قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (12) الكوارث والمحن

إن الكوارث والمحن التي يذكرها البديري في مدونته تتمثل في أربعة أمور هي (تقلبات الطقس والجراد والطاعون والزلازل)، فلا يكاد يمر عام من تاريخ البديري إلا وفيه كارثة من تلك الكوارث أو محنة من تلك المحن، بل قد تأتي أكثر من محنة في العام الواحد.

أولاً – تقلبات الطقس

يذكر البديري في مدونته أحوال الطقس وخاصةً في الشتاء، ويذكر الفيضانات التي مرت على دمشق وريفها:

  • صقيع شتاء 1154ه – 1747م

يذكر في شهر كانون الأول من عام 1154ه – 1741م وأثناء خروج الحجاج إلى الحجاز، أن البرد كان في غاية الشدة، حيث بقي الصقيع والجليد في الأرض نحو خمسة وعشرين يوماً والشمس طالعة والجليد لا يذوب، فيبست الأشجار وعدمت الثمار وخصوصاً الليمون وارتفع سعر فحم التدفئة.

  • ثلوج شتاء 1155ه – 1742م

ويذكر في عام 1155ه – 1742م أن المطر كان قليلاً في بداية الشتاء حتى يئست الخلق، ثم أغاث الله الناس في بداية كانون الثاني بأمطار كالبحار استمرت ليلاً مع نهار، وهطل الثلج سبع مرات واستمر خمسة وأربعين يوماً وتهدمت لذلك أماكن كثيرة، ثم طلعت الشمس وأحيا الله الأرض بعد موتها.

  • فيضانات دمشق في شتاء 1160ه – 1747م

ثم يذكر في عام 1160ه – 1747م وتحديداً في كانون الثاني أن المياه زادت في نهر بردى بسبب سيل عظيم، وكان دخوله للشام في منتصف الليل، فحصل طوفان لم يسمع بمثله من قديم الزمان، فأغرق الكثير من الدور والدكاكين وأتلف أمولاً لا تعد ولا تحصى، حتى صارت المرجة كالبحر، والماء ارتفع حتى غطى حجر تاريخ القلعة، ويذكر مؤرخنا أنه مر بقهوة المناخلية بعد انحسار الماء، فوجد الماء في أعلى مصاطبها أعلى من ذراع، وقد شاب من هولها الكبير والصغير وغرق أناس غير محصورين العدد مع ما أتلف من الأموال والبهائم ووقوع الهدم في أماكن كثيرة.

  • فيضان طرابلس الشام عام 1162ه -1749م

ثم يذكر في عام 1162ه – 1749م حدوث فيضانات في مدينة طرابلس الشام، حيث زاد نهرها زيادة عظيمة وأغرق أكثر من خمسمئة إنسان عدا الدواب والأنعام والأموال.

  • جفاف صيف 1164ه – 1751م

ويذكر في عام 1164ه – 1751م حدوث حر شديد في شوال حتى جفت منه الآبار والعيون، ومنها قناة بيت راس في قرية ببيلا، ثم حصلت زيادة في مياه النهر وكان مكدراً كأنه الطحينية.

  • صقيع شتاء 1170ه – 1757م

وفي عام 1170ه -1757م يذكر البديري هطول الأمطار في تشرين الثاني، ثم أعقبها برد شديد وهواء يابس (جاف) حتى يبست الأشجار وتجمدت المياه في البرك والبحيرات، واستمر الصقيع بضعة وعشرين يوماً، ومات الكثير من الوحوش والكلاب والطيور والمواشي، ومات أيضاً الكثير من أبناء الفلاحين في القرى وأبناء العرب في البوادي بسبب الصقيع، وقد بلغ البديري أن نواعير حماه توقفت بسبب الجليد والطواحين تعطلت، ثم يقول ((فالحاصل سقعة مهولة وزميتة مزعجة)).

  • سيل الجبّة في القلمون صيف 1171ه – 1758م

ثم يذكر البديري في عام 1171ه – 1758م حدوث سيل عظيم في مربعانية الصيف في منطقة القلمون حيث جرف قرية جبة قرب يبرود، وكان نزوله إليها في الليل فأخذها عن بكرة أبيها، ثم مرَّ على يبرود فغطى جميع الكروم وهدم وقتل، ثم وصل لقرية النبك يهدر في جريه مثل الرعد فأتلف بها كثيراً.

ثانياً – الجراد

يذكر البديري في عام 1160ه – 1747م أن الجراد كان مفرزاً (أي واضع بيوضه) في الشام منذ العام الماضي، فلما جاء الربيع بدأ يظهر رويداً رويداً حتى صار أكثر من النمل والذر، فبدأ يأكل الزرع ويتلف النبات، فصارت الشام في كرب عظيم بسببه:

  • أسعد باشا يأمر بدفن الجراد

أوعز أسعد باشا لعامة الفلاحين بجمع الجراد ثم دفنه في المغارات والآبار المهجورة، فدُفن بعضه في مغارة عند مقبرة البرامكة، وكذلك حفرت له حفائر في قبور اليهود والنصارى ودُفن فيها، ولم يزل الجراد في تكاثر، ففرض أسعد باشا على كل قرية من قرى دمشق أن تجمع مئتا قنطار من الجراد وأن يضعوه في جبل الصالحية في آبارها ومغاورها.

  • طائر السمرمر في عدرا وضمير

ثم جاء الخبر إلى دمشق بوصول الطائر المسمى بالسمرمر إلى قريتي عدرا والضمير، فأتلف من الجراد شيئاً كثيراً، ففرح أهل الشام بذلك، ثم يقول البديري فخرج أهل الصالحية ومعهم المشايخ والنساء والرجال والأطفال بالبكاء والعويل والتضرع إلى الله برفع هذا البلاء، وزُينت الشام بوصول السمرمر أحسن زينة، وطائر السمرمر هو من فصيلة الزروريات يهاجر ما بين اوروبا والهند وطعامه المفضل الجراد، فإذا ما صادف الجراد في هجرته قضى عليه.

  • مشايخ الطرق في مواجهة الجراد

ثم يذكر أن طائر السمرمر لم يقضِ على الجراد بل ازداد كثيراً، وكأن الناس لم يجمعوا منه شيئاً، فخرج الشيخ ابراهيم الجباوي ومعه التغالبة بالأعلام والطبول وقصدوا زيارة السيدة زينب واستغاثوا عندها بكشف البلاء عن العباد، ثم رجعوا آخر النهار وداروا حول مدينة دمشق، ومروا أمام باب السرايا (وعملوا دوسة) والقول للبديري، وصار حال عظيم وبكاء شديد، ثم جاءت أهل الميدان بطبول وأعلام وحالٍ وصريخ، وقصدوا جامع المصلى بالدعاء برفع الجراد، إلا أن ذلك لم يفد بشيء، حيث يقول البديري وكيف يفيد وأكثر النساء باحت، وبنات الهوى دائرات بالأزقة والأسواق، ومعهن الدالاتية والفسّاق، ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر.

ثالثاً – الطاعون

يذكر البديري أن بدء الطاعون في الشام كان عام 1172ه – 1759م في شهر جمادى الثانية وأنه مازال في ازدياد حتى كثر في رجب وشعبان، ثم زاد في رمضان وكثر في عيد الفطر حتى صار كما يقول البديري عيداً للأموات، فقبل عيد الفطر بيومين وبعده بيومين يخرج من كل باب من أبواب دمشق ممن مات مطعوناً أكثر من ألف جنازة، ويشبّه البديري هذا الطاعون بطاعون عمواس الذي وقع في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه.

رابعاً – الزلازل

إن الزلازل تعاود منطقة بلاد الشام من حينٍ لآخر، فالشام حدثت فيها زلازل كثيرة، إلا أن أعنف الزلازل تاريخياً كانت في أعوام: 551م – 749م –  1033م – 1068م – 1170م، 1202م – 1549 م – 1759 م –  1837م.

ويستهل البديري مدونته بالحديث التالي: ((وجرى على لسان العامة أنه سيحدث بدمشق السام زلازل عظيمة تتهدم بسببها أماكن كثيرة وأن الرجال ستقلب نساء وان أنهار الشام ستجري طعاماً…. ولم يحدث شيء فيما بعد من هذه السنة))، إلا أن الزلازل وقعت في الشام بعد عدة أعوام فما الذي جعل العامة يعتقدون بذلك، هل الذاكرة الشعبية ما تزال تذكر الزلازل المدمرة، فكان حدوث ذلك متوقعاً.

يذكر البديري في عام 1170ه -1757م في شهر ذي الحجة حدوث زلزلة عظيمة في الشام وأنها هزاتها استمرت عدة أيام بالليل والنهار، وأن ذلك حدث بعد كسوف الشمس كلياً حتى شوهدت النجوم في النهار، إلا أن الزلزال المدمر الذي يذكره البديري كان عام 1172ه – 1759م أثناء ولاية عبد الله باشا الشتجي، وإليكم ما نقله البديري عن هذا الزلزال المرعب:

  • زلزلة ربيع الأول 1172ه – 1759م

حدثت زلزلة خفيفة خلال شهر ربيع الأول تبتعها زلزلة ثانية ثم ثالثة، فزُلزلت الشام زلزالاً شديداً حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت، فتهدمت رؤوس غالب المآذن ودور كثيرة وجوامع وأماكن لا تحصى، حتى قبة النصر في قاسيون تهدم نصفها.

ثم تتابعت الزلازل في الأيام اللاحقة فزاد الخوف وهجرت الناس بيوتها إلى البساتين والمقابر والمرجة وصحن الجامع الأموي، ويذكر أن خان القنيطرة وقع بسبب الزلازل على من كان فيه فلم يسلم من الناس والدواب إلا القليل، وكذلك خان سعسع، وقد وردت الأخبار أن بعض القرى قد انهدمت على أهلها ولم يسلم منهم أحد.

ويذكر أيضاً أن الزلزلة الأولى أوقعت صخرة عظيمة في نهر القنوات فسدت النهر، وانقطع الماء عن البلد احدى عشر يوماً، واستمر قطّاع الحجارة يعملون فيها احدى عشر يوماً، فاجتمع على الناس غمين: غنم الزلزلة، وغم قلة المياه.

  • زلزلة ربيع الثاني 1172ه – 1759م

ثم يذكر أنه في ليلة الاثنين سادس ربيع لثاني صارت زلزلة عظيمة أعظم من سابقاتها، فسقطت بقية المآذن، ووقعت قبة الجامع الأموي الكبيرة والرواق الشمالي جميعه مع مدرسة الكلاسة وباب البريد وأبراج القلعة وغالب دور دمشق، فخرجت الناس للبساتين والبراري ونصبوا الخيام وناموا بعيالهم خارج دمشق.

واستمرت الزلازل عدة أيام، فأمر الوالي عبد الله باشا الشتجي منادياً ينادي في الناس بأن يصوموا ثلاثة أيام، ويخرجوا في اليوم الرابع إلى جامع المصلى لأنه مشهور بإجابة الدعاء، فخرجت الناس إلى المصلى واستمروا بالدعاء ثلاثة أيام ببكاء وخشوع فرحمهم أرحم الراحمين، فصارت الأرض تختلج اختلاجاً خفيفاً، إلا أن الناس لم تزل في البراري والبساتين خائفة حتى دهمهم الشتاء بالمطر والثلج والجليد، فرجعوا إلى بيوتهم وهي خائفين من عودة الزلازل.

وأخيراً … يذكر البديري في عام 1173ه -1760م وقوع زلزلة في شهر رمضان أثناء صلاة التراويح، فقطعت الناس الصلاة وتدافعت فداسوا بعضهم بعضاً.

فيديو مقال قراءة في كتاب حوادث دمشق اليومية (12) الكوارث والمحن

 

أضف تعليقك هنا