الأقسام صحة

ما علاقة فيروس كورونا بالهشاشة الديموغرافية للقارة الأوروبية؟

هل القارة العجوز تحتضر؟

نظرا للتطور الذي عرفته القارة الأوروبية خلال القرنين الماضيين، والمقرون بالثورات الصناعية والتطور العلمي والثقافي، عرفت بلدان هذه القارة تغيرات ملحوظة في مجتمعاتها مرتبطة أساسا بالتطور الذي شهده نمط عيش السكان, وعلى رأس هذه التغيرات نجد أن مسألة الديموغرافية حاضرة بقوة, حيث حظيت هذه الدول بشرف تدشين مبيان الانتقال الديموغرافي الذي سارت عليه باقي دول العالم من بعدها.

وبذلك فان أوروبا لها اسبقية على معظم بلدان العالم من حيث الانتقال الديموغرافي، هذه الاسبقية بالذات هي من جعلت منها قارة عجوزا على خلاف معظم بقاع العالم، كما جاء في نظرية الانتقال الديموغرافي لأمريكي ”فرانك نورشتاين”, الذي قسم التطور الديموغرافي للسكان في أربعة مراحل.

الانتقال الديمغرافي بالقارة الاوروبية

المرحلة البدائية حيث يكون معدل الوفيات مرتفع بسبب ضعف المنظومات الصحية وتفشي الامراض والاوبئة والمجاعات وغيرها، كما ان معدل الولادات بهذه المرحلة يكون مرتفعا هو الاخر من أجل تعويض نسبة الوفيات القوية، ما يخلق نوعا من الاستقرار داخل المجتمع. أما المرحلة الثانية فهي عندما تعرف الدولة نقلة تطورية نوعية تتمثل في ظهور اللقاحات وتوفر شروط صحية وغذائية سليمة.

حيث يأخذ عدد الوفيات تلقائيا في التراجع، في حين تظل نسبة الولادات على ما هي عليه. أما المرحلة الثالثة فهي حين تبدأ التكنولوجية والعولمة بالتغلغل داخل المجتمعات التقليدية لتغير نوعا ما من الثقافة والوعي السائدين، ما يجعل نسبة الولادات تأخذ بدورها في التراجع. ثم تأتي المرحلة الأخيرة التي جعلت من القارة الأوروبية قارة عجوزا حيث تنخفض نسبة الولادات الى اقصى حد، مصحوبة بانخفاض في معدل الوفيات وارتفاع في امد الحياة بفعل تطور المنظومة الصحية، ما يخلق لنا مجتمعا غنيا بكبار السن ومفتقرا لعنصر الشباب.

الى أن كل ما ذكرناه قد يبدو للبعض متناقدا الى حد ما مع ما سبق ذكره في بعض البلدان، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو تبني هذه الدول لسياسات منفتحة متعلقة بقضية الهجرة، تهدف الى استقطاب أكبر قدر من اليد العاملة المؤهلة لتجنب الكساد الاقتصادي، وعدم استسلامها لما يعرف بالانتحار الديموغرافي.

هل فيروس كورونا يستهدف كبار السن؟

من هنا يمكننا اثبات أن القارة الأوروبية قد اكتسبت لقبها هذا عن جدارة، وحتى نعود الى صلب الموضوع، فإن التركيبة السكانية للقارة تجعلها ومن الوهلة الأولى عرضة لوباء “كوفيد-19 المستجد” أكثر من غيرها، حيث أن المعلومات المتاحة تفيد بأن الوفيات من ضحايا الفيروس أغلبه من كبار السن، اذ تعتبر هذه الفئة هي الأكثر تضررا كون التقدم في العمر يضعف من مناعة الشخص ويجعله أكثر عرضة للأمراض، وأكثر تأثرا بها.

من هنا يبرز لنا مسارا للقضية يمكننا التشبث به لتفسير الانتشار المهول للفيروس بالقارة الأوروبية، حيث تجاوزت بعض الأرقام ما قد تم تسجيله في الصين التي تعد بؤرة الوباء.

مقالات متعلقة بالموضوع

بنية ديموغرافية ضعيفة وهشة

وكنظرة عامة على التعداد السكاني بالقارة العجوز، نجد أن هذه المنطقة في حدود سنة 1995 كانت ساكنتها تشكل حوالي 20% ساكنة العالم، في حين لم تعد تشكل اليوم سوى 9% من هذه النسبة. وفي صلب هذا التراجع المهول، نجد أن دولة مثل بريطانية مثلا تشكل بها نسبة المواطنين في سن أزيد من 54 سنة، أكثر من %30. من عدد السكان.

هل فيروس كورونا يهدد سلامة الهرم الديموغرافي للقارة؟

اذا ما حصرنا الوضع الوبائي الى حدود اليوم 20/03/2020 في ثلاث دول أوروبية مثل إيطاليا واسبانيا وألمانيا, سنجد أن اجمالي عدد الإصابات هو 87279, أي بمعدل إصابة واحدة بين كل 2158 مواطن, ورغم أن الرقم يبدو ضعيفا ولا يبلغ مستوى مرتفع يخول له التأثير في الهرم السكاني, لكن اذا ما استمر الوضع على نفس المنوال وبنفس الوتيرة التصاعدية السريعة وبنفس قدر التركز حول فئة العجزة.

فقد يصبح الامر حقيقة وينجح الفيروس في احداث فجوة عميقة في الهرم السكاني للقارة, تكون لها تبعات اقتصادية واجتماعية مهمة. الامر الذي لا تجهله هذه القارة التي سبق وأن عايشت نفس السيناريو خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتان احدثتا تشوها في هرم السكان.

ومن أجل تفنيد هذا السيناريو المتوقع، يمكننا تبسيط مقارنة توضيحية بين الصين إيطاليا، حيث نجد ان عدد اللاصبات في إيطاليا بلغ حتى اليوم أزيد من 47021  حالة إصابة، من بينها 4032 حالة وفاة. في حين ان الصين التي هي بؤرة الوباء والتي سجلت ضعف الإصابات بإيطاليا بقدر 81250  إصابة، لم تعلن الا عن 3253  حالة وفاة، أي أضعف بكثير من إيطاليا التي سجلت هذا العدد الكبير خلال مساحة زمنية ضيقة.

تفسير الإرتفاع المهول والمتسارع للحالة الوبائية بقارة أوروبا

هذه المفارقات من شأنها أن تضعنا في الطريق الصحيح نحو تفسير الارتفاع المهول والمتسارع للحالة الوبائية بقارة أوروبا، حيث تقف الهشاشة الديموغرافية للقارة الى جانب عوامل أخرى وراء ما تشهده هذه الرقعة. ومن ناحية ثانية فان مخلفات هذه الازمة على القارة قد تبصم الهرم السكاني الأوربي بتشوهات عميقة إذا ما استمرت الوتيرة على ما هي عليه، ما سينعكس سلبا على اقتصاد القارة ووحدتها.

فيديو مقال ما علاقة فيروس كورونا بالهشاشة الديموغرافية للقارة الأوروبية؟

أضف تعليقك هنا
شارك
بقلم:

Recent Posts

مشاركة تلاميذ ثانوية المتنبي التأهيلية بإقليم آسفي في مباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة دورة 2024

بقلم: نبيل الهومي الكَبَّار: نبتة خضراء يسافر نفعها من آسفي إلى مناطق وطننا الغراء على سبيل… اقرأ المزيد

% واحد منذ

أفكار أعمال صغيرة مربحة جداً وغير مكلفة

بقلم: محمد زيدان أفكار مشاريع صغيرة, كثير هم الشباب الذين يبحثون عن فكرة عمل صغير,… اقرأ المزيد

% واحد منذ

على من نطلق الرصاص؟

بقلم: أحمد الحباسى كاتب وناشط سياسي أين هو العالم عما يحصل في فلسطين؟ هذا المقال… اقرأ المزيد

% واحد منذ

الكوارث تبرز أفضل وأسوأ ما في الناس

بقلم أميمة البقالي. ردود أفعالنا اتجاه الطوارئ والكوارث وسائل الإعلام تبقي الكوارث في طليعة أذهاننا.… اقرأ المزيد

% واحد منذ

فن الشاطئ.. رؤية فنية بحس جمالي فني سياحي لمدينة أصيلة الشويخ عبدالسلام

بقلم: الشويخ عبدالسلام. فنان تشكيلي - استاذ الفنون التشكيلية بفرنسا مدير قاعة العرض البيداغوجية التابعة… اقرأ المزيد

% واحد منذ

نقاء الروح

بقلم: محسن العويسي كلمات من كتابي (نقاء الروح) إلى جياع المدينة.. استعلاء المتحضر على الريفيّ في… اقرأ المزيد

% واحد منذ