حلم ٌعلى قارعةِ الطريق

الحياة بلا حلم كالسفينة بلا ربان

أعتدتُ كل صباح أن أجهز نفسي لرحلة طريق المدرسة الشاق، المليء بالمفاجأت وأمل الوصول في التوقيت المناسب.ذات يوم خريفي استيقظت مبكرا كعادتي لأصلي وأعيد مراجعة دروسي قبل الانطلاق في المسير نحو الحلم، لأتفاجأ بصوت حبات المطر يشكل إيقاعه على سقف منزلنا المكون من صفائح معدنية وأعمدة من خشب أشجار الصفصاف المحاذي لمنزلنا قرب النهر، كانت الساعة الخامسة فجراً، خرجت من فراشي الدافئ إلى محيط الغرفة البارد غير محكمة النوافذ، وصوت صرير الريح يبعث في قلبي الخشوع ويدب في نفسي الإصرار على المواجهة والتغيير والوصول إلى الحلم رغم كل شيء.

بدأت في إعداد نفسي للذهاب إلى رحلتي المدرسية

أبعدتُ الملعقة الحديدية التي كانت تحكم النافذة لأرى الطقس، لأخطط لرحلتي المدرسية وكيف؟ وماذا ارتدي؟ ومتى الوقت المناسب للخروج من المنزل؟ وأي طريق أسلك تجنبا للمستنقعات والوحل الذي سيملأ الطريق الترابي غير المعبد؟

اقشعر بدني، وغسلت وجهي حبات المطر المحمولة مع الريح الشمالية الباردة ما أن فتحت النافذة، أسرعت لأغلقها، فقد كان الطقس سيء والظلام يملأ المشهد، أخذت الشمعة الكهربائية المحمولة كون الكهرباء كالعادة قد انطفأت بسبب تقطع الاسلاك القديمة، وسقوط الأعمدة الخشبية المتهالكة التي لا تحتمل هذا الطقس، بدأت اتنقل في المنزل بهدوء خوفا من أيقاظ أخوتي الصغار، وجدت والدتي على سجادة الصلاة.

الحديث الذي دار بيني وبين والدتي

قلت لوالدتي: صباح الخير يمه.
قالت: صباح النور أبني انا كملت صلاة اصب لك الريوك.
قلت: فدوه لروحكِ يمه أي والله أريد أروح من وقت اليوم عندي امتحان.
قالت: يمه الله يوفقك ويحقق أحلامك، بس الدنيا مطر اشلون راح تروح؟
قلت: يمه بالكي تسكت الدنيا من المطر.
قالت: أن شاء الله ربي يوفقك.

بعد الصلاة أعدتُ مراجعة مادة الامتحان 

بعد الصلاة والفطور أعدت مراجعة مادة الامتحان، فكانت عيني على الكتاب وسمعي يترقب توقف سمفونية حبات المطر، فكلما يخف الإيقاع كان الأمل يرتسم على شفاهي بابتسامة بريئة شفافة، واذا بالطقس يعاند وتزيد زخات المطر إيقاعها على سقف منزلنا لأعود وأفكر في الوقت وهل؟وماذا؟ وكيف؟ وكأن الطقس يقول( صغيري ليس كل هدوء توقف، فهنالك هدوء يسبق العاصفة).

الساعة ٧:٢٠ بدأت دقات قلبي بالتزايد خوفاً من استمرار المطر بالهطول

الساعة ٧:٢٠ بدأت دقات قلبي بالتزايد خوفا من استمرار المطر بالهطول، جهزت نفسي لكن لا أملك شمسية تقيني المطر أثناء مسيري حتى الوصول إلى الطريق المعبد، فكنت أخرج من الباب لعدة أمتار وأعود مسرعا بسبب المطر الكثيف.

قالت لي والدتي: ولدي خذ هذه سفرة الطعام وضعها على رأسك من المطر وأخرج كون الوقت يداهمك، والطريق طويل امامك، كانت هذه السفرة الوحيدة في المنزل ذات اللون الزهري، مرسوم عليها حقول ازهار التوليب الهولندية، كانت والدتي تحتفظ بها بعناية، وتخرجها فقط اثنا قدوم الضيوف لتضع عليها الطعام.

خرجت وأنا أسيرُ مسرعاً مخافة أن أتأخر

خرجت وأنا أسير على أطراف أصابعي قافزا من على الوحل مستغل الأرض الصلبة قليلة المستنقعات، حتى وصلت الطريق المعبد كانت الساعة السابعة والنصف على ما أعتقد أو ما يزيد كوني لا أملك ساعة يدوية أو هاتف، كان الضباب يملأ الأفق، وأنا اتقدم في المسير على الطريق المعبد الفرعي الذي يرتبط في الطريق الرئيسي الذي تسلكه المركبات من وإلى في مدينتي، بداء القلق ينتابني كون الوقت ليس بصالحي والمسافة المتبقية من الطريق ليست قليلة، بدأت بالهرولة وقد ابتلت حذائي بالكامل ووصل البلل إلى ركبتيّ كون المطر يسقط بزاوية حادة بتأثير الريح القوية وليس عموديا.

وأنا على الطريق سمعت صوت صافرة سيارة إسعاف

وأنا على هذا الحال سمعت صوت صافرة سيارة إسعاف، فكان حالي في تلك اللحظة بين شعورين الأول قلقي إلى أي منزل ذاهبة تلك الإسعاف في قريتي الصغيرة، وأي جار قد تعرض لسوء، والشعور الآخر الفرح قد يرق قلب سائق الإسعاف عند رؤيتي الوح له بيدي ويقلني معه إلى المدينة لأصل إلى مدرستي، كانت المفاجئة أنها توقفت السيارة بسرعة وبجانبي فأسرعت مبتعدا من المياه المتطايرة من تحت عجلاتها، لكي لا يتسخ قميصي الأبيض بالوحل، أشار إلي السائق بيده وهو يقول: تعال بسرعة دلني على بيت أبو محمد والدهم لدية جلطة وفاقد الوعي الآن وقد اتصلوا بنا لنقله إلى المستشفى هل ساعدتنا؟

ركبت معهم بسبب الأمطار وصعوبة الطريق

على الفور قبل أن أجيبه على سؤاله ركضت مسرعا ركبت معه في السيارة، وأنا أحس بنشوة الانتصار على الطقس وبين القلق على جارنا، بعد أن ألقيت التحية وقعت عيني على شابا وسيم يرتدي الصدرية البيضاء ويضع العطر ذا الرائحة الهادئة الجميلة، يجلس بجانب السائق، انتابني الفضول فتجرأت كعادتي وسألت ما هي وظيفتك يا عم؟قال: حبيبي انا ممرض، هل تريد أن تصبح مثلي وهو يضع يده على كتفي؟من غير انقطاع أجبت نعم ولكن كيف؟قال: من جد وجد ومن زرع حصد، قل سأكون وأجتهد وسترتدي هذه الصدرية البيضاء يوما ما أن شاء الله عزيزي وستذكرني.

بعد ثلاثة عشر عاماً رأيت حلمي يتحقق

اثناء خفارتي الليلية في مركز الحميات (قسم الأمراض الانتقالية)، في زمن الكورونا ((covid_19،بعد ثلاثة عشر عام عند الساعة الثانية وأنا أرتدي البدلة الوقائية، وقد أخذ التعب مني مأخذه سهدت عيناي دون أن أعلم للحظات وأنا متكأ على الجدار، سقطت إلى الأرض مترنحا فأفقت وبدأت بالضحك الهستيري وقد نزلت دموعي فرحا لتحقيق حلمي وحزنا على الطفل المصاب في الردهة فقد وصل إلى اللحظات الأخيرة من حياته.

فيديو مقال حلم على قارعة الطريق

 

أضف تعليقك هنا