الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان

بقلم: فاطمة الباسطي

مقاربة قانونية في مدى تفعيل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في التشريع التونسي.

أسس قانون العائلة في تونس لنمط مجتمعي يمتاز بالحداثية مقارنة بما كان سائداً قبل فترة الاستقلال بإرساء تصور قانوني للعائلة منذ إصدار مجلة الأحوال الشخصية حيث رغم أن عقد الزواج هو عقد خاص مبرم بين طرفين من القانون الخاص لكن تغلب عليه عديد القواعد الشكلية التي أقرها المشرع ليستحيل مؤسسة تنشد التقدم المستمر وتسعى لتحقيق التوازن بتعديل الكفة بين المرأة والرجل على قدم المساواة وتمتين العلاقات الأسرية ولقد تدرج المشرع التونسي في تكريس دعائم المساواة بين الرجل والمرأة ولا يزال يكرس مبدأ المساواة بين الزوجين بدءاً بصدور م أش 1956 مروراً بعديد التنقيحات اللاحقة وقد تتضح ملامح المساواة في المسائل التالية:

ملامح المساواة في التشريع التونسي بين الرجل والمرأة

أولاً: عقد الزواج

ـ إبرام عقد الزواج, الذي يتطلب وجود مجموعة من الشروط والموانع التي يتساوى فيها كل من الزوجة والزوج من حيث المبدأ يتساوى الزوجان كلياً من حيث الشروط الجوهرية كالأهلية والرضاء وكذلك الشروط الشكلية كالحجة الرسمية والكشف الطبي السابق للزواج وشهادة الشهود لكن الاستثناء يكمن في المهر وهو المال المحمول على الزوج لفائدة زوجته عند إبرام عقد الزواج وقد اشترط المشرع أن يكون مباحاً وقابلاً للتقويم وقد يستبعد المشرع وفقه القضاء التونسي الدلالة الفقهية للمهر التي مفادها امتلاك الزوج بمقتضى الأمر حقوقاً على زوجته لما في ذلك من معنى مهين لإنسانية المرأة لكنه يعتبر دليلاً على استعداد الشخص المقبل على الزواج على تحمل المسؤولية والأعباء المالية للأسرة ومفهوم المكارمة التي تفترضها الأخلاق والتقاليد فلئن اتفق المشرع والفقه على أن المفر من الشروط التي تبطل عقد الزواج في حالة عدم توفرها لكنهما يختلفان في تقدير قيمة المهر لأن الشرع الإسلامي يعتبر المهر التافه من حيث القيمة يفقد عقد الزواج صحته في حين أن المشرع لم يقدره بقيمة محددة.[1]

وتتجه الإشارة إلى أن فقه القضاء التونسي لم يستوعب ترسيخ مبدأ المساواة بصفة كاملة وبقي متذبذب خاصة فيما يخص مانع الدين بالنسبة لآثار زواج المسلمة بغير مسلم وتأثيره على الميراث.[2]

ـ إلغاء واجب الطاعة المحمول على الزوجة تجاه الزوج صلب الفصل 23 من م أ ش وذلك بمقتضى تنقيح 12 جويلية 1992.

ثانياً: النزاعات والطلاق

ـ المسائل المتعلقة بالتنازع بين الزوجين, فيما يتعلق بالنزاعات الناشئة خارج إطار الطلاق والنزاع على العارفة والهدايا, فقد تطرقت إليها الفصول من 25 إلى 28 م أ ش بدون أي تفضيل لأحد الزوجين عن الآخر.

ـ وبتسوية حق التطليق الذي كان يتمتع به الزوج وحده وإلحاق الزوجة بهذا الحق، لكن بالإبقاء على الشريعة الإسلامية كمصدر مادي تختلف الطلاق من حيث الآثار المترتبة على الطرفين؛ تنفرد الزوجة بجراية عمرية وعليها إقامة عدة مردها إبراء نسب المولود الذي لحق عملية الطلاق.

ثالثاً: الإنفاق

ـ كانت مدى إلزامية مساهمة الزوجة في الإنفاق محل جدل فقهي حاد ليحسم في أمرها تنقيح 1993 الذي أقر مبدأ التعاون في تسيير شؤون الأسرة والأبناء صلب الفصل 23 م أش واستوعب الفصل 6 جديد م أش نفس المبدأ ضرورة مشاركة الأم في قرار تزويج ابنها القاصر لكن الإبقاء على الزوج رئيساً للعائلة من شأنه أن يترتب عنه أثار تتعلق بواجب المساكنة المحمول على الزوجة علماً وأن فقه القضاء يعتبر أنه إذا كان الزوج مطالباً بالإنفاق على العائلة وتبعاً لذلك فهو من يحدد مقر الزوجية ما لم يثبت تعسفه في خياراته مما يجعل امتناع الزوجة عن مساكنته بدون موجب يشكل إخلالاً منها بواجب المساكنة وهو ما تضمنه قرار تعقيبي مدني عدد41298 مؤرخ في 4 فيفري 2010.[3]

حيث دأب فقه القضاء بربط واجب المساكنة المحمول على الزوجة بواجب الإنفاق المحمول في المقابل على الزوج فينعدم الواجب الأول بانعدام الواجب الثاني وهو ما صرح به قاضي المدني في القضية عدد7416 بتاريخ 1 مارس 1983 “من واجب الزوجة مساكنة زوجها لكي يكون له عليه مقابل ذلك حق النفقة ومن لم يوفِ بالتزاماته لا يمكن أن يطالب غيره بالوفاء له، فالحكم على الزوجة بالنفقة قبل استقراء معارضته للزوجة بالنشوز يكون به الحكم قاصراً للتسبيب وخارقاً للقانون مما يوجب نقضه”.[4]

ـ تتجه الإشارة إلى أن هذا المسار التحرري لتكريس مبدأ المساواة بين المرأة والرجل يبقى منقوصاً من حيث مسألة الولاية بوصف مكانة الأم كولية شرعية تأتي في منزلة ثانوية بعد الأب أي بعد وفاته أو فقدانه لأهليته أو سفره رغم سعي المشرع إلى تمكين الأم من صلاحيات تسيير الأسرة من خلال تنقيحي 1981 و 1993 كذلك إسناد صلاحيات الولاية للأم الحاضنة جزئياً للأم في حالة تمتعها بالحضانة وهو ما تضمنته الفقرة 4 من الفصل 67 م أش التي مكنتها من بعض صلاحيات الولاية على المال والسفر والدراسة, لكن تمتع الأم الحاضنة بصلاحيات الولاية كاملة لا يكون إلا بطلب من القضاء ونتيجة لتعسف الولي أو سفره أو لتهاونه.

تعتبر خطوة  للالتحاق بالركب العالمي الذي تفطن أن C.E.D.A.W مصادقة تونس على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سيداو

الوضع النسوي يشكو هشاشة، كما صادق مجلس الوزارء خلال اجتماعه في 2011 على مشروع مرسوم، يتعلق بالموافقة على سحب تحفظات حكومة الجمهورية التونسية الملحقة بالقانون الصادر سنة 1985 والمتعلق بالمصادقة على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، مع الإبقاء على البيان العام كم أنه تتجه الإشارة إلى ضرورة التزام تونس بالتنفيذ الكامل للاتفاقيات التي صادقت عليها في مجال عدم التمييز بين الجنسين والسعي إلى إلغاء البيانات والتحفظات التي قدمتها تونس لعدم تطبيق بعض فصول هذه الاتفاقيات على غرار الوصاية على الأبناء وإقرار نفس الحقوق بين الزوجين خلال الزواج وبعد فسخه والمساواة في الإرث.

فيما يخص مسألة المساواة في الميراث المحافظة على نفس المبدأ وهو ملاءمة المقترحات مع الدستور بإقرار المساواة في الإرث قانوناً، مع ترك حرية الاختيار للمورث إن أراد في قائم حياته التنصيص على قسمة التركة وفق المنظومة الحالية.

واقتداء بنفس المسار التقدمي ومواكبة ما توصل إليه الركب العالمي بالنسبة للشأن النسوي، وانخرطت في الجهود الدولية لإحلال السلام الدولي، ونخص بالذكر مصادقة تونس على قرار مجلس الأمن 1325، ويهدف قرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن إلى مراعاة خصوصية المرأة، وإشراكها في عمليات الحفاظ على الأمن وبناء السلام، وخصوصاً في المناطق المتضررة من النزاع، وتأمين احتياجاتها الخاصة كما أقرت البلاد التونسية خطة وطنية لتنفيذ القرار  1325.

فاطمة الزهراء, بن محمود , سامية دولة, التعليق على مجلة الأحوال الشخصية ,قراءة في فقه القضاء , منشورات مجمع الأطرش للكتاب المختص 2015, صفحة78.[1]

[2] مقالات في قانون العائلة ,جمعية الحقوقيين بصفاقس, مجمع الأطرش 2016,صفحة22.

التعليق على مجلة الأحوال الشخصية ,قراءة في فقه القضاء, مرجع سابق , ص 112.[3]

التعليق على مجلة الأحوال الشخصية ,قراءة في فقه القضاء, مرجع سابق , ص 113.. [4]

 

بقلم: فاطمة الباسطي

أضف تعليقك هنا