ما بين آدم الرسول وآدم أبو البشرية

ظهر حديثاً العديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بآدم عليه السلام ، هل هو فعلاً أبو البشرية جميعها أم أنه رسول من رسل الله في أزمنة لاحقة في المنطقة العربية، ولعل أكبر المنادين بالتمييز ما بين آدم الرسول وآدم أبو البشرية الدكتور أحمد داوود في كتابه تاريخ سوريا القديم.

حيث يقول : ((إن معرفة العربي بنسبه تقف منذ أقدم العصور عند آدم ، لكن الوقوف عند آدم الذي نعرفه ترك ما وراءه فراغاً مخيفاً مبهماً يطلق لخياله العنان في رسم البداية، وطالما أن تلك البداية سدت من حيث التسلسل في النسب فلا بد إذن من بداية مع آدم نفسه لها سماتها ومواصفاتها، بحيث جعلت هذا الجد العربي مزيجاً من الواقع والرمز في آن معاً، كما لا بد وأن يتحمل كل ما يمكن تصوره عن بداية الإنسان أو الإنسان البداية )).

التمييز ما بين آدم الرسول وآدم أبو البشرية

ويستند الدكتور داوود في نظريته الخاصة بالتمييز ما بين آدم الرسول وآدم أبو البشرية إلى الحجج التالية :

  •  إن كلمة آدم التي يُقصد بها ما نعرفه اليوم بالإنسان العاقل الأول هي اسم لجنس وليست اسماً لشخص، فالرب الخالق حينما خلق الإنسان العاقل الأول من ذكر وأنثى لم يخلقه فرداً بل فرادى وإلا لكان حتماً على ذرية هذا الزوج الفرد والزوجة الفرد أن يتكاثروا منذ البداية عن طريق التزاوج بين الأخوة ، وهذا هو المحال بعينه من كل الجوانب الإنسانية والإلهية.
  •  إن التراث العربي ميز بين آدم الإنسان العاقل الأول وآدم الرسول، فإذا كان عمر الإنسان العاقل يعود ربما لمئات الآلاف من السنين، فإن آدم الرسول لا يتعدى الألف السادس قبل الميلاد، وهو الذي عناه القرآن الكريم في الآية {{ إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم }} آل عمران 33-34.
  •  لكن الذاكرة الشعبية العربية رغم هذا التمييز، خلطت بين آدم كاسم لجنس الإنسان العاقل الأول وبين آدم الرسول، وهذا الخلط بين الاثنين ضيّع كثيراً من جوانب الحقيقة التاريخية لكل منهما، واستطراداً لذلك جعل من الكائن المخلوط الجديد أقرب إلى الخرافة منه إلى الحقيقة التاريخية.
  •  إن جهل وتخلف الكهنة الذين كتبوا أسفار التوراة بعد موسى بألف عام أضافوا بتفسيراتهم ونظراتهم المتخلفة إلى الموضوع إشكالات أخرى جديدة أوقعه نهائياً موقع الخرافة، حينما قرروا أن عملية الخلق تمت لآدم الفرد الذكر وحده أولاً، وقد جبله الخالق من الطين بيديه كما يجبل المثّال تمثالاً، ثم نفخ فيه نسمة الحياة ومن ضلعه خلق له أنثاه حواء.
  •  وأخيراً إن الخلط بين آدم الإنسان العاقل الأول وبين آدم الرسول سبب عمليات خلط أخرى نذكر منها :
    • – فالعربي الذي يحفظ سلسلة نسبه وبخاصة ذلك النسب الخاص بالأنبياء والرسل والذي ينتهي عند آدم الرسول لم يعد يميز بين الآدمين.
    • – لما كان الناس في زمن آدم الرسول قد توزعوا أنماط العيش المتعددة ما بين الصيد والرعي والزراعة، ويدل على ذلك التنافس ما بين ابني آدم هابيل الراعي وقابيل الزارع، فقد أسقط ذلك بسهولة على آدم الإنسان العاقل الأول، ولما كانت البشرية قد تحركت في تطورها من حياة العطالة المعتمدة على ما تقدمه الطبيعة من كساء وغذاء إلى حياة الصيد ثم تدجين الحيوان وتربيته والانتقال بالتالي إلى حياة الرعي، ثم إلى تدجين النباتات وزراعتها والانتقال إلى حياة الاستقرار الزراعي، فقد كان على أبينا آدم أن يتحمل بنفسه وطأة كل هذه العملية.

إن ما نلاحظه في حجج الدكتور أحمد داوود النقاط التالية

  • الحجة الأولى

    • بنى الدكتور داوود حجته الأولى على فرضية مفادها إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق البشرية من ذكر وأنثى وإنما خلق مجموعة من الأفراد تكاثروا فيما بينهم دون حدوث زواج بين الأشقاء بمعنى أن الله سبحانه وتعالى خلق ذكرين وأنثيين على اقل تقدير فتزوج كل ذكر أنثى ثم حدث التزاوج بين الأبناء بحيث أن ابن الذكر الأول تزوج ابنة الذكر الثاني والعكس صحيح ، فالدكتور داوود افترض تحريم الزواج بين الأخوة منذ بداية البشرية.
    • علما بأن اغلب الباحثين المنادين بهكذا نظريات يرون أن الجماعة البشرية الأولى كانت تعيش مشاعة جنسية فلا تمييز بين أخت أو أم أو بنت أخ، ومعلوم لدى الجميع أن الكثير من الأسر المالكة في مصر القديمة وروما القديمة وغيرها كان يتزوج الشقيق من شقيقته للمحافظة على نقاء السلالة ولضمان الحكم، والله سبحانه وتعالى ذكر قصة الخلق في القرآن الكريم بقوله: {{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}} النساء 1.
  • الحجة الثانية

    • فقد اعتمد فيها على ما ورد في سلسلة النسب العربي التي وصلت الأجداد جداً إثر جد حتى آدم عليه السلام ، ونقول في هذه الحجة ما يلي:
      • إن سلسلة النسب العربي المذكورة في كتب النسابين لا يمكن الجزم بصحتها خاصة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يكذّب النسابين فيما فوق عدنان، والدكتور داوود لمّا اعتمد في حساب زمن آدم على هذه السلسلة تبين له أن عصر هذا الرسول لا يتجاوز الألف السادس قبل الميلاد فالمدة بين نوح وآدم اعتمادا على سلسلة النسب العربي لا تتجاوز عدة آلاف علماً بأن المدة ما بين الرسولين قد تصل لعشرات الآلاف من السنين فآدم أبو البشرية الأول ونوح أبو البشرية الثاني.
      • والدكتور داوود نفسه يشكك في صحة هذه السلسلة كما نلاحظ من فحوى كلامه في مقدمة الحجج الآنفة فكيف يعتمد في حساباته على هذه السلسلة التي يطعن فيها أصلاً، فسلسلة نسب الإنسان العربي التي تنتهي بآدم عليه السلام لا يمكن اعتبارها حجة على قرب عصر آدم عليه السلام ، فالمدة ما بين آدم ونوح عليهما السلام لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فالنسابون العرب ربطوا نسبهم بآدم عليه السلام عبر حشو العديد من الجدود معتمدين في ذلك على ما ورد من أسماء في التوراة من جهة وعلى أن المدة الزمنية مابين آدم ونوح عليهما السلام قريبة جداً .
      • هذا وقد أثبتت أغلب الدراسات والأبحاث أن الوجود البشري على هذه الأرض يصل لعشرات الآلاف من السنين، فهناك أبحاث ترى أن الإنسان الأول قد عاش على هذه الأرض منذ 60 ألف عام ومنها من يرى أنها 100 ألف عام وبعضها الآخر يرى أنها تصل لمليون عام .
  • الحجة الثالثة

    • فيرى حدوث خلط في الذاكرة العربية ما بين الإنسان الأول العاقل وآدم الرسول، والحقيقة أن الإنسان الأول العاقل هو نفسه آدم الرسول، فربط سلسلة النسب العربي بآدم عليه السلام لا يعني أن عهده قريب جداً، فهناك الكثير من الأجداد الغائبين في سلسلة النسب المذكورة.
  • الحجة الرابعة

    • فنقول إن اعتماد النصوص التوراتية في الوقت الحاضر للاستنتاج والنقد ليس في محله لأن هذه النصوص في مجملها غير صحيحة إما للتزوير الذي اعتراها من قبل الكهنة سواء أكان ذلك عن قصد أو عن جهل، وإما أن النقل المتواتر للنصوص قد أسهم في تشويهها خاصة وأنها نقلت عن نصوص أقدم ( سومرية وبابلية ).
  • الحجة الخامسة

    • ويرى الدكتور داوود في حجته الخامسة أن هذا الخلط بين آدم الإنسان العاقل الأول وآدم الرسول سبب عمليات خلط أخرى نتج عنها عدم التمييز بين الناس ونسبة كل الإنجازات التي قامت بها البشرية من تدجين للحيوانات وزراعة للنباتات لآدم عليه السلام ولأبنائه.

قابيل وهابيل يعتبران أول جيل في البشرية

نقول إن آدم وأبناءه أول من دجن الحيوانات ورعاه وأول من زرع المزروعات وأول من خصص الأعمال بين الرعي والزراعة، وأن ابنه هابيل الراعي الأول وابنه قابيل الزارع الأول ، فابنا آدم قابيل وهابيل يعتبران أول جيل في البشرية، ودليلنا في ذلك قول الله عز وجل {{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ*لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ*إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِن أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ*فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ*فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ في الأرضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءة أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءة أَخي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّـادِمِينَ}} المائدة 27-31.

فنلاحظ من الآية أن قابيل قد تعلم كيفية دفن أخيه من الغراب مما يعني أن عادة الدفن لم تكن موجودة في تلك الحقبة من الزمن ، وهذا الأمر يقودنا للاستنتاج التالي:

  • إما أن عادة الدفن لم تكن موجودة عند قوم آدم الرسول وهم العرب القدماء الذين عاشوا في الجزيرة العربية في الألف السادس قبل الميلاد كما يرى الدكتور داوود وهذا هو المحال بعينه لأن المكتشفات الأثرية ومستحاثات الإنسان العربي القديم تؤكد على أن عادة دفن الموتى كانت معروفة لدى العرب منذ أقدم العصور.
  • وإما أن موت هابيل ( قتله ) تعتبر أول حالة وفاة في تاريخ البشرية وهذا الصواب كما نرى، وبالتالي فإن قابيل وهابيل من أبناء آدم الإنسان العاقل الأول والرسول وأبي البشرية جمعاء.

فيديو مقال ما بين آدم الرسول وآدم أبو البشرية

أضف تعليقك هنا