لا للازدراء

ازدراء الأديان

سنة 1926 رفعت قضية من “مؤسسة الأزهر” ضد الروائي “طه حسين” بتهمة “إزدراء الدين”، كما و رفعت قضية ضد المفكر “نصر حامد أبو زيد” بنفس التهمة فقضت المحكمة المصرية بتطليقه من زوجته رغماً عنه وعنها وتهجيره من بلده، وفي الثامن من شهر جوان سنة 1992 سقط المفكر المصري “فرج علي فوده” -صاحب كتاب “قبل السقوط” والذي طبع في تونس فقط 14 مرة- قتيلاً برصاص “جماعة الجهاد الإسلامية المصرية” بعد أن أفتوا بهدر دمه مدعين أنه ازدرى الدين الإسلامي والأسوأ من خبر اغتياله -الذي كان منتظرا- هو أن قاتليه لم يقرأوا حرفاً مما كتب، بل إنهم انساقوا وراء فتوى كبيرهم.

و قريباً ليس بعيدا، تم حجز كتاب “رب الزمان” للكاتب والدكتور “سيد محمود القمني” ورفعت ضده قضية من “مؤسسة الأزهر” بتهمة “الإزدراء” و “الكفر” أيضاً، فأحيل على القضاء في جلسة محاكمة تاريخية من التاسعة صباحاً إلى تمام العاشرة ليلاً حيث ناقش القضاة جميع التقارير التي تقدمت بها “مؤسسة الأزهر” وأحيلت القضية إلى “محكمة شمال القاهرة” وهناك أصدر القاضي بالإفراج عن المتهم وعن مطبوعاته المحجوزة قائلاً أن الخلاف بينه و بين المؤسسة الآنف ذكرها إنما هو خلافاً فكرياً ليس عقائديا، وأن المفكر لم يكفر وأن الأزهر كفرّه دون أن يفكر، وهذا الخلاف يحسم في جلسات الحوار وليس في المحاكم….

و تواصلت هذه التهم التي تقمع المفكرين فتسجنهم أو ترحلهم أو تغتالهم وتهدر دماء الملحدين، حيث تعرض “أحمد حرقان” الشاب المصري الملحد للتعنيف من طرف رجال الشرطة المصرية عندما التجأ إليهم لحمايته هارباً هو وزوجته من مجموعة يريدون رأسه ورأس زوجته لأنهم “مرتدين” على حد زعمهم إلى أن أجهضت الزوجة صغيرها، و خرجت فتاوى بإهدار دمه وأخرى بسجنه فقط لأنه باح بكفره وعبر عن رأيه، كما وتلقى الروائي و الكاتب والباحث في الدراسات الإسلامية والبروفيسور بجامعة ميونخ الألمانية “حامد عبد الصمد” فتاوى بإهدار دمه وأخرى بسجنه وسجن فعلا لأنه كما يقولون “مرتد”.

وقامت جماعات سلفية متشددة بتوزيع بطاقات على شبابهم عليها صورة المفكر “حامد عبد الصمد” وعنوان إقامته ووضع على صورته ختم كتب عليه “مطلوب ميتا” كما و سجن المفكر إسلام البحيري رئيس مركز الدراسات الإسلامية بمؤسسة “اليوم السابع” قبل أن يعاد النظر في القضية و يبرأ منها بحكم نهائي بات عملاً بنفس المادة “ازدراء الأديان”. وفي تونس، كفر الدكتور والكاتب “محمد الطالبي” وكفر المفكر “يوسف الصديق”،…. و أفتى بعض الشيوخ المتشددين بهدر دمائهم زاعمين أنهم مزدرين للدين الإسلامي.
كانت هذه نبذة عن ما يتعرض له المفكرون من اضطهاد وقمع باسم الدفاع عن الدين و عملا بهذه المادة الغريبة، ثم نسأل لم نحن تخلفنا فكريا وحضاريا عن باقي الأمم؟ و نسأل من أين يأتي الإرهاب؟

عيوب المادة:

في هذه المادة، عيبان اثنان، الأول هو هدفها، فالواضح من كلمة “الأديان” في اسمها أنها وضعت لحماية الأديان فقط و بعض المؤمنين، و هذا نقص كبير و ظلم و جور و قهر و تعد على كرامة الكثير من الناس. فعلى سبيل المثال، في دول أغلبيتها مسلمة يزدري المسلم باقي الأديان دون أن يشعر و من حقه أن يصرح بإيمانه وأن يقول أن محمدا صلى الله عليه وسلم أشرف وأعظم الخلق ولا يرى في ذلك تعد على كرامة المسيح “عيسى بن مريم” عليه السلام وإهانة له ومس لكرامة من يقدسه ويره إلها يستحق الاحترام، وأكثر من ذلك، لا يحق للمسيحي أن يقول أن المسيح عيسى بن مريم أشرف الخلق لأنه يمس كرامة المسلم ويمس كرامة محمد صلى الله عليه و سلم، كما لا يحق للبوذي مثلاً أن يصرح بدينه و لا أن يدعي أن بوذا أشرف الخلق كما يعتقد، فذلك يعتبر مس و تعد على كرامة محمد صلى الله عليه و سلم و قد يهدر دمه و قد يسجن في دولة إسلامية و الغريب أن المسلمين يزدرون الأديان الأخرى و لا عيب في ذلك. والعيب الثاني في هذه المادة هو أن الجريمة غير محددة و غير معرفة إطلاقاً، فعلى سبيل المثال، مادة “ازدراء الأديان” التي سجن بها القاضي “إسلام البحيري” هي نفس المادة التي برأه بها قاض آخر في جلسة أخرى ولكن في نفس القضية التي رفعت ضده من طرف مؤسسة الأزهر إثر تقديمه لبرنامج “مع إسلام” على فضائية “القاهرة والناس”.
هكذا إذن، أصبحت الجريمة التي يعاقب مرتكبها بمادة ازدراء الأديان غير معرفة، وعليه، أصبحت تجول في مخيلاتنا أسئلة كثيرة. فيا ترى ما الذي كتبه طه حسين، ما الذي كتبه نصر حامد أبو زيد، ما الذي كتبه فرج على فوده وسيد محمود القمني وإسلام البحيري وحامد عبد الصمد……..؟!
ما الجريمة التي ارتكبها كل هؤلاء لتهدر دماء بعضهم ويسجن بعضهم ويرحل بعضهم ويعيش البعض الآخر في خوف وتحت الحماية المشددة…..؟!

دعوتي:

من هنا، أطالب -أولا و قبل كل شيء- بتعديل هذه المادة بتغيير اسمها “إزدراء المقدسات” عوض “ازدراء الأديان”، فبوذا الذي يقدسه البوذيون لا يعترف به المسلمون ولا يعترفون بالبوذية كدين أصلاً، ولذلك يجب على كل إنسان أن يحترم المختلفين وعقيدتهم إذ أن احترام المقدسات واجب عل على كل إنسان مهما كانت ديانته وعقيدته كيلا يمس أحد منا كرامة الآخر ولا نقع في حروب ليست في صالحنا، فالمقدس كرامة، والكرامة لا مساس بها.
ثانيا، يجب أن نضع تعريفاً واضحاً وصريحاً لهذه المادة، إذ أنه لا أحد يعرف الازدراء كما يعرفه غيره…. و من باب الإجتهاد، أرى أن الازدراء يتمثل في شيء واحد هو السخرية من المقدسات وإنكارها بنبرة ساخرة أمام المؤمنين بهذه العقيدة وهذا المقدس، وباقي ما تبقى هو مكفول للجميع و لا إثم في ذلك، فحرية التأويل مكفولة للجميع، وحرية التعبير مكفولة للجميع، و حرية النقد، و حرية الإيمان و الإعتقاد….. كلها حريات مكفولة للجميع و لا إثم في ذلك.
ثالثا، أطالب بتوعية الشعوب وتعليمها احترام الحريات الفردية لتصبح الأخلاق رادعنا وحاكمنا، فالدول المتحضرة لا يحكمها القانون بقدر ما تحكمها الأخلاق. علموا أبنائكم الإحترام و أن للحرية حدود و أن إحترام الآخر حق مقدس كما تقدس الأديان و العقائد، يومها لن نكون بحاجة لمادة إسمها إزدراء الأديان التي هي منحازة لبعض الأديان على حساب الآخرين، ولا حتى بحاجة لمادة تسمى إزدراء المقدسات.

فيديو مقال لا للازدراء

أضف تعليقك هنا