السرقة العلمية بين المدلول اللغوي والشرعي

العلاقة بين الإطلاق الشرعي والإطلاق اللغوي

نظرا إلى العلاقة بين الإطلاق اللغوي والشرعي وأنها تكون عادة على أشكال متنوعة، منها علاقة التوافق كما حصل في كلمة القصاص حيث إن مدلولها اللغوي لا يختلف عن مدلولها الشرعي ومنها علاقة التضاد كما حصل في كلمة الصلاة حيث إن أهل اللغة يطلقونها على الدعاء وأهل الشريعة يطلقونها على فعل تعبدي بشكل مخصوص.

وكذلك ورد الخلاف الشهير في مدلول كلمة السرقة بين اللغويين والشرعيين وبالتالي يحتمل جريانها عند نسبتها إلى العلم على العرف اللغوي والعرف الشرعي معاً فأود رفع هذا الاحتمال خلال هذا الجهد المتواضع لما يترتب على ذلك من الأحكام الشرعية.

الفرق بين مفهوم السرقة لغويا ومفهومها فقهيا

فلفظ السَّرِقَةُ في بعض المعاجم اللغوية هو أَخْذُ الشَّيْءِ مِنَ الْغَيْرِ خُفْيَةً، يُقَال: سَرَقَ مِنْهُ مَالاً سَرَقًا وَسَرِقَةً أي أَخَذَ مَالَهُ خُفْيَةً.[1] وَفِي اصْطِلاَحِ أهل الفقه هو أن يأخذ المكلف خفية نِصَابًا[2] مُحْرَزًا ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ ، مما هو مملوك للغير، ولاَ شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ.[3] ومن السرقة ما يوجب التعزير فهي السرقة التي لم تتوفر فيها شروط إقامة الحد.

ومنها يوجب الحد فهي التي ليست كذلك وهي نوعان:

  • سرقة صغرى توجب قطع اليد فقط .
  • وسرقة كبرى وتسمى الحرابة.

[4] ويوجب الحد من الأموال المسروقة ما كانت مالاً متقوما أي ما يعده الناس مالاً غير تافه حقير، وكان له قيمة يمكن أن تضمن لتلف أو غيره كما يوجب الحد أيضا المال الذي بلغ قدر النصاب وكان في حرز وهو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس كالدار والحانوت ونحوهما.[5]

مدلول السرقة عند اللغويين

يلحظ مما سبق أن مدلول السرقة عند اللغويين أعم من مدلولها عند الفقهاء وأن السرقة لا يصح إطلاقها عند الفقهاء إلا إذا كانت على شكل مخصوص كأن يكون المسروق مالا متقوما وبلغ نصابا.

وتتمثل ثمرة الخلاف في التفريق بين السرقة التي تستلزم الحد والتي قد تفضي إلى التعزير فقط ولا يعنى بهذا التفريق أن الإسلام يبيح بعض ألوان السرقة أو يسكت عنها بحجة أن الاختطاف والخيانة والاختلاس والنهب وغيرها مما اتفق العلماء على أنه ليس عليه حد من أوجه التملك غير الشرعي؛ فلا يقتضي هذا الحكم الذي ورد عليه الاتفاق منع جواز إقامة التعزير على كل من تلك الجرائم.

  • والاختلاس: وهو أن يخطف المال من صاحبه ويذهب به بسرعة جهراً.
  • والخيانة: هي أخذ المال خفية من مالكه، مع إظهار النصيحة والحفظ له.
  • والانتهاب هو أخذ المال من صاحبة على جهة الغلبة والقهر.[6]

السرقة الفكرية أو العلمية

وأما السرقة الفكرية أو الأدبية أو العلمية أو الانتحال فهي “تملك غير شرعي ونقل ونشر لأفكار أو عبارات لمؤلف آخر، مع الادعاء بأنها له أصالة.[7] فهذا التعريف يقتضي أن مدلول السرقة عند نسبتها للفكر أو العلم أو الأدب بعيد كل البعد عن مدلوله عند الإطلاق في عرف الفقهاء مع عدم نفي أنها خصلة محرمة مذمومة لا يَعْمِدُ لها إلاّ الخاسرون.

[8] وعلى ذلك فقد حكم على السرقة العلمية رجال الفتيا بالحرمة ولما تشتمل عليه من الاعتداء على الحقوق المادية والمعنوية للغير المصونة شرعا ومن ممارسة الغش والتدليس المنهيان على لسان الوحي بما يتعاطى منها من نسبة شخص ما لم يفعله إلى نفسه[9] وما يتأتى منها من ظهور التباغض والتشاحن بين الناس، إذ أن الشريعة الإسلامية لا ترضى بكل ما يفضي إلى التباغض بين صفوف البشر.[10]

السرقة العلمية جريمة

أجل، يتحصل من استقرار حرمة السرقة العلمية ومن أنها جريمة واعتداء على الحقوق الإنسانية وأنها جريمة لا توجب الحد ضرورية اللجوء إلى استفراغ الجهود في سدها والقضاء عليها في المجتمع البشري فمن خير ما يتوصل به إلى ذلك تعيين عقوبة واضحة لهذه الجريمة الإنسانية تعزيرا لمن باشرها، وتكون مغايرة لما اعتاده الناس من تعريض السارق لسوء السمعة والتشهير والفضيحة[11]. فأدعوا فقهاء القوم إلى التعاون على النظر في مراتب السرقة العلمية والتعزير المناسب لكل نوع منها كما أنصح المؤلفين بدراسة أوجه السرقة العلمية والبعد أي البعد عن جميعها. فشكرا.

المراجع

[1]  تهذيب الأسماء واللغات ولسان العرب ومختار الصحاح والمصباح المنير والمعجم الوسيط.

[2]  “النصاب في السرقة ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض والأثمان، أصلٌ لا يقوَّم بعضها ببعض، وهو قول مالك. وقال أبو حنيفة: النصاب دينار، أو عشرة دراهم، أو قيمة أحدهما من العروض. وقال الشافعيُّ: ربع دينار، أو ما قيمته ربع دينار”.

تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق:ابن عبد الهادي الحنبلي، (دار النشر الرياض ، 1428هـ) 4/552.

[3]  الاختيار لتعليل المختار 4 / 102 ، وفتح القدير 4 / 219 ، والفتاوى الهندية 2 / 170 .

[4] فقه السنة: سيد سابق، (موقع يعسوب) 2/486.

[5] الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ: وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ، (دمشق، دار الفكر ) 7/368-378.

[6] الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ : 7/360-361.

[7] سرقة فكرية

[8] السبع المعلقات مقاربة سيمائية/ أنتروبولوجية: عبد الملك مرتاض )اتحاد الكتاب العرب:1998(.

[9] فتاوى الشبكة الإسلامية: لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية (1430هـ/2009 م): أرقام الفتاوى: 119384،15801، 9797.

[10] المفصل في شرح آية لا إكراه في الدين : علي بن نايف الشحود، 2/82.

[11] فقه النوازل:بكر بن عبد الله، (مؤسسة الرسالة 1416 ه) 2/166-167.

فيديو مقال السرقة العلمية بين المدلول اللغوي والشرعي

أضف تعليقك هنا