ردة حضارية

قف، إن التاريخ لن ينسى لك ما ارتكبت، وإن الدين سيتطهر يوماً من أمثالك الذين يرتدون عباءته، ويختبئون تحت لوائه، ويبررون أفعالهم بقواعدٍ مبتدعة من صميم عقولهم المريضة.

تعامل رجال الدين مع المسميات الفكرية الجديدة بشأن الدين

تتوالى العصور، وتتعاقب الأزمان، وتختلف معها الأحداث، ولكنها تتشابه فى المجمل أهدافاً و أسباباً. تختلف الأطراف المتنازعة شكلاً وموضوعاً عن سابقيها، ولكن العقليات متكررة: فعقلية صالحة تسعى للعلم، وطرد أشباح الخرافات، وعقليات أخرى تبغي سيادة الجهل لكي يصلوا إلى قيادةٍ مُضلة، فترى طرقاً خربة منفتحةً أبوابها أمام أشخاصٍ ألغوا عُقولهم، فازداد الظلامُ أمامَ عيونهم، فأصبحوا مُنقادين من أعناقِهم إلى أُفقٍ ضيق الملامح ليس لهم عليه من سلطان، فينطبق على حقبتِهم الزمنية الردة الحضارية.
رجال الدين لا يجب أن يكونوا حُجةً علي أديانِهم. جملةٌ واحدة إذا فُهٍمَت أراحت بال الكثيرين، وأزالت خلافات كثيرة حول بعضِ المصطلحات التي فى مُجمَلِها لا تتعارض مع مفاهيمِ الدين.

نظرة المجتمعات إلى الأديان

في عشرينيات القرن الماضي، رشح أحمد لطفي السيد نفسه لمقعدٍ في مجلس النواب أمام رجل يدّعي أنه من رجال الدين، و أنه حريصٌ علي تطبيق شرع الله. فأخذ يصول و يجول في جميع أنحاء الدائرة يدعو الناس لانتخابه، و عدم انتخاب منافسه؛ لأنه يتبع الديموقراطية (لا سمح الله) باعتبارها مبدأ إلحادي دخيل، ومرجع من مراجع الوثنية في مخيلته. فما كان من الحشد لجهلهم إلا اتباعه، وترديد هذه الترنيمات.

و إذا عدنا بالزمن إلى القرن الرابع والخامس الميلادي، سنجد أنه تم قتل الكثيرين بعد أن وافقت الدولة الرومانية على القبول بالديانة المسيحية كإحدى الديانات الرسمية للدولة؛ وذلك لاستخدامهم الفلسفة والعلم لتصحيح مفاهيم كثيرة نشرها رجال الدين المسيحي مع علمهم بانعدام منطقيتها؛ وذلك لخدمة مصالحهم الشخصية.

من يرى تلك الأحداث، ويقرأ تلك الوقائع ممن ينتمون إلى أديان أٌخرى وثنيةً كانت أم إلحادية دون تفقه أو دراية فى الأديان، يعتقد يقيناً أن تلك الأديان ما هي إلا مجموعةٌ من البدعِ و الخرافات، وأنه لا يجب السير خلفها.

ومن كان في الأساسِ مؤمناً بها، و لكن ليس على علمٍ كاملٍ بأصولها، فسوف يرغب دائما في فصلها عن أمور الدنيا؛ خوفاً من سوء استخدامها لعدم وجود الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، أو من يستطيع أن يحكم بوحي من الله.

خصوصية الدين

الدين هو دستور، و منهج ٌمقدس، بل هو أُسلوب حياة وضح كافة تفاصيل الدُنيا و شؤونِها، و لكنه ليس حكراً على أحد إلا من درسه و أمعن فى فهمه و تطبيقه، فهو الوحيد من له حق البت في أمره، والتحدث بلسانه. أما عن إطلاق العقل للتفكير فى كافة أموره فهو أمرٌ متاحٌ للجميع.

أما من يدعون إلتزامهم به لتسيير العقول باسم الدين، فهِؤلاء هم من يشوهون و يعبثون. ولذلك السماح بأخذ الدين الآن وسيلةً لتسيير بعض الأمور من قبل بعض الاشخاص أمرٌ لا يمكن التهاون به، لا لعيبٍ في الدين ذاته، ولكن لعيب في العقول ونقص في النفوس.
إن الأديان لا تتنافى مع العقلِ، لكن من يدعو امتلاكه من غير الدارسين الواعين هم من ينحازون بالدين عن عقلانيته ومنطقيته، ويفرحون بالجهل وخراب العقول لسهولة قيادتها والتحكم بها، ويهاجمون كل من يفكر ويرغب في التغيير وتطبيق العلم الذي هو في الأساس أصل الأديان؛ وذلك لأنه لا يتماشى مع سياستهم. فيعبثون بأشياءٍ لا يجب المساس بها، فيرغب البعض في فصل تلك الهيمنةُ الزائفة عن أمور السياسة والدولة.
و هنا تظهر بعض المصطلحات مثل العلمانية، وغيرها من المصطلحات التي لا تتعارض مع الدين في مجمل أهدافه، ولا تختلف معه في قواعده الفكرية. فيؤدي ذلك إلى صراعٍ بين مختلف المذاهب، فينحدر المجتمع، و يقبع في التأخر العقلي، و التخلف الفكري، و غيابٍ تام عن سبل التمدن و التحضر. وهنا نستطيع أن نقول: “هذا المجتمع يعيش ردةً حضارية”.

فيديو مقال ردة حضارية 

أضف تعليقك هنا