يجامل ويمالئ اعداءه لكسب رضاهم، فتنازل عن كثير من مبادئه الإسلامية، لكن مع ذلك هناك معارضون رفضوا أي وجه للتفاوض مع الحكومة، مما أدى إلى قيام نزاع مسلح لا ينتهي إلا بعد فوات الأوان. .يوجد ملايين من العاطلين عن العمل، وبلا مواصلة تعليم، وبلازواج. ظهرت الواسطة والمحسوبية واحتكار المناصب، هناك شركات قطاع خاص لا تعين إلا العرب فقط أما الأفارقة فلا.

كيف نهرب من السودان وإلى أين؟

قامت السعودية بتضييق الخناق على المقيمين بفرض مكوس عليهم، مما اضطر البعض إلى ترك السعودية بلا عودة هؤلاء يأتون إلى السودان ليجدوا دولة منهارة اقتصاديا واجتماعيا وفكريا. أنا لا أكره دولتي، لكن أزماتنا معقدة أدى الفقر إلى تشريد الأسر والأفراد وجنوح البعض إلى الإجرام، هجر الأغلبية مزارعهم، ولجؤوا إلى العاصمة يعملون في مهن لا تسد الرمق حتى امتهنت النساء اشغالا تخص الرجال.

يموت الألوف من شدة المرض العضال والجوع، وكثرت الأمراض النفسية والمشاكل الهائلة الأسرية، شاع الطلاق، وكثر اللقطاء، عم الفساد مؤسسات الدولة من الكبار لهم أربع زوجات، ويغتصبون المتزوجات والفتيات. نهبوا أموال الدولة، أعلن الإفلاس،
نزح بعض السكان، ترك أبناؤهم المدارس صار الشعب طبقتين أغنياء وفقراء. من الناس من دخله دولار في اليوم، وهناك من ينهب مليون دولار في الشهر.

لو اهتمت الدول الإسلامية قديما بالسودان لصار في مصاف الدول الكبرى وإلى الآن توجد أماكن مجهولة في السودان. الحكومة لا تهتم إلا بصفوة من قياديي المؤتمر الوطني هم نخبة النخبة فقط، أما الفقراء فرزقهم من عمل يدهم كل ما حصل من سوء وشر في الماضي حاصل اليوم في السودان.

تعجب الشعب من طول أمد الحكومة وطول أعمار منسوبيها

قال بعض مغروري النظام: إنهم باقون إلى أن يسلموا الحكم إلى المهدي، ناسين أنهم يؤمنون بالمهدي الذي ظهر في١٨٨٢م
الغريب في الأمر أن أمريكا كارهة الإسلاميين عجزت عن إقالة الحكومة حتى قال الشعب إن الحكومة تتعامل بالسحر الأسود. صحيح أن ثلثي الشعب متصوف أو مهرق أو مشعوذ أو متبع الدجالين.

الرئيس له قطب صوفي يتعامل مع الجن أخبره أنه يبقي في الحكم اكثرمن ٣٢سنة، وهناك ما يعرف يـ “الفكي” تحريف “الفقيه” وهو شخص نصاب كذاب أفاك مجرم داعر عاهر فاجر، يستدرج الحسناوات موهما إياهن أنه يعمل الخوارق لحل مشاكلهن المستعصية، وأكثر هؤلاء كانوا في الخليج نسبة لثراء تلك الشعوب وجهلهم بأحكام الدين.

هكذا عاش السودان، وسيعيش في دوامة من المآسي والأحزان. كانت تلك نبذة عن أحوال السودان عبر التاريخ. تحدثنا خلالها عن التركيبة السكانية وأوضاع البلاد المختلفة وعوامل تأخرالسودان، لكني لست من الذين يتبعون عورات الشعوب إلا أن الواقع المر يدفعني أن أوضح الوقائع حتى يعرف العالم عن السودان الأرض التي لم تجد من يحكمها بإخلاص ووفاء.
أيهاالمتروكون الفقراء لكم الله الذي لا ينساكم.

بقلم: محمد خضر

أضف تعليقك هنا