فن الحائط؛ وضع كل شيء في شكل منظم أو غير منظم يعطي شكلا ما قد يكون غريبا نسبياً، لكن هذا الشكل قد يلفت نظرك لقصة حياة كاملة يسردها هذا الحائط، هذا ما يميز كل حائط يقع في محل، دكان أو ركن في زقاق صغير يرزق صاحبه بما يكفيه من عشرات السنين. من العادات القديمة لملاك المحلات في مصر وضع آيات من القرآن الكريم والإنجيل كنوع من المباركة، وضع صور لأفراد عائلتهم و في الأغلب هم أصحاب المحل الأصليين أو وضع صفحات من جرائد قد كان الخبر التي تحتويه الجريدة نقطة تحول في حياة صاحب المحل. إنها قصة قصة يتم سردها على حائط قد تدهشك لأيام أو تجعلك تبتسم من قدم محتويات هذا الحائط، تعطيك القدرة على توقع عمر هذا المكان عن طريق رؤية حائطه فقط. بكل ما يحمله هذا الحائط من تناقضات و فوضى في تنظيمه؛ ستظل هذه عادة فنية لا يمكن التخلي عنها بمصر.
وسط القاهرة أو المعروف ب”وسط البلد” كان دائماً هو المكان الأول لفن يطلق عليه “فن الشارع”، تصميم عمراني عتيق ينقل من يعبر بهذا المكان إلى عصر الملكية وما قبله عن طريق نظره للحائط الذي تفكك دهانه أو تشتقت جدرانه لقدمه حتى يعطيك صورة تخيلية لهذا المكان قبل زيارتك له بمائة عام؛ كان يعتبر هذا المكان الأول من نوعه في مصر ليستضيف الكثير من المعارض الفنية، محلات الملابس الفاخرة، و يضم الكثير من أفراد المجتمع الأعلى من القرن التاسع عشر حتى سقوط الملكية، فقط ليصبح الساحة الجديدة للنضال الشعبي من بعد ظهور النظام الجمهوري. كانت هذه هي الجوهرة العتيقة التي تركها لنا أجدادنا لغرس روح الوطنية في قلوبنا و مدها للأجيال القادمة، فقد رأى هذا المكان بدايات لكل تغيير سياسي حدث في العاصمة؛ و لقد رأى أكثر مما تتخيل.
يتغير النظام و الوقت و الزمان ولكن لا تتغير الجدران؛ قد يتغير الأفراد و لكن تبقى نفس الروح لتطغى على نفس المكان، نفس الحائط و نفس الشخص يجلس من سبعينيات القرن الماضي و قد استبدل الصحيفة بما يعرف الآن بالهاتف الذكي، لم يتغير نمط حياته حتى بعد أن استبدل صحيفته المفضلة بهاتف بل ظل يجلس في نفس المكان التي تعلقت به روحه منذ أن وطأت قدمه هذا المكان. نفس صور الزعماء المشهورين في حقبة المقهى الزمنية لتغطي الحوائط، نفس أصوات فيروز و أم كلثوم و عبد الحليم لتطرب أذن الرواد و وجه مألوف يدير المكان من عائلة صاحب المقهى.
تغيرت الأوضاع و الظروف و لم ينس أحدنا أصل مكانه؛ كيف كان يبدو و يظهر للناس من قبل أن نظهر نحن، لم نتخل عن تصور من سبقونا في الزمان و لم نغير شيئا كان خاصاً لهم، تعمدنا الحفاظ على شكل كل شيء لنحافظ على تراثنا حتى لو كان مجرد حائط بأماكن قد لا تبدو مهمة لك و لكن مهمة لأصحابها و روادها؛ مهمة بحفاظها على شكلها و مهمة بحب الناس للجدران و الحوائط. فلم ينس أي مالك لهذه الأماكن ما ساهم في نجاحه، بشكر الله و وضع آية أو بشكر عائلته ووضع صورة لمن ورث عنه المكان فهو لم ينس و لا نحن ننسى و لم تكن في هذه الحالة آفة حارتنا النسيان.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد