قد يبدو لك عزيزي القارئ من الوهلة الأولى أن الحديث سيكون عن إحدى الأمراض العضوية التي يطلق عليها مرض العصر كمرض السكري أو الاكتئاب أو السمنة وغير ذلك من أمراض قد انتشرت حول العالم حتي سُميت بمرض العصر بسبب كثرة إنتشارها.
ولكن من وجهة نظرٍ بسيطة مرض العصر الذي انتشر في كل مكان ولم ننتبه بأن ذلك المرض هو أساس أمراض العصر العضوية ألا وهو (القتل المعنوي – قتل وإيذاء المشاعر الإنسانية).
وهذا المرض اللعين سوف يدمر البشرية إذا لم يتم مواجهته والقضاء عليه، بل سيدمر روابط المجتمعات ويفتك بأفرادها فردًا فردًا حتي ينهار المجتمع بلا وعيٍ منا ولا إدراك، فمن المحتمل أن يقول قائل: هل القتل المعنوي يدمر مجتمعات؟ والرد على ذلك بسيط جدًا فالأمل، واليأس، والفرح، والحزن ما هي إلا مشاعر وأحاسيس، إذا تم الاعتداء على المشاعر والأحاسيس، تؤدي بطبيعة الحال إلى واحدة من تلك المشاعر.
فلابد للإنسان من انفعال بعد كل موقف وحديث، وتلك الانفعالات هي أساس تشكيل شخصية الفرد وتفكيره، وبالطبع سوف يؤثر علي سلوكه، ومن هنا يبدأ المجتمع في الانهيار أو البناء الحضاري المتكامل، وذلك كله يعتمد على سلوك الفرد الذي تأثرت مشاعره وأحاسيسه بسلوك أفراد آخرين، ثم تفاعل معها، ثم أخذ بتشكيل وبناء سلوكه حسب الانفعالات التي قررها العقل أن تكون منهجًا حياتيًا للفرد، ومن ثم تصبح أفكارًا راسخة في الوجدان، ثم تصير سلوكًا فرديًا من ضمن سلوكيات أفراد آخرين يشكلوا نواة المجتمع، فتأثر الفرد ولو بسيط حتمًا سيؤثر على المجتمع ولو بعد أمدٍ طويل، وهذا ما نجنيه الآن في مجتمعاتنا العربية من أخلاقٍ وقيمٍ وسلوكياتٍ.
فحتى يتضح المقال، فلابد من مثالٍ يقرب مقصدي إلى الأذهان، إذا ما تحدثنا إلى شخصٍ ما وإذ فجأة قال كلمةً أشعلت مشاعرك، وحفزت هرمونات جسدك، وقلبت موازين فكرك في لحظة واحدة تغير كل شيء في بدنك وأقصد هنا (المشاعر الإيجابية أو السلبية)، ولكني أركز هنا على المشاعر السلبية لا بحثًا عن الإحباط، ولكن بحثًا عن الأسباب المؤدية إلى مرض العصر.
فحديثي هذا رسالة واعتذار مني إلى كل مريض بمرض العصر (القتل المعنوي) محاولة مني بمد يد العون لمريض الاكتئاب وكل الأمراض النفسية التي هي إما ( عامل وراثي أو جانب اجتماعي )، فالجانب الوراثي يعالجه الأطباء أما الجانب الاجتماعي الذي هو أساس إثارة كيمياء الدماغ والتأثير عليها إما بالسلب أو بالإيجاب.
وبعد تلك التنويهات البسيطة حول مرض العصر، وأسبابه، و أثاره علي الفرد والمجتمع سوف أتطرق إلى التفصيل، والدخول إلى أعماق رد فعل العقل أثناء تلك اللحظة التي تلقي فيها (المقتول معنويًا) صدمة، (والصدمة و رد فعل العقل درجات لا تستوي عند كل الأفراد، ولكني هنا أتحدث عن المريض بمرض العصر و ألقي الضوء على أسباب و تبعات ومخاطر مرض العصر) أوجعت قلبه وأثارت مشاعره فتأثر الجسد عضويًا بتحفيز هرمون الأدرينالين، ومعنويًا بصدمة المشاعر وتخبط الأفكار، ومن ثم يبحث العقل فورًا عن شيء ليطمئن به أعضاء الجسم و يهدئ من روع وانفعال (المقتول معنويًا)، فإما أن يصمت أمام (القاتل معنويًا) وبعد ذلك يبدأ العقل في تأنيب أو تأديب (المقتول معنويًا) بسيلٍ من الأسئلة الصراعية … لماذا لم ترد عليه؟ لماذا لم تنبهه بألا يصح ذلك؟ لماذا لماذا لماذا…….؟
وينتهي هذا الصراع باعتقاد أنك قد نسيت الأمر ولكن هنا تكمن المشكلة فالعقل اللاواعي لا ينسى شيئًا ولو كان تافهًا من وجهة نظرك أو وجهة نظر الآخرين، فيقوم العقل اللاواعي باتخاذ قرارات دون أن يشعرك من شأنها تغيير سلوكك، وبدون أي تدخل لك فيها فالعقل اللاواعي سوف يتصرف عنك في المرة أو الصدمة القادمة، فيرد ردًّا عنيفًا على أي شخص أخر حاول أن يسلك سلوك (القاتل المعنوي السابق)، وأحيانًا كثيرة يكون لدينا أناس قريبة جدًا منا وأثناء الحديث معهم وبدون قصدٍ منهم يتحدثون بنية طيبة لا شائبة فيها ويكون رد فعلنا عليها غير متوقع، بل أحيانًا يوصف بأنه لا يحتمل كل هذا الغضب والانفعال وبالطبع هذا ليس بسبب الموقف الحالي ولكن لا شعوريًّا بسبب القرار والخبرة التي جعلت العقل اللاواعي يرد بالنيابة عن عقلك الواعي.
وهكذا يومًا بعد يومٍ يستقي العقل اللاواعي تلك الخبرات حتي يؤثر بها على مشاعرنا و قلوبنا حتي نصل أحيانًا إلى درجة جمود القلب والمشاعر، وبعد ذلك يسأل الفرد نفسه لماذا أشعر بالضيق في قلبي أو صدري، فيبدأ في البحث عن ذلك فمنهم من يقول: (وساوس الشيطان)، ومنهم من يقول: (أن شيئًا ما قد أحزنك)، ولكن مع الأسف تلك المشاعر المؤلمة نتيجة كلمات وتصرفات بعض (القاتلين المعنويين) وتظل دفينة بداخلنا
وبالطبع أكثر من يتأثر بتلك المشاعر المؤلمة منذ الصغر ويترتب عليها ما لا يتوقعه أحد هم الأطفال، تلك الأزهار التي تُضرَب يمينًا ويسارًا برياح العنف والتقليل والتهميش حتي تذبل ولا يشعر بها أحد، ثم نتساءل لماذا أطفالنا عصبيون لا يذاكرون، لا يسمعون لنا، وهذا أمرٌ بديهي هم سمعوا منكم الكثير من العنف والأذى النفسي لذا فهم لم يكن لديهم قابلية أخري لأن يغيروا ما تركتم لديهم من خبرات عنكم، فقد فقدوا ثقتهم بكم مما تعرضوا له منكم، ويبدأ الطفل أو الكبير في البحث في مشوار الحياة عن أحدٍ يكون محل ثقة، فيبدأ العقل اللاواعي بتخزين كل تلك الخبرات فصدمة بعد صدمة و ركلة بعد ركلة حتي نصبح بلا مشاعر طفولية نقية لأننا (قُتِلنا معنويًا).
وبعد هذا (القتل المعنوي) إما يتحول الفرد إلى (مقتول معنوي) دائمًا فيصبح مريض بالاكتئاب أو الإحباط أو اليأس والحزن وإما يتحول إلى فرد آخر إلى (قاتل معنوي جديد) نتيجة رد فعل العقل اللاواعي الذي اتخذ قرارًا بألا يصبح (مقتول معنوي) مرة أخرى، ومع مرور الأيام تتغير شخصية الفرد ومن ثم سلوكه، وهذا الذي جعل من مجتمعاتنا إما جاني أو مجني عليه وآخرون يحاولون موازنة الأمور بإعادة الفرد إلى فطرته وطبيعته الأولى النقية ومن هؤلاء الناس (أخصائيين اجتماعيين و علماء نفس واجتماع و مدربين تنمية بشرية) لإصلاح ما أفسده (القاتلون المعنويون) فلما كل هذا.
فكان من الأصلح لمجتمعاتنا التصدي لتلك القتلة الذين أفسدوا مشاعر و تفكير الآخريين بسبب كلماتهم وتصرفاتهم التي أذت مشاعر الأخرين
ومن أمثلة ذلك الفساد (بعض الإعلام الفاسد سواء مرئي أو مسموع أو مقروء) فهم يطعنون القيم ويبدلون الأخلاق ويشيعون الفساد بكلمات أو بآراءٍ و تصرفات تبدو للناس بأنها قدوة يقتدي بها، فيتبدل الإحساس ويتبادل الفكر وينعكس السلوك على المجتمع.
فما كان من قبل كلامًا قبيحًا وسلوكًا سيئًا مرفوض أصبح اليوم مألوفًا في حياتنا لأن مشاعرنا وأفكارنا تم طعنها والفتك بها وقتلها أبشع قتلة حتى أصبحنا مختلفين في المبادئ والقيم والأخلاق، وهذا ما حدث في عصرنا الحديث الذي لم يكن فيه الإنسان إلا قديمًا وكأنه يتعلم من جديد ما الذي يصح وما لا يصح، وأي منطق أتبع وأي مذهب على صواب وأيهم على خطأ، فاختلط كل شيء بشيء، وتشتت الفكر حتى أصبح الفرد يخلق لنفسه مبادئ وقيم بل ومنطق مختلف عن الآخر، فلا نجتمع على رأي واحد ولا منطق واحد، واختلفنا في كل شيء وتفكك المجتمع بسبب مرض العصر.
وأصبح كل فرد يبحث عن منهج (يستقي منه الأخلاق والمبادئ والفكر الذي يخرج المجتمع من أعماق التخلف والجهل والمستنقع الأخلاقي الذي وصلت إليه مجتمعاتنا من سلوكيات وسياسات وأفكار) فمنا من ذهب إلى المنهج الإسلامي بتفرعاته، ومنا من اتخذ المنهج العلماني بتفرعاته، ومنهم من اتخذ المذهب والمنهج الغربي صريحًا واضحًا دون الاعتبارات العرقية العربية المتأصلة بداخلنا، وكل يبحث عن منهج ينهجه حتى أصبحنا مع الأسف في دوامة تائهين بين ما المنهج الذي يصلح شؤوننا أخلاقيًّا وسلوكيًا، وما المنهج الذي نصلح به شؤونا السياسية و الاقتصادية ولو تأملنا قليلًا لوجدنا أن ما يصلح شؤون و مبادئ وأخلاق وسلوك الأفراد هو نفسه الذي ينتج عنه سياسيين واقتصاديين ومفكرين ومسؤولين صالحين.
ولإصلاح ما تم إفساده بقصدٍ أو غير قصد
إلى من يقرأ كلماتي هذه من فضلك حافظ على مشاعر الآخريين حتى يحافظوا على مشاعرك وانتقي كلماتك حتى تنشر البهجة والسرور فيمن تحدث فكن مصلحًا بكلمتك الرقيقة التي تبعث الأمل وتعين الناس على النشاط والعمل ولا تكن (قاتلًا) مفسدًا بكلمتك مشاعر الفرد التي تودي بالمجتمع للانهيار والإحباط النفسي الذي يهدم الإنسان.
إهداء إلى كل من يأمل أو ينتظر كلمة طيبة تشعره بالسعادة والطمأنينة و تنعش روحه وقلبه كالذي أخذ بيد غريق ليس لديه إلا أنفاس قليلة فوجد من أنقذه من ظلمة الموت إلى نور الحياة.
ورجاء من كل طبيب أو أخصائي نفسي أو كل من له في عائلته أو أصدقائه مريض نفسي أرجوك العلاج الدوائي ليس كافيًا لابد من العلاج المعنوي ببعض الكلمات الحنونة و بعض كلمات الحب والاحتضان والأبوة والأمومة والأخوة والصداقة سوف تحيي ميتًا مدفون في مقبرة الاكتئاب والقلق والخوف والرهاب وكل تلك الأمراض النفسية اللعينة وتخرجه إلى ضياء الشمس وإلى رحيق الورود وجمال الطبيعة الخلابة .
مع خالص شكري وامتناني للقارئ العزيز المحترم القدير
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد