كتبه: حبيب الله أولاوالي ألاويي (الجمهوري)
ماجستير في الشريعة في جامعة إلورن بنيجيريا
الحمدُ لله الذي أنزَلَ على عبدهِ الكتاب ولم يجعلْ لهُ عوجاً، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خير خلق الله محمَّدِ بن عبد الله الذي أتمَّ به تشرَيعه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً مباركاً .
فالغاية المهدفة من اختيار هذه الزاوية من المعرفة لكتابة هذه المقالة المتحفة هي إيراد وبيان تلك الآراء المنصفة المتداولة في العصور المشرفة المتعلقة بالمسح على الجوارب المرحفة.
أجل، فإن مدار كلماتنا في هذا الباب بحروفها المتوفرة لا يخرج من إطار العناصر التالية:
متمنيا من الله أن يجعلني مصيبا وموفقا فيما كنت فيه من العمل ويجعله خالصا لوجهه الكريم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
فمادة الجورب كلمة أعجمية معربة فهي كما قال الزركشي وهو غشاء من صوف يتخذ للدفء.[1] وأما معناه الاصطلاحي فهو ما يلبسه الإنسان في قدميه سواء كان مصنوعا من الصوف أو القطن أو الكتان أو نحو ذلك.[2] وجاء في حاشية الصاوي أنه شبيه للخف وهو ما اصطنع من قطن أو كتان أو صوف ظاهره الجلد.[3] ويعتبر الجورب نوع من أنواع حوائل الرجل – وهي ما يلبس في الرجل– التي منها الجرموق والخف واللفافة مع وجود ما يميز بعضها عن بعض.
فالْخُفُّ مثلا يمتاز عن غيره من حوائل الرجل بما أنه يصنع من جلد رقيق. ولذلك كان الفقهاء يطلقونه على ما يستر الْكَعْبَيْنِ فَأَكْثَر من جلد ونحوه.[4] وأما الْجُرْمُوقُ أو الموق على حد اصطلاح البعض فيكون من الجلد أيضا كالخف إلا أن لباسه يكون على الخف عادة توقيا من برد شديد ، أو حذارا من وقوع الطِّينِ عليه أو نحو ذلك.[5] وأما اللفافة فكانت تكون على هيئة الخف أو الجورب لكن ثباتها عادة كانت تضطر إلى التثبت بالربط والشد.[6] فالفروق بين تلك الحوائل ظاهرة في “أَنَّ الْخُفَّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مِنْ جِلْدٍ وَنَحْوِهِ ، وَالْجُرْمُوقَ يَكُونُ مِنْ جِلْدٍ وَغَيْرِهِ ، وَالْجَوْرَبَ لاَ يَكُونُ مِنْ جِلْدٍ”.[7]
يمكن تقسيم الجورب باعتبارات مختلفة كما سيتضح في السطور التالية:
تقسيمه باعتبار مواده إلى ما يلي[8]:
تقسيمه باعتبار درجة رقته وثخانته إلى قسمين:
تقسيمه باعتبار وجود الجلد فيه وعدمه إلى ثلاثة أقسام[9]:
اعلم أنه يشترط لجواز المسح على حوائل الرجل شروط[10]:
الأول: أن يكون ساترا لمحل الفرض وإلا فحكم ما استتر المسح وما ظهر الغسل ولا سبيل إلى جمعهما فوجب الغسل لأنه الأصل وسواء كان ظهوره لقصر الحائل أو سعته أو صفائه أو خرق فيه.
الثاني : أن يكون ثابتا بنفسه إذ الرخصة وردت في الخف المعتاد وما لا يثبت بنفسه ليس في معناه وحينئذ لا يجوز المسح على ما يسقط لزوال شرطه.
الثالث : أن يمكن متابعة المشي فيه فلو تعذر لضيقه أو نعل جديدة أو تكسيره كرقيق الزجاج لم يجز المسح لأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معناه وفيه وجه.
الرابع : أن يكون مباحا فلا يجوز المسح على المغصوب والحرير لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة إن لبسه لحاجة كالبلاد الباردة التي يخشى فيها سقوط أصابعه أجزأه المسح عليه.
الخامس : أن يكون معتادا فلا يجوز على الخشب والزجاج والنحاس وهو اختيار الشيرازي واختار أبو الخطاب والمجد.
فقد ثبت في سنته – عليه الصلاة والسلام – أنه كان يمسح على الجوربين في مواطن كثيرة. منها ما سنذكره فيما يلي:
ويقول ابن القيم رحمة الله عليه : “كما أن الصحابة سادة الأمة وأئمتها وقادتها فهم سادات المفتين والعلماء. ونقل رحمه الله عن الشافعي أنه قال في الصحابة : هم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم ، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا ..الخ”.[14]
والكلام على حكم المسح على الجورب مع وسع نطاقه يرجع إلى مسألتين أساسيتين.
فالمسألة الأولى: هل يجوز أن يُمسح على الجوارب كما يُمسح على الخفاف؟
والمسألة وثانيتها: هل ذلك شامل لكل جورب؟
وعليهما مدار ما سنذكره من أقوال علماء المذاهب الأربعة بالنسبة لحكم المسح على الجورب على حدة.
أما ما يتعلق بالمسألة الأولى: فلنكتف بقول الشنقيطي –لكونه هو الراجح في المسألة – حيث يقول: والذي يظهر -والله أعلم- جواز المسح على الجوربين: أولاً: لصحة الحديث – أي حديث مغيرة، فقد صحَّحه غير واحد من أئمة الحديث، منهم الإمام الترمذي والإمام أحمد رحمة الله عليهما.[15]
وأما بالنسبة للمسألة الثانية فقد ورد فيها أقوال مختلفة فمن أهمها ما كان عرضه فيما يلي:
فقد ذهب الجمهور إلى جواز المسح على الجورب في حالتين؛ فأولاهما أن يكون الجوربان مجلدين يغطيهما الجلد لأنهما يقومان مقام الخف في هذه الحالة. ويليها أن يكون الجوربان منعلين أي لهما نعل وهو يتخذ من الجلد وفي الحالتين لا يصل الماء إلى القدم لأن الجلد لا يشف الماء[16].
لا يجوز المسح على الجورب عند الحنفية إلا إذا كان منعلا أو مجلدا أو صفيقا يستمسك على الساق بلا ربط ولم يلبس مكعبا.
وبيان كل ذلك ورد في الفتاوى الهندية هكذا: ” وَيُمْسَحُ على الْجَوْرَبِ الْمُجَلَّدِ وهو الذي وُضِعَ الْجِلْدُ على أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَالْمُنَعَّلِ وهو الذي وُضِعَ الْجِلْدُ على أَسْفَلِهِ كَالنَّعْلِ لِلْقَدَمِ وَالثَّخِينِ الذي ليس مُجَلَّدًا وَلَا مُنَعَّلًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمْسِكَ على السَّاقِ بِلَا رَبْطٍ وَلَا يُرَى ما تَحْتَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إذَا لَبِسَ مُكَعَّبًا لَا يُرَى من كَعْبَيْهِ أو قَدَمَيْهِ إلَّا مِقْدَارُ أُصْبُعٍ وَأُصْبُعَيْنِ جَازَ الْمَسْحُ عليه وهو بِمَنْزِلَةِ الْخُفِّ الذي لَا سَاقَ له “.[17]
أما عند المالكية فعليه قول ابن حاجب في جامع الأمهات: “فلا يمسح على الجورب وشبهه ولا على الجرموق إلا أن يكون من فوقه ومن تحته جلد مخروز”[18]. وعليه هذا النص المنقول من حاشية الصاوي:” فَإِنْ لَمْ يُجَلَّدْ فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ”[19]. إذن فهم مشترطون التجليد فيما يجوز المسح عليه من الجوارب.
وأما عند الشافعية: يقول الإمام الشافعي:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُ : ” وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَوْرَبَانِ مُجَلَّدِي الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ حَتَى يَقُومَا مَقَامَ الْخُفَّيْنِ” [20]. ولكن القاضى أبي الطيب خالف الإمام في هذا وقال: ” الطيب لا يجوز المسح على الجورب إلا أن يكون ساترا لمحل الفرض ويمكن متابعة المشى عليه”. ثم قال: “وما نقله المزني من قوله إلا أن يكونا مجلدي القدمين ليس بشرط وإنما ذكره الشافعي – رضي الله عنه – لأن الغالب أن الجورب لا يمكن متابعة المشى عليه إلا إذا كان مجلد القدمين”[21].
وأما عند الحنابلة فيقول ابن قدامة رحمه الله: “إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذين ذكرناهما في الخف أحدهما أن يكون صفيقا لا يبدو منه شيء من القدم. الثاني أن يمكن متابعة المشي فيه. قال: هذا ظاهر كلام الخرقي”.[22] والصفيق: كثف نسجه أي جورب كثيف النسج.
فمن خلال دراسة تلك الأقوال السابقة أرى أن قول الأستاذ وهبة الزحيلي يستحق الاعتبار حيث يقول: “والراجح رأي الحنابلة لاستناده لفعل الصحابة والتابعين، ولما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلم في حديث المغيرة. وهو الرأي المفتى به عند الحنفية”[23].
قلت: فمنه أن هذا القول فيه مراعاة للحاجة الإنسانية في عالمنا اليوم العالم الذي رأينا كائناتها البشرية تركوا كل ما ذكره علماء المذاهب من أنواع الجوارب بصفة ما يجوز المسح عليه من المجلد وغير ذلك كالبائن طلاقها واستصعب الرجوع إليها لدى الأفراد والجماعات غير هذا النوع أي الجورب الصفيق. فأرى إمكانية لزومه من دون معاناة مشقة ولا منافاة مقصد شرعي، جمعا بين قول القائلين بأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة وقول القائلين بأن الضرورة تقدر بقدرها. والعلم عند الله.
فهي : ” أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثمَّ يُمرُّهما إلى ساقه ، يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى ، والرجل اليسرى باليد اليسرى ، ويُفرِّج أصابعه إذا مسح ولا يكرر المسح ” [24]. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” يعني أن الذي يمسح هو أعلى الخف ، فيُمرّ يده من عند أصابع الرجل إلى الساق فقط ، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً ، يعني اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى ، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة ، كما تمسح الأذنان ، لأن هذا هو ظاهر السنة ، لقول المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : ” فمسح عليهما ” ، ولم يقل بدأ باليمنى بل قال : مسح عليهما ، فظاهر السنة هو هذا.” أ.هـ. [25] ويقول الزحيلي: ” ويمسح على الجوربين إلى خلعهما مدة يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر، ويجب عند الحنابلة أن يمسح على الجوربين، وعلى سيور النعلين، بقدر الواجب في المسح على الخفين.”[26] وقيل: لَا يَتَقَيَّدُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، وَلَا بِأَكْثَرَ. [27]
فإليكم مجموعة من اللطائف الفقهية المتعلقة بهذا الباب، اخترتها أثناء مروري بالكتب الفقهية، لإفادة القراء الأعزاء بها خلال هذه المقالة:
قدمت هذه المجهودات بنشر ما سبق لي المرور به أثناء مراجعتي للمطولات والمبسوطات من الكتب مما له علاقة وتيدة بقضايا المسح على الجورب نظرا إلى واقعنا اليوم بالنسبة لتعاملنا مع الجورب حتى لا تكاد ترى دارا إلا وفيه مستخدمه بشكل يومي، ولذلك أدعو انتباه فقهاءنا أن يصرفوا معظم جهودهم في بيان أحكام الجورب حتى لا تكون في الخف فقط، إذ أن حاجة الناس إلى معرفة حكم الجورب أشد من حاجتهم إلى معرفة حكم الخف في العصر الراهن لكثرة مستخدميه. فجزى الله علماء المسلمين وفقهاءهم خير الجزاء عن المسلمين قاطبة، وجعلهم الله من الذين يقال فيهم في يوم الجزاء: “إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا“.[33] أمين.
[1] ابن مفلح: المبدع شرح المقنع، 1/100.
[2] أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي: الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، 1/431.
[3] حاشية الصاوي على الشرح الصغير، 1/251.
[4] مختار الصحاح مادة : ( خفف )؛ ابن عابدين، (دار إحياء التراث العربي) 1 / 174.
[5] مختار الصحاح والمصباح المنير مادة : ( جرم ) .
[6] الشيخ حمد بن عبد الله الحمد : شرح زاد المستقنع، 2/29.
[7] الموسوعة الفقهية الكويتية، 15/144.
[8] محمود بن أحمد مازه : الميحط البرهاني، 1/212.
[9] عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، 1/75.
[10] المغني، ا/333؛ البهوتي: شرح منتهى الإرادات، (عالم الكتب) 1/65؛ شرح الزركشي، (دار الكتب العلمية) 1/115.
[11] رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي. وروي هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري، وليس بالمتصل ولا بالقوي (نيل الأوطار:179/1).
[12] رواه أحمد والترمذي والطبراني، (المرجع السابق).
[13] النووي: المجموع شرح المهذب، 1/499.
[14] ابن القيم الجوزي: إعلام الموقعين عن رب العالمين، 1/14.
[15] محمد بن محمد المختار الشنقيطي : شرح زاد المستقنع، 14/09.
[16] انظر الموسوعة الفقهية، 37/271.
[17] الفتاوى الهندية، (دار الفكر) 1/32.
[18] ابن الحاجب: جامع الأمهات، 1/71.
[19] حاشية الصاوي على الشرح الصغير، 1/251.
[20] علي بن محمد الماوردي: الحاوي في فقه الشافعي، 1/364.
[21] المجموع شرح المهذب، 1/499.
[22] ابن قدامة المقدسي: المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، 1/331.
[23]وَهْبَة الزُّحَيْلِيّ: الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ، 1/440.
[24] انظر: صالح الفوزان: الملخص الفقهي، 1/43.
[25] انظر فتاوى المرأة المسلمة، 1/250.
[26] الفقه الإسلامي وأدلته، 1/440.
[27] محمد العربى القروى : الخلاصة الفقهية: 1/37؛ حاشية الصاوي، 1/251.
[28] ابن قدامة : الشرح الكبير على متن المقنع، 1/150.
[29] ابن جبرين: شرح أخصر المختصرات، 24/18.
[30] حمد بن عبد الله الحمد: شرح زاد المستقنع، 2/29.
[31] علاء الدين الكاساني: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (دار الكتاب العربي) 1/11.
[32] مجلة البحوث الإسلامية، 60/137.
[33] سورة الإنسان: الآية 22.
بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد
بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد
بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد
بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد
بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد
بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد