العالية خلال الفترة القديمة

العالية خلال الفترة القديمة:
من ق IV ق.م إلى القرن VII م

تـخـطــيط
المقدمة
.I العالية في العصر القرطاجي
1/ الموضع الجغرافي
أ/ موضعها الحالي
ب/ موضعها القديم
2/ معنى كلمة أوزليس / UZALIS
3/ لمحة عن تراثها الفلاحي
4/ دورها في الحرب البونية (الثانية والثالثة)
أ/ الحرب البونية 2: معركة السهول الكبرى.
ب/ الحرب البونية 3: خيانتها لقرطاج و تحالفها مع الرومان.
.II العالية في العصر الروماني: من العهد الجمهوري إلى الفترة القديمة المتأخرة (أواخر التواجد الروماني في البلاد التونسية)
1/ العالية خلال العهد الجمهوري (مسألة الوضعية القانونية LE STATUT JURIDIQUE)
2/ العهد الامبراطوري أغسطس/ August
3/ فترة الامبراطورية السفلى: ارتقاؤها القانوني وتحولها الى رتبة مستوطنة رومانية (مدينة رومانية) خلال فترة دوقليتيانوس /DIOCLETIEN
4/ لمحة عن الأنشطة الاقتصادية خلال الفترة الرّومانية من خلال المصدر الأثريّ.
.III العالية خلال الفترة المسيحية و اشكالية تأريخ تدمير العالية.
1/ انخراطها في الحركة الدّوناتية.
2/ الفترة البزنطية.
3/ اشكالية تأريخ تدمير العالية.
استنتاج عام
الخاتمة

المقــــدّمة:

إنما ما دفعني للقيام بهذا البحث أسباب عديدة؛ أولها شح المعلومة لدى مثقفي الجهة، وثانيها انتمائي لهذه البلدة زادني رغبة في البحث عن تاريخها المظلم وثالثها هو اختصاصي في مادة التاريخ، لم أجد معلومات ضافية سوى بعض دراسات التي وردت اسم العالية ولكن بصورة مقتضبة و عرضية.

إن ندرة المصادر والمراجع وشح المعلومة في هذا الموضوع لم يثنني عن القيام بهذه الدراسة بقدر ما زادني إصراراً على البحث الشاقي والمضني طيلة سنوات حتى تمكنت من جمع جملة من المعلومات تمكن القارئ من معرفة تاريخ القديم لهذه المدينة.

فما اسمها القديم وما المعنى له؟
ما هي أهم الحقبات التي مرت بها هذه البلدة؟
كيف كانت نهايتها؟

مرّت مدينة العالية بعدة فترات متلاحقة اندمجت في مختلف الحضارات القديمة متفاعلة معها متأثرة بها و مؤثرة فيها.
لعلّ الدّارس لتاريخها في مختلف أطوارها، يلاحظ جملة من التراكمات: منها المحليّة والقرطاجيّة وخاصة الرومانية.
في مدة هامّة من الزّمن، دخلت العالية في فترة فراغ مظلم ممّا جعلنا نواجه صعوبات تتمثّل أساساً في نقص المصادر والمراجع. ومن ثم، تنبعث المدينة من جديد إلى الحياة أثر قدوم الموريسكيّين في أوائل القرن السابع عشر ميلادي تقريباً بين سنتي 1609م و1610م، ممّا أضفى على المدينة طابعاً أندلسيّاً إلى الوقت الرّاهن.

.I العالية في العصر القرطاجي

1/ الموضع الجغرافي:

أ/ موضعها الحالي

العالية: مدينة تونسية تقع في شمال البلاد، وتنتمي إدارياً إلى ولاية بنزرت. تبعد العالية 18كم عن مدينة بنزرت و50 كم عن العاصمة تونس.
تقع العالية في سفح جبل حكيمة -295م- بين عدة قرى أندلسية كغار الملح وعوسجة والماتلين ورأس الجبل ومنزل جميل وبنزرت. فهي تنتصب على منحدر صخري وبالتالي تتمتع بموقع حصين.

ب/ موضعها القديم

أما بالنسبة للعهود القديمة حسب الأطلس الرقمي (1) تقع أوزاليس تقريباً في نفس الموضع الحالي:
•شمالاً: توجد مدينة هيبوديرياتوس أو هيبوأكرا (بنزرت حالياً) شرقاً تينيسيا (منطقة رأس الجبل).
•جنوبا: أوتيكا وقرطاج.
يعود أقدم تاريخ حسب الأطلس إلى سنة 330 ق.م أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وهي فترة عرفت بتوجه الفئة الحاكمة إلى التوسع البري، مما سينعكس إيجابا على هذه المدينة  -أوزاليس-.

2/ معنى كلمة أوزاليس/ VZALIS:

يعتبر محمد حسين فنطر في مقابلة تلفزية أن الدراسات القديمة (خلال الخمسينات إلى السبعينات) أن الكلمة التي تبدأ بحرف ’’الأو’’ U/V ذات أصل فينيقي، مثال: أوتيكا تعني العتيقة نظراً لقدم تأسيسها 1101 ق.م بالمقارنة مع المدينة الجديدة قرط حدشت أي قرطاج.
ويعتبر أن ’’الأو’’ U/V لا تشير إلى التسمية الفينيقية، بل هي تسمية لوبية مرتبطة بمكان محدد تقطن فيه قبيلة ما (ethno-toponyme)، وأن الفينيقين يحافظون على سكان المنطقة للتجارة على عكس الإغريق الذين يطردون السكان المحليين للاستفادة من أراضيهم.
فكلمة ’’أو’’ <<U/V>> تعني أولاد منطقة ما، زاليس/ ZALIS تعني قبيلة أو سكان محليين (autochtone)، وتشير اللوحة الفسيفسائية التي عثر عليها بالعالية إلى وجود منزل هرمي الشكل ذي طابع جنائزي، وهذا النوع من المنازل يعرف بالبازينة <<كلمة أمازيغية الأصل>>، وهو طابع معماري عرف به السكان المحلّيون ولازالت هذه التسمية مستعملة إلى الآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأطلس الرقمي= خريطة افتراضية تحدّد المواقع الأثرية.

3/ لمحة عن التراث الفلاحي الأوزاليسي:

اعتنى القرطاجيون بالزراعة خلال هذه الفترة وخاصة بعد معركة هيميرة 480 ق.م، حيث أن الزراعة كانت لها بعد استراتيجي في سياستهم الاقتصادية، ولقد امتدّت حقولهم وبساتينهم على كامل شبه الجزيرة (الوطن القبلي)، كما كان لبعض الأثرياء ضيعات ومزارع ومغارس في الشمال الشرقي حول مدن أوتيكا وبنزرت وماطر والعالية، والتي كانت معروفة بثراء تربتها وخصوبة أرضها.
ويعود هذا الازدهار الفلاحي إلى التقنيات الفلاحية المستمدة من موسوعة في علوم الزراعة صنفها العالم القرطاجي ماغون <<MAGON>>، حيث أورد القدماء في كتبهم أنها تحتوي على 28 سفراً تناولت الزراعات الكبرى، وغراسة الاشجار المثمرة وتصريف شؤونها، وتربية الحيوانات وكيفية معالجتها.

4/ دورها في الحرب البونية (الثانية والثالثة):

ح ب 2: معركة السهول الكبرى (2)
ما يهّمنا خلال هذه المعركة هو ما ذكره المؤرخون، إلى تعرّض أوزاليس إلى هجمات سنة 204 ق.م، وقد وقع احتلالها من قبل الرومان الطرف الأول في الصراع، والجيش النوميدي تحت امراة ماسينسن بعد انتصارهم على جيش سيفاكس.
خيانتها لقرطاج وتحالفها مع الرومان:
في أواخر الحرب النهائية التي دارت بين قرطاج وروما بين 149-146 ق.م (الحرب البونية الثالثة)، انضمت أوزاليس وأوتيكا إلى جانب روما، ممّا سارع في سقوط قرطاج وحرقها وتدميرها على أيدي الرومان.
بعد القضاء على الدولة القرطاجية في ربيع 146 ق.م، قرّرت روما تأسيس ولاية على أنقاضها. وقع الاختيار على اسم افريقيا، AFRICA، للدلالة على أولى الولايات الرومانية التي أقيمت على الضفة الجنوبية، فغطّت أولى هذه الولايات الشمال الشرقي من البلاد التونسية، بما فيها أوزاليس التي ستشهد بدورها تحوّلات في وضعها القانوني خلال الفترة الرومانية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) هي معركة دارت بين الملك النوميدي سيفاكس المتحالف مع القرطاجيين ضد الجيش الروماني حليف الأمير الماصولي ماسينسن، تمكّن شيبيون قنصل روما وقائد الجيش الروماني عن طريق الخدعة من حرق معسكر سيفاكس وإبادة عدد كبير من جيشه.

.II العالية في العصر الروماني: من العهد الجمهوري إلى الفترة القديمة المتأخرة (أواخر التواجد الروماني في البلاد التونسية)

1/ العالية خلال العهد الجمهوري: مسألة الوضعية القانونية LE STATUT JUREDIQUE /

أبرمت السلط الرومانية، اثر الاحتلال عقودا / foedus مع سبع مدن كانت في تراب الولاية، فمنح الرومان بمقتضاها قانـــون الإعفاء من الضريبة الجـــــبائية/ stpendum / immunitas الموظفة على الاراضــــي الزراعية وقانون الحرّية/ libertas احتفظت أوزاليس بحكمها الذاتي وبسيادتها، وقد أوردها القانون الفلاحي المؤرّخ في سنة 111 ق.م، فأصبحت تدار بقانونها الخاصّ. صنّفت عبر هذا القانون على أنها من المدن الحرّة، وهو ما يعرف باللّاتينية باسم/ civitates liberae.

2/ العالية زمن أغسطس : من 27 ق.م ــ 14 م

لم تعد أوزاليس تتمتع بالامتيازات السّابقة بعد الاجراءات التي اتخذها أغسطس بإنشاء مستوطنات رومانية، شهدت أوزاليس قدوم مواطنين رومانيين ، كما تمّ إحداث نواة مدن رومانية كالكابتول الفوروم/ capitol forum، المحكمة، مجلس بلدي، وسوق. بالرّغم من إحداث هذه المؤسّسات، لم ترتق أوزاليس بعد إلى مدينة رومانية /pérégrine (3)، ويذكر لويس بوانسون /LOUIS POINSSON من خلال الأطلس(4) عبارة OPPODIUM LATINUM و تعني القلعة المحصّنة، وهذا الطابع العسكري للمدينة نلاحظه في اللوحة الفسيفسائية التي تبرز لنا مدينة محاطة بسور من أربعة جوانب وأربعة أبواب في مختلف الاتّجاهات بالإضافة إلى أبراج مراقبة فوقها. يفسّر هذا التّحصين العسكري إلى انتفاضة قبائل الموسيلام قصد تأمين الطريق الرابطة بين العاصمة أوتيكا وبنزرت.
يذكر دومينيك أرنولد في كتابه (5) أن أوزاليس احتضنت اليهود عقب طردهم من فلسطين سنة 70 م في عهد الامبراطور تيتيوس (6).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) هي مدينة مصنفة حسب القانون الروماني مدينة أجنبية.
(4) عدد 21 المؤرّخ سنة 1936.
(5) تاريخ المسيحية في افريقيا: القرون السبع الأولى ــ ص 58.
(6) قام هذا الامبراطور بتدمير وإحراق الهيكل وطرد اليهود من فلسطين ويعرف هذا حدث بـالشتات الثاني./ .2 emme Diaspora
وتجدر الاشارة خلال القرن الأول ميلادي إلى نهاية العهد السويري 235 م الى أنّ العالية ــ حسب عمّار المحجوبي ــ لم تتمتّع بعد بما يعرف بالحق الرّوماني وهو حقّ الارتقاء إلى صنف المدن الرّومانية: أي أن يتمتّع سكانها بحقّ المواطنة الرّومانية واعتلاء المناصب السياسية العليا (المجالس البلدية: مجلس الشيوخ/ امبراطور…).

3/ فترة الامبراطوريّة السّفلى: ارتقؤها القانونيّ خلال فترة دوقليتيانوس/ DIOCLETIEN (من 284 م ــ 305 م)

في سنة 304 م (بداية القرن الرّابع ميلادي) أصبحت العالية تسمّى المقاطعة الرّومانيّة وهي أعلى المراتب القانونيّة الرّومانيّة، والتي لها نفس مكانة المدن الرّومانيّة الأخرى، و يتمتّع سكّانها بحق المواطنة الرومانية، ونجد اختصاراً كلمة “cotuzae” أو “coluzal” في نقيشة عثر عليها الطاهر قلية.
• التسمية الأولى “cotuzae) “7) وهي اختصار لـ:
(Cur(ator) reipublicae splendidissimae Col (oniae) VZAL(ensium).
• التسمية الثانية “coluzal” وهي اختصار لـ: (Col) (oniae VZAL(ensium)
وحسب مدوّنة شميت / Schmidt تطوّرت التسمية لتصبح “أوزاليتنا” Vzalitanae.

4/ لمحة عن الأنشطة الاقتصادية خلال الفترة الرّومانية من خلال المصدر الأثري

نجد في قطعة من الفسيفساء fragment المكتشفة في الموقع الأثري عن طريق الطاهر قليّة (I.N.P) حيوانات أليفة كالبقر والإوزّ ونشاط فلاحي متمثل في حرث الأرض ممّا يدلّ على مدى أهميّة هذا النّشاط. فقد استفاد الرّومان من موسوعة “ماجون” التي أخذوها عن القرطاجيين. وتغطّي الأعشاب والنباتات بها مساحة كبيرة من اللوحة، و هذا دليل على كثافة الغطاء النّباتي وعلى خصوبة الأرض. ولقد أمدّتنا المعطيات الأثرية بوجود حيوانات ضارية كالذئاب…
النشاط البحري: كانت أوزاليس قريبة من البحر آنذاك و نجد في الفسيفساء إشارات حول النشاط البحري، حيث نلاحظ وجود مراكب/سفن وصيّاد يمسك الرّمح.
النشاط الحرفي: نلاحظ أيضاً وجود نشاط حرفيّ في اللّوحة الفسيفسائية متمثلة في رجلين: الرّجل الأوّل يسلّم الرّجل الثانية آنية فخّارية.
الملامح العمرانية و السكانية:
شهدت المدينة تطوّراً في العمارة، وهذا نلحظه من منازل ذات طوابق علويّة، وبازينا و هي المنازل القديمة ذات الشكل الهرمي (السكّان المحلّيين). وللأسف نجد أشكالاً لمباني رسمية غير مكتملة في اللّوحة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(7) خيمينيث: وهو قسّ إسباني زار مدينة العالية للتقصّي عن الموريسكيين وأوضاعهم. من أهم ما وصلنا عن زيارته تسمية <كوتوزان> ولكنه أنثروبولوجيا يعتبر هذه التسمية لوبية (محلّية).

• المستوى الاجتماعي: نلاحظ وجود طبقتين:
ـ الطبقة الأولى:
وهي طبقة الأسياد، إذ تشير اللوحة إلى أناس يرتدون ملابس فاخرة، و هم في حالة استرخاء، كما نلاحظ أناساً مجتمعين حول مأدبة ويشربون أقداحاً من الخمر.
ـ الطبقة الثّانية:
وهي طبقة العبيد، إذ تشير اللّوحة نفسها إلى قيام هذه الطبقة بالأعمال الشاقة كالفلاحة والصيد، ويرتدي بعضهم ملابس قصيرة، وآخرون عراة تماماً.

.III العالية خلال الفترة المسيحية وإشكالية تأريخ تدمير العالية.

1/ انخراطها في الحركة الدّوناتية:

كما ذكرنا سابقاً، ارتقت أوزاليتانا/ العالية الى مرتبة مستوطنة رومانية سنة 304 م وذلك طبقاً لمجموعة الإصلاحات التي قرّرها النظام خلال عهد دوقليتيانوس، فارتفع عدد الولايات من 48 الى 120 ولاية حسب عبد اللطيف مرابط، وتبعاً لذلك ازداد عدد المدن بهذه الولايات.
بعد الاعتماد على اللوائح القانونية المضطهدة للمسيحيين:
-المرسوم الامبراطوري الأول: في فيفري 303م، أصدر الامبراطور أوامر تقضي بمنع الكتابة ومصادرة أملاك الأرستقراطية المسيحية.
-المرسوم الامبراطوري الثاني: ربيع 303 م، الأمر بإيقاف رجال الكنيسة وتعذيبهم.
-المرسوم الامبراطوري الثالث: الأمر بإجبار رجال الكنيسة على تقديم قرابين وأضاحي (عادة وثنية يرفضها المسيحيون) إلى الامبراطور (ديانة عبادة الامبراطور وتقديسه بدأت زمن أغسطس مؤسس الامبراطورية الرومانية).
-المرسوم الامبراطوري الرابع: بداية 304 م، إجبار كل المسيحيين على تقديم قرابين وأضاحي و إجباره على حضور مشاهد التعذيب.
يشير عز الدين باش شاوش إلى وجود للشهداء (8) المسيحيين في هذه المنطقة نتيجة لاضطهاد دوقليتيانوس، أعلن الأسقف Donatus حركة مقاومة تحمل اسمه “الحركة الدوناتية / Donatus “، استمرت إلى حدود سنة 411 م. ويشير لويس بانسون إلى وجود أسقف دوناتي في هذه السنة في العالية. وبعد القضاء على هذه الحركة، ستشهد المدينة تحولاً في مستوى المذهب المسيحي. فبرز أعلام مسيحيون كان لهم دور كبير في نشر العقيدة الكاثوليكية وإرسائها، كما ساهموا في شهرة هذه المدينة، حيث بنوا فيها ديراً يسمى ب “دير الشّهداء” وأصبح مزاراً ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(8) لفظ لاتيني /martyr ذو أصل إغريقي marturos: يقصد به الشهداء المسيحيين الذيين تعرضوا الى الاضطهاد من قبل الاباطر الرومانيين – و امتدت فترة الاضطهاد من أواسط القرن الأول “نيرون” الى نهاية فترة دوقليتيانوس. إثر وفاة هذا الأخير واعتلاء قسطنتين الأول رفقة ليسينوس قاما بتنقيح اللوائح الاربعة فأصدرا أمراً في مدينة ميلانو سنة 313م يسمح للمسيحيين بحرية التعبّد.

أهم أعلام المسيحية الكاثوليكية:

ـ القدّيس ايفوديوس / St . Evodius:
يذكر القدّيس أوغسطينوس في مؤلفه “مدينة الرّبّ” صديقه الأسقف ايفوديوس/ St . Evodius المعاصر له حيث كانا صديقين، وقد سافر إليه أوغسطينوس سنة 420 م إلى العالية أين دار بينهما نقاش حول مسائل ميتافيزيقية وتيولوجية (متعلقة بالعقيدة المسيحية). كما شيّد الأسقف ايفوديوس/ St . Evodius المصلّى أو ديرا المذكور أعلاه.

ـ القدّيس فيليكس St . felix:
بالاعتماد على كتاب التّاريخ الكنسي، تمّ تحديد قدّيس مسيحي يدعى فيليكس، حيث كان كاثوليكي المذهب. توفّي في العالية، وكان راهباً في المصلّى ومساعداً ل ايفوديوس.

ـ القدّيسة ميجيسيا / St . Megtia:
تشير روايات القدّيس أوغسطينوس المتصمّنة لعبارة “De Miraclus sacti stephaine Protomartyris “. وهو اسم المصلّى المعروف بأثاره المعجزة زراته سيدة مسيحية أرستقراطية تدعى ميجيسيا/ St. Megtia قصد العلاج والتداوي من شلل في وجهها. وقد قضّت به أربعين يوماً تصلّي تضرّعاً إلى الرّبّ.

2/ الفترة البزنطية:

خلال هذه االفترة وجدت أنقاض واسعة من صهاريج محصنة حسب ما ذكره بوان سون في أطلسه، وهذا دليل على الأوضاع غير الآمنة في تلك الحقبة، فالتحصين الذي قامت الدولة البيزنطية دليل على الأخطار الداخلية خاصة من القبائل الماورية “المحلية” والأخطار الخارجية، ولم تكن العالية بعيدة عن هذا الخطر.

3/ إشكالية تأريخ تدمير العالية:

حسب الأطلس الأثري، حدّدت نهاية الحقبة القديمة للعالية سنة 640 م الموافق ل 18هجري في فترة الخليفة عمر بن الخطاب. وهذا التاريخ مستبعد لإصابة المسلمين في هذه السنة بطاعون عمواس، وكان من الصعب جداً إرسال جيوش للقيام بعملية الفتح أو على الأقل بعمليات استطلاع. كما نجد تاريخاً آخر حســــــب بوان سون سنة 646 م الموافق ل 24 هجري، ولكن يبقى تاريخاً غير دقيق أيضاً نظراً إلى أن هذه السنة توافق بداية تولّي عثمان بن عفّان مؤسسة الخلافة. فلم يقع استئناف عملية الفتح إلا في سنة 27/28 هجري (حملة العبادلة السبع) التي قادها عبد الله بن سرح، وبعد انتصاره على جرجير في سبيطلة قام بإرسال سرايا داخل البلاد إلا أنها لم تتوغل في المناطق الشمالية. بينما شكّك خالد الجويني في انتصار المسلمين أصلاً على جرجير في هذه الواقعة مما ينفي توغلهم داخل البلاد.
ويمكن القول إذن، بأن مدينة العالية وقع تدميرها خلال حملة حسان بن نعمان أواخر القرن السابع على قرطاج واجتياحها، فركب البيزنطيون البحر هربا إلى صقليّة، وطارد الروم وحلفاءهم البربر في جهة بنزرت ــ حسب ما أوردهما موقع الموسوعة والمعرفة ــ وهو تاريخ منطقي لتوغل هذا الأخير في المناطق الشمالية كما يؤكده عبد حكيم القفصي في مؤلفه “معالم أندلسية في تونس” نقلا عن مصادره، ويذكر فيه عبارة “خرائب أوزاليا”. و يضيف أن مورسكيي العالية الذين قدموا في أوائل القرن السابع عشر (1609 – 1610) قد استعملوا هذه الخرائب في إعادة عمارة المدينة الحالية. كما ذكر هذه العبارة <خرائب أوزاليا> المؤلف الطاهر البليدي في كتابه “تاريخ العالية”.

استنتاج عام:

*لقد كانت المصادر الأدبية و الأثرية قليلة في الفترة القديمة إلا أنّنا رصدنا بعض ملامح وإشارات عن هذه المدينة، ولكن توجد إشكالية حول تاريخ هذه المدينة في الفترة الوسيطة إذ لا نعرف إلى حدود هذه اللحظة أي إشارات واضحة تدل على وجود أي أثر للمدينة في هذه الحقبة.
*يذكر بن بطوطة في رحلته عنب المدينة الساحلية رفراف القريبة من العالية، إلا أنه لم يقم بذكر العالية على حدة. وقد تبنّـــــى عز الدين باش شاوش هذا الرأي مضيفاً أن الأحجار التي بنى المورسكيون بها مدينتهم من بقايا رومانية وبيزنطية.

الخاتمةّ:

لقد شهدت مدينة العالية خلال هذه الفترة أدواراً مهمّة في حركة التاريخ، ولكنّها عرفت في فترات أخرى انتكاسات وتقوقعاً. وبالرغم من الانقطاع الذي حصل لها في الفترة الوسيطة إلا أن روحها بقيت مبثوثة في المدينة الجديدة. ورغم صمت الوثيقة في الفترة الوسيطة، فإن استفادة المتأخّرين من البقايا الموجودة جعلت التاريخ سلسلة مترابطة.

قائمة المصادر والمراجع:

-المصدر الاثري الرقمي باللغة الانجليزية:
-Digital Atlas of the ROMAIN EMPIRE
-المصدر الاثري الرقمي باللغة الايطالية:
-Getty Image DEA / ARCHIVIO J.LANGE
-FOTOSTOCK ,De Agostini/ Archivio J.LANGE

-المراجع بالعربية:
-تأليف نخبة من الاساتذة الجامعيين تحت إشراف الاستاذ خليفة الشاطر، تونس عبر التاريخ ج1، مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، تونس مطبعة سنباكت. 2007.
-محمد حسين فنطر، الحرف والصورة ,أليف- منشورات البحر الأبيض المتوسط، مركز النشر الجامعي 1999.
-عمار المحجوبي، البلاد التونسية في العهد الروماني، منشورات تبر الزمان، تونس. 2016.

-المراجع باللغة الفرنسية:
-Belkhodja.Abdelaziz , Hannibal barca l’histoire véritable et le mensonge de Zama, Apolonia édition. Tunis 2018 .
-Beschaouch .Azedine, Sur la fixation définitive à El-Alia , non loin d’Utique , de l’emplacement d’Vzalis , cité d’accueuil des premières reliques , en Occident , du protomartyr saint Etienne , l’académie des inscriptions et des belles-lettres, 2001
-Dominique Arnauld, Histoire du christianisme en Afrique: les sept premiers siècles , KARTHALA Editions Amazon , France .
-Monceaux . Histoire littéraire de l’Afrique chrétienne depuis les origines .
-Ouvrage collectif sous direction de Khlifa Chater , histoire de Tunisie Tome 1
-Ouvrage collectif sous la direction de J.M.lambin, histoire conforme au programme de seconde . Hachette éducation . Paris. 31 Aout 2001.

-المراجع باللغة الانجليزية:
-L’ ABBE FLEURY , Ecclesiastecal history translated with notes Col.Coll , library , N.YORK , OXFORD , Jhon Henry PARKER : J.G.F, and J.Rivington , LONDON .
M D C C XLIII.

-المرجع الرقمي:
محمد حسين فنطر: هذا أصل كلمة اللوبية وعلاقتها بالأمازيغ، نسمةTV 21 مارس 2014، يوتيوب.

فيديو مقال العالية خلال الفترة القديمة

أضف تعليقك هنا