التناظر في تطبيق الآليات السياسية والاقتصادية بين الدول الكبرى

بقلم: سيماء علي مهدي المعموري

المقدمة

في النظام الدولي تنقسم الوحدات السياسية إلى وحدات عليا ووحدات دنيا ، وإن المؤشرات التي تحدد مكانة الدولة في النظام الدولي هي القوه العسكرية والقوة الاقتصادية والمستوى التعليمي والأصالة الحضارية ومستوى الدخل الفردي‘ فإنه من المتصور أن تتمتع وحده معينه بمكانة عالية بالنسبة للمؤشرات المذكورة واخرى بالمكانة الدنيا أو بالترتيب التدريجي لتلك المؤشرات.

أولاً: آليات النفوذ على الصعيد السياسي للدول الكبرى

إن كلمة نفوذ بالغة العربية تعني الشدة والجدية والسُلطة, ويقال فلان متنفذ عند الحاكم أي يؤثر عليه ويأخذ برأيه. أما النفوذ السیاسي، فهو مصطلح یشیر إلى السلطة السیاسیة، أي القوة القانونیة للدولة، ويعتقد “مورغنتا” أن السياسة بين الأمم هي عبارة عن صراع من أجل السلطة و يرى بأن المعرفة الدقيقة للصراع على السلطة، هو المفتاح الأساسي لفهم المسائل السياسية.اما عن علاقه النفوذ بالمكانة الدولية فيمكننا القول بانه اذا كانت الدولة تتمتع بمكانة استراتيجية فان هذا يؤهلها الى ممارسه نفوذ في المنطقة المتواجدة فيها سواء كان اقليمياً او عالمياً كما هو الحال مع الولايات المتحدة الامريكية.
أما آليات النفوذ الدولي فأنها تتوقف على جملة من من الاعتبارات ابرزها:

1- نظام الحكم:

تعدد تعريفات نظام الحكم بتعدد واضعي تعريفاتها , منهم الدكتور ثروت بدوي ، عرفه على انه : ( مجموعة من القواعد والاجهزة المتناسقة المترابطة فيما بينها ، تبين نظام الحكم ، و وسائل ممارسة السلطة وأهدافها وطبيعتها ومركز الفرد منها وضماناته قبلها ، كما تحدد عناصر القوى المختلفة التي تسيطر على الجماعة وكيفية تفاعلها مع بعضها ، والدور الذي تقوم به كل منها . اما كابرييل الموند فيعرف النظم السياسي على أنه:( نظام التفاعلات الموجودة في كافة المجتمعات المستقلة التي تضطلع التكامل والتكيف داخليا( أي في اطار المجتمع ذاته) وخارجيا(أي بين المجتمعات الاخرى) عن طريق استخدام أو التهديد باستخدام الارغام المادي المشروع.

أما مدى تأثير نوعية نظام الحكم على مستوى تحقيق النفوذ السياسي للدول الكبرى للدول الكبرى, فإن الحكومات الديمقراطية اكثر تعامل مع متغيرات الدولية مقارنة بالانظمة الشمولية من ناحية تسمح بتبادل المعلومات والخبرات وتكون مدركة للاحداث الدولية بشكل عقلاني والتعامل معها بفعالية.

2- طبيعة الايديولوجية:

تظهر القراءة البسيطة للأنساق الدولية عبر تاريخ البشرية، ان هناك ترابطا كبيرا بين توزع القدرات المادية والابنية الثقافية والفكرية حيث أن الريادة في الساحة الدولية استمدت شرعيتها من قوة أولئك الذين يحوزون أكبر قدر من القوات المادية والفكرية، ويعملون على تدويل ثقافاتهم وتصوراتهم للعالم, وإذا كانت الثقافة السياسية السائدة تحدد، من وجهة نظر بنائية، طبيعة النظام الدولي، فإن العقيدة الفكرية السائدة هي التي تعرف مضمون النظام الدولي السائد، فالنظام السائد منذ نهاية الحرب الباردة من وجهة نظر بنائية هو “نظام ايديولوجيا العولمة” وهذا ما يفسر من وجهة نظر البنائيين التحولات في طبيعة النظام الدولي.

فالنظام الدولي لا يتغير، لأن علاقات القوة تغيرت، ولكن باعتباره انعكاس لتغير طبيعة العقيدة الفكرية السائدة، وهذا الطرح النظري هو الذي وظفه البنائيون في تفسير نهاية الحرب الباردة، إذ أن هذا التحول لم يحدث، لأن علاقات القوة تعرضت للاختلال لصالح الولايات المتحدة، لا بحدوث تغيرات في المؤشرات المادية للقوة، كما يرى الواقعيون، ولكن نتيجة تفجر صراع أفكار داخل الاتحاد السوفيتي بين الأيديولوجية الاشتراكية، وهي الأيديولوجية الرسمية وبين الأفكار الليبرالية والتي دخلت في مسار الانتشار مما أدى إلى تفكك الاتحاد نتيجة التمرد من بعض الكيانات التي أصبحت مقتنعة بالأيديولوجية الليبرالية.

3- المصلحة القومية

هي الحاجات والرغبات التي تدركها دولة ذات سيادة، وعلاقة ذلك بدول أخرى ذات سيادة تشكل المجال الخارجي لهذه الدولة. أما أنواع المصالح القومية هي:

  • المصلحة الدفاعية Defense Interest: الدفاع عن الدولة (مجموعة دول) ومواطنيها من أي تهديد بالعنف المادي بواسطة دولة أخرى أو مجموعة دول، والحماية من أي تهديد خارجي محتمل، مباشر أو غير مباشر، ضد النظام السياسي القومي.
  • المصلحة الاقتصادية Economic Interest: تعظيم الرفاهية الاقتصادية للدولة أو مجموعة دول بالنسبة للدول الأخرى.
  • تمصلحة النظام الدولي World- Order Interest: الحفاظ على نظام دولي سياسي واقتصادي، تستطيع الدولة أن تشعر في إطاره بالأمن، ويمكن أن يمتد نشاطها التجاري خارج النطاق الجغرافي للدولة بحرية.
  • ثالمصلحة العقائدية Ideological Interest: حماية وتدعيم مجموعة من القيم، التي يشترك فيها المواطنون والدولة أو مجموعة دول، والاعتقاد في صلاحيتها في كل العالم

4 – الجانب الدبلوماسي

تعد الدبلوماسية في العلاقات الدولية سلاحاً ذو حدين ، أما حداً ودياً وذلك بجعل الدبلوماسية اداة صداقة وتقارب ، او حداً عدائياً أي أداة تأديب ومعاقبة لفرض ارادة الدول على سائر الشعوب ودول العالم . ومن الممكن توظيف الجانب الدبلوماسي على الصعيد السياسي للدول الكبرى لتحقيق نفوذها وارادتها على باقي دول العالم سواء أن أكانت بطريقة ودية أم عدائية .
5 – الاستقرار والانسجام المجتمعي : لا شك أن درجة الاستقرار والانسجام المجتمعي الذي تتمتع به الدول الكبرى ينعكس على واقعها السياسي ومستوى تأثيرها ونفوذها على المستوى الإقليمي والدولي ، ومن الممكن توظيف ذلك الاستقرار في تحركاتها الخارجية وبالتالي التأثير على القوى الاخرى في المجتمع الدولي.

6 – الرأي العام

ليست هنالك دولة في العالم مهما بلغت قوتها تستطيع تجاهل الرأي العام سواء ان كان محلياً ام عالمياً ، بل نجد أن الدول تحاول دائماً أن تعطي تفسيرات ومبررات لسياستها بغية أقناع الرأي العام العالمي بها ، وتجنباً لما قد يجلبه عليها عدم أقناعه من معارضة ، وبالتالي الدول الكبرى أن استطاعت توظيف الرأي العام لصالحها سيعزز بلا شك مكانتها ونفوذها على الصعيد الدولي .

ثانياً: آليات النفوذ الدولي على الصعيد الاقتصادي للدول الكبرى

من المعلوم أن القوة الاقتصادية تعنى قابلية الدولة على ادامة اقتصاد قوي في السلم والحرب على حد سواء ، ومع التطور الكبير الذي شهدته العلاقات الدولية في مجالات المواصلات والاتصالات ، فضلاً عن التطور الهائل في صناعة الأدوات والآلات والذي ساعد على الاستخدام الأمثل للمواد الخام والمواد الطبيعية من الارض او على تصنيعها ، ازدادت المنافسة الصناعية والاقتصادية بين الدول الكبرى ، الا ان اليات تحقيق النفوذ من لدن دولة كبرى على باقي الدول الأخرى من ممكن ان ياخذ أشكال متعدد على مستوى الجانب الاقتصادي ، من خلال ما يسمى بالمساعدات والمنح والفروض وحتى الاستثمارات.

ومن أمثلة الدول التي تطبق مثل هكذا اليات اقتصادية لزيادة مستوى نفوذها الإقليمي والعالمي على مستوى الدول الكبرى هي : اليابان ، فرنسا ، وبريطانيا وغيرهما من الدول المانحة ، التي تسهم بدورها في المشاريع الانسانية في مختلف دول العالم ، اذ ان هذه المساعدات تهدف الى اضفاء نوع من التأثير السياسي والنفوذ الاقتصادي للدول الكبرى المانحة على غيرها من الدول . ومن الممكن أن تأخذ هذه المساعدات أشكال متعددة منها المساعدات العسكرية ، الفنية ، المالية وما إلى ذلك ، ومن الممكن أن تستخدم بوصفها وسيلة للضغط والتأثير على الدول المحتاجة لها.

من خلال التهديد بقطع هذه المساعدات ، والمقاطعة الاقتصادية ، ومنع الاستيراد ، وزيادة الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة من الدول المراد الضغط عليها لذلك ياتي التأثير الاقتصادي على درجة كبيرة من الأهمية ، فرغبة الدول الكبرى في السيطرة على منابع الطاقة ومصادرها دفعها وقد يدفعها مستقبلاً لشن حروب شرسة وطاحنة ، وذات تأثير طويل المدى على الأمم والشعوب المتأثرة بها.

ثالثاً: آليات النفوذ الدولي على الصعيدين العسكري والتكنولوجي للدول الكبرى 

 المستوى العسكري بلا شك لا أحد يستطيع اغفال أو انتقاص الدور الهام والمؤثر الذي يلعبه العامل العسكري في العلاقات الدولية ، سيما الدول الكبرى التي غالباً ما توظف العامل العسكري لتحقيق أهدافها ونفوذها على الصعيدين الاقليمي والدولي . ويرتبط هذ العامل بشكل كبير ارتباطاً وثيقاً ومباشراً بالاقتصاد ، عبر توظيف الامكانيات المادية والبشرية لذلك ، فالاقتصاد هو الدعامة الحقيقية للقوة العسكرية ، ناهيك عن الدعم السياسي والشعبي لهذه القوة لتأخذ الشرعية المناسبة لها , وبلا ادنى شك أن التطور الكبير الذي حصل في مجال الأسلحة الذرية والنووية والهيدروجينية قد غير كثير من سمات وخصائص العامل العسكري والتي تركت أثرها الكبير والمباشر في تحقيق وزيادة النفوذ على المستوى الدولي والاخلال بالتوازن المعهود من خلال:

  • القدرة على الهجوم المفاجئ التي اصبحت ذات أهمية كبيرة جداً لكسب المعركة .
  • الضرية الأولى التي توجهها دولة ضد دولة أخرى قد تكون قاتلة وحاسمة .
  • الدولة التي تعرض لهجوم ساحق قد لا تجد وقتاً كافياً لإعادة تعبئة قواها العسكرية والسياسية
  • الصراع المسلح قد يبدأ وينتهي بسرعة .
  • القوة التدميرية الرهيبة للأسلحة التي تمتلكها الدول الكبرى تجعل المواجهة العسكرية أمراً غير مرغوب به.

ما توصل إليه العالم على المستوى التكنولوجي

أما على المستوى التكنولوجي فمن الممكن القول أن ما توصل اليه العالم من تطور تكنولوجي كان نتيجة انصهار ثلاث ثورات علمية وهي :

  • ثورة المعلومات
  • ثورة وسائل الاتصال
  • نورة الحاسبات الالكترونية

اذ ان على الصعيد العسكري وظف العامل التكنولوجي من قبل الدول الكبرى عبر تدفق المعلومات بسرعة إلى القيادات العليا مما سيمكنها من السرعة في اتخاذ القرارات ، ناهيك عن بروز الصواريخ العابرة للقارات وطائرات التجسس بدون طيار والاقمار الصناعية والتي أصبحت مساراً للعمليات العسكرية الممتدة إلى جميع أرجاء الكرة الأرضية ، فمن يملك التكنولوجيا المعلومات من الدول الكبرى سيدخل في حلبة التنافس والصراع مع نظيراتها من الدول الأخرى ، او على الاقل تحقيق التوازن معهم من أجل تقاسم النقود على الصعيد الدولي.

الخاتمة

ان لكل دوله دورا معين في النظام الدولي يتناسب ومكانه الدولة فيها، كما ان هناك مجموعه من المتغيرات المادية والمجتمعية التي يمكن ان تؤثر في الدور الذي تقوم به الدولة ،ومنها المتغيرات الجغرافية ممثلا بالموقع والمساحة وتواجد العمق الاستراتيجي ، والموارد الاقتصادية والمتغيرات المجتمعية بما تمثله من قيم ثقافيه وتقاليد اجتماعيه و تجارب تاريخيه تؤثر في تكوين الراي العام ، وبالتالي قد تؤثر في دور الدولة، فضلا عن المتغير العسكري والتكنولوجي كلها عوامل مؤثره في تصاعد اوتراجع مكانة الدولة ومن ثم دورها في الاتجاه المخطط له او المرسوم ، كما قد تلعب السياسة الخارجية للدولة دورا في اعطائها مكانة دوليه تتناسب مع مواردها ومستوى تطورها الحضاري.

بقلم: سيماء علي مهدي المعموري

 

أضف تعليقك هنا